ديكور مطابق للمواصفات

بالفعل، هو الديكور المناسب. لا حاجة إلى التشابيه ولا للبلاغة ولا إلى السجع ولا للنداءات «المتمسكنة» التي يلخصها الرحباني زياد بكليشيه الشعب «البريء» الذي يسأل كأنه لا يعرف: «وينيي الدولة». ها هي الدولة، حبيبي، تحت أنفك، هل تشم رائحتها؟ تمتع بلبنان، اخرج إلى الشرفة وانظر، لا داعي لـ"كشّ" الذباب أو الناموس أو حتى تلك الحشرات الطائرة التي لم نر لها مثيلاً من قبل، فهي وجدت وليمتها. وحين تحط عليك لا تفعل ذلك من أجل أن تمصّ دمك، أو لأنها جَوْعَى، بل لكي «تهضم».

وطني، حبيبي، ها هي جثتك المدوّدة، المنتفخة بغازات التحلل، ممددة تحت شمس تموز الحارقة، في الهواء الطلق: تتعفن بالبث المباشر صوتاً وصورة ورائحة... وبما أن الجبل قريب من الساحل، فها هي القناديل البحرية «تضيء جلود المستحمين في بحرنا الشفاف الأزرق اللازوردي. نعم، «هيدا جوّنا، هيدا نحنا» حكومة وشعباً، نحن أب المشهد وأمه. أليس الشبه واضحاً؟
الكلس الذي دُلِق بكرم على أكوام النفايات التي تنمو كل يوم، لم يستطع تحجيم المشهد. لكن، لن أدعوكم للنواح، ولا للغضب، فالمجتمع «شوب»، والناس أشبه بحبات الذرة في طنجرة بوشار، لا تدري من«يفرقع» ومتى أو لماذا.
لكن، وفي خضمّ السجال حول أين سنطمر نفاياتنا، أو على الأصح «ضد من سنطمرها»، وفيما كنت أتابع بأذن مصغية التصريحات حول الموضوع، وإذ بنوبة من الضحك تجتاحني مثبتة، فعلاً، وبالدليل، أن شرّ البلية ما يضحك.
هكذا، راقبت على مدى أيام، خريطة الإشارات المضمرة في التصريحات التي كان المسؤولون يدلون بها بين الفينة والأخرى، في معرض «جسّ النبض» بين المناطق «المستضعفة»، لاختيار مكان لمطمر لا يثير الكثير من الاحتجاج، أو يثير احتجاجاً من الممكن ضبطه.
والمناطق المستضعفة معروفة: هي تلك المفقرة والمجهلة أكثر من غيرها، أي تلك التي «إلها تم ياكل، ما إلها تم يحكي» ولكنها في الوقت ذاته لا تأكل منذ زمن طويل. أما المقصود بعبارة «احتجاج ممكن ضبطه»، فهو احتجاج المناطق المحسوبة على صاحب القرار اليوم... طائفياً، أي سياسياً باللغة اللبنانية.
لكن، يبدو أنه حتى هذه المناطق، كما حصل للعكار، لم تستطع بلع «إهانة» أن تكون مزبلة للعاصمة، للبنانيين جميعاً، خصوصاً أن أكوام الزبالة تلك، عكسنا، غير مفروزة، طائفياً.
كيف ستتحمل العكار نفايات بيروت؟ كيف ستتحمل زبالة الطوائف الأخرى المختلطة في وحدة غير مقصودة، بسبب مركزية العاصمة؟ «بيروت العاصمة والمحافظة والقضاء» كما وصفها النائب محمد قباني منذ يومين بتصريح مقلق وإن جاء في سياق رفض الفدرالية الزبالتية.
ماذا قال حبيبنا رئيس «جمعية إنماء بيروت» في غياب البيارتة، والذين هجروا منها اقتصادياً مع حلول المستقبل في سدة الاقتصاد؟
بعد أن أبلغنا أن نصف سكان بيروت هم من المناطق، تساءل الرجل: «ماذا لو خرج شخص موّتور ليقول إن مستشفيات بيروت وجامعاتها لا تستقبل إلا أبناءها؟».
هل يجب أن نحيي النائب على هذا التشبيه «الموفق» بين طلاب لبنان ومرضاه وبين نفاياته؟ أم على المهارة التي يدسّ فيها «مخاوفه» بين سطور رفض الفدرالية؟
حقاً صدق المتنبي، فلكل «امرئ من دهره ما تعودا»، وعادة الطبقة السياسية عندنا، هزّ عصا «غضب الأهالي» الطائفي في معرض التهديد أو التحذير.
إلا أن بعض التصريحات، على «مهارة» صياغتها، لا ينفع طمرها حتى بالكلس، ولا رشها بالمبيدات اللغوية لتعطيل أذاها. إذ تبقى واضحة، خاصة لمن اعتاد القراءة بين السطور اللبنانية.
بعض الأفكار، كالوباء، لا تتطلب إلا رياحاً مؤاتية لتنتشر، وهي تنتقل بسرعة مع هبوب الضائقة الاقتصادية، خصوصاً إن كان المجتمع مريضاً بقلة الأخلاق والعنف والعجز في آن، ومعتاد على إنتظار "الوحي".
عندها، لا كلس ينفع ولا مبيدات تشفع إلا في حال واحدة: لو رُشّت في المكان المناسب، أي عند المصدر.
لكن، من سيفعلها؟ أؤكد لكم، عن خبرة، لا أحد. وحتى ذاك الوقت، فلنقل إن ديكور البلد، ولمرة من المرات النادرة في تاريخنا، مطابق تماماً لمواصفاتنا. لذا، ونظراً إلى تاريخية المشهد، أنا مكانكم؟ سأتصور "سيلفي والبلد/ المزبلة، خلفي".

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

ماريو منصور ماريو منصور - 7/26/2015 12:48:11 PM

تحياتي لك ولزياد. على امل ان تحرك روائح النفايات ما تبقى من آثار انسانية لدى الشعب العنيد. الى ذلك الحين، فشوا خلقكم بالسيلفي.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول مجهول - 7/23/2015 2:45:03 PM

على الجرح.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم