استفاق القضاء السوري من سباته الطويل وأطلق سراح الإعلاميين هاني الزيتاني وحسين غرير تنفيذاً لبنود مرسوم العفو الرئاسي الخاص الذي صدر بتاريخ 16 تموز (يوليو) 2015 الذي ينص على إطلاق سراح حوالي 430 شخصاً من المعتقلين بينهم معتقلو رأي، وآخرون ممن «تلطخت أيديهم بالدماء السورية» وفق ما أوردت وسائل الإعلام المؤيّدة للنظام السوري. «القرار التكريمي» صدر عشية عيد الفطر، فسارع محامو «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» للتأكد من الأسماء التي شملها العفو. لحسن الحظ كانت ضمن القائمة أسماء صحافيي المركز أي: مازن درويش وهاني الزيتاني وحسين غرير.
وبالفعل، تم تحويل غرير من «سجن عدرا المركزي» إلى «فرع الأمن الجنائي في دمشق» ثم أطلق سراحه من هناك. أما الزيتاني، فقد أطلق سراحه من أحد فروع الأمن في السويداء، حيث كان محتجزاً. لكن كما عودتنا أجهزة الأمن السورية، فقد وضّبت هذه المرة مفاجأة من العيار الثقيل. إذ جلبت درويش من معتقله في «سجن حماة المركزي» بقصد الإفراج عنه، ثم انتبهت إلى أنه مطلوب إلى «فرع أمن الدولة» في دمشق المعروف بـ «الفرع 285». فما كان من «الجهات المختصة» سوى تسليمه إلى الفرع المطلوب متحفظة للمرة الثانية على تشميله في المرسوم الرئاسي. إذ سبق أن صدر عفو رئاسي عام بتاريخ 9 حزيران (يونيو) 2014 ولم يطلق سراح الصحافي المعروف ورئيس «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» رغم أنه حصد منذ اعتقاله مجموعة كبيرة من الجوائز الصحافية العالمية آخرها جائزة «الأونيسكو» العالميّة لحريّة الصحافة لعام 2015. يومها، وجّه خطاباً من وراء القضبان كشف فيه عن اعتداله ومتابعته للشأن السوري بدقة حتى وهو في معتقله. كذلك يعرف كل من عاصره أنه صوت حق يدأب لمجافاة التسرّع والافتعال في تصريحاته وعمله الإعلامي (الأخبار ــ ملحق ويك إند 25/4/2015)
الغريب أن المحامين السوريين المعروفين بدفاعهم عن معتقلي الرأي، تقاعسوا عن إطلاق تصريحات إعلامية في قضية دوريش. إذ سبق للمحامي ميشال شمّاس أن رفض التصريح لنا عن رأيه القانوني بامتناع السلطات السورية عن إطلاق سراح درويش. وأعاد المحامي أنور البني سلوك زميله هذه المرة من دون إيضاح الأسباب وراء هذا الصمت، مختصراً الحديث معنا بالقول: «لا أعطي تصاريح للاعلام هذه الأيام»!
لكن الناشطة الحقوقية السورية مجدولين حسن أوضحت الملابسات الحاصلة في هذه القضية أثناء اتصالها مع «الأخبار» وشرحت عن قوانين العفو السورية بالقول: «مراسيم العفو السورية تصدر على نوعين: أحدها عام يشمل الجرائم والعقوبات ويتضمّن العقوبة والجريمة من دون ذكر أسماء الموقوفين الذين يستفيدون من هذا العفو. وعلى المحاكم المختصة إعداد قوائم بأسماء الموقوفين وإطلاق سراحهم في جلسات متتالية بناء على القوائم المعدة. والنوع الثاني من المراسيم هو العفو الخاص الذي يصدر متضمناً أسماء بعينها وتعد قائمة بها فوراً ويتم إطلاق سراحها». أما بالنسبة إلى الصحافي والناشط مازن درويش، فتضيف الحقوقية السورية قائلة: «شمل اسمه في مرسومين عفو. الأول عام صدر في حزيران 2014 والثاني خاص صدر قبل أيام، ولم يتم شمله في أي منهما! في البداية، حاولوا تغيير نوع الجريمة كي لا يشملها العفو لأسباب نتكهنها، لكن لا يمكن الجزم بها». من جهة أخرى، توضح حسن بأنه تم تأجيل محاكمة درويش حتى الآن 25 مرة، ولا يوجد أي قانون يسمح بتأجيل جلسة محاكمة كل هذه المرات، بخاصة أنّه أطلق سراح زميله الموقوفين معه في التهمة والقضية نفسيهما. وهنا نحمل «إدارة أمن الدولة» التي احتجزته مجدداً مسؤولية سلامته الجسدية والصحية». أما الصحافية يارا بدر، زوجة درويش فقد صرّحت لنا: «إنّنا كعائلة نشعر بالقلق الشديد على حياة ومصير وسلامة مازن درويش، بخاصة أنّها المرّة الثانية التي لا ينفّذ فيها مرسوم رئاسي. وأخيراً شمله العفو الرئاسي الخاص الصادر يوم 16 تموز 2015. وعوضاً عن إطلاق سراحه، تمّ تحويله إلى فرع أمن الدولة في دمشق».
الغريب أنّ الصحافي مازن درويش الذي يتسلح بالفكرة والمنطق والحوار الهادئ والسلمي، يحاكم منذ أكثر من ثلاث سنوات وفق المادة 8 من «قانون الإرهاب». أما التهمة الموجهة له، فهي «الترويج للأعمال الإرهابية». علماً أنه إثر صدور العفو الرئاسي الأول بعد اندلاع الحراك السلمي في سوريا سنة 2011، أطلق سراح أخطر المساجين الإسلاميين من «سجن صيدنايا» من بينهم زهران علوش قائد «جيش الإسلام» حالياً، وحسان عبود الملقب بـ «أبو عبد الله الحموي» وقد قتل في معارك الشمال السوري بعد تزعمّه «حركة أحرار الشام»، وعيسى الشيخ قائد «صقور الشام».. مفارقة بسيطة نضعها في عهدة أصحاب القرار في السلطات الأمنية والقضاء السوري!