بات مستبعداً أن تؤدي الانتخابات اليونانية المبكرة، في العشرين من الشهر الجاري، إلى عودة «اليسار» إلى الإمساك بالسلطة. فمع مرور الأيام، تتلاشى آمال «سيريزا» (ائتلاف اليسار الراديكالي) بعودة قوية إلى السلطة، وذلك أن تبريرات الحزب لخيانة وعوده الانتخابية برفض السياسات «السامة» التي يمليها الدائنون لم تُقنع قطاعات واسعة من كوادره وقواعده، فباتت هذه تعلن، تباعاً، سحب دعمها له في الانتخابات المقبلة، أو انضمامها إلى حزب «الوحدة الشعبية» المنشق عنه.
ويطمح المنشقون إلى أن يكونوا معارضة جدية للحكومة التي سيؤلفها إما حزبهم السابق، الذي لم يعد «راديكالياً» إلا بالاسم، أو «حزب الديموقراطية الجديدة» اليميني الموالي للاتحاد الأوروبي.
أما وزراء مالية ومحافظي المصارف المركزية لدول «مجموعة العشرين»، فينوون الطلب من دول «مجموعة اليورو»، ممثلة دائني اليونان، النظر في إجراء «خفض مهم» للدين العام اليوناني، بشرط التزام أثينا بتنفيذ السياسات التي أملاها الدائنون.
ونقل يوم أمس فيليب كريستوبولوس، في مقالة له على موقع «غريك ريبورتر»، عن مسؤول في وزارة الخزانة الأميركية قوله للمجموعة المالية الألمانية ــ MNI (ألمانيا هي الدائن الأكبر لليونان)، إنه في اجتماع دول «مجموعة العشرين» في أنقرة، خلال الرابع والخامس من الشهر الجاري، ستطلب بلاده من المسؤولين الأوروبيين «الالتزام بتخفيف الدين (اليوناني) بجدية، مع التركيز على أن تستمر اليونان في تطبيق الإصلاحات، كذلك سنحثّ صندوق النقد الدولي على العمل مع جميع الأطراف (ذات الصلة)».
يوماً بعد آخر، يتضح أن التزام «سيريزا» بتطبيق «الإصلاحات» التي وصفها وزير المالية المستقيل، يانيس فاروفاكيس، بـ«السامة»، كان «انتحاراً سياسياً». ووفق فاروفاكيس نفسه، فإن ذلك بالضبط كان هدف الاتحاد الأوروبي، في تخييره «سيريزا» بين القبول بتجرّع المزيد من سياسات «التقشف» الكارثية، خلافاً لكل أدبيات الحزب ووعوده الانتخابية، أو دفع المالية العامة والنظام المصرفي لليونان إلى الإفلاس، وإخراج البلاد من منطقة اليورو.
أما الغاية من ذلك، فهي، كما يورد فاروفاكيس، القضاء على أي طموح «ديموقراطي» في دول الاتحاد الأوروبي بانتهاج سياسة اجتماعية ــ اقتصادية مختلفة عن تلك التي تُمليها مؤسسات الاتحاد.
وبالفعل، يتظهّر حجم التصدع في صفوف «سيريزا»، نتيجة رضوخ قيادته للإملاءات الأوروبية، مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة. وكان أبرز التطورات على هذا الصعيد إعلان «شبيبة سيريزا»، أول من أمس، سحبهم التأييد لحزبهم في الانتخابات المقبلة.
وفي اليوم نفسه، أعلن أحد التنظيمات الشيوعية المكوّنة لـ«سيريزا» انشقاقه عن الحزب، وانضمامه إلى حزب «الوحدة الشعبية».
في السياق نفسه، وفي واقعة ذات دلالة رمزية بالغة، كان ثيودوروس كولياس، وهو كاتب خطابات زعيم الحزب (أليكسيس تسيبراس)، قد أعلن يوم الاثنين الماضي استقالته من الحزب، قائلاً إن الأخير «فقد مبادئه المؤسسة».
وبعدما كان استطلاع للرأي، نُشرت نتائجه يوم الأحد الماضي، يُظهر أن الفارق في نيات التصويت بين حزبَي «الديموقراطية الجديدة» و«سيريزا» يبلغ 1.5%، لمصلحة الأخير، نُشرت أمس نتائج استطلاع للرأي، أجرته المؤسسة نفسها (Alco)، تُبيّن أن الفارق هذا قد تقلّص في غضون أيام قليلة إلى 0.4%، وأن من المتوقع، حتى الساعة، أن ينال «سيريزا» 23% من أصوات الناخبين، مقابل 22.6% لمنافسه الرئيسي، «الديموقراطية الجديدة»، ما يؤشر على دفن آمال تسيبراس بالعودة إلى السلطة بقوة أكبر بعد الانتخابات المبكرة.

لا أمل لتسيبراس بالعودة إلى السلطة بقوة أكبر بعد الانتخابات المبكرة

وفي حال نجح «سيريزا» في نيل ما يكفي من الأصوات لتشكيل حكومة ائتلافية، فسيكون عليه مواجهة حالات التمرد، ليس فقط بين كوادره وقواعده، بل على مستوى السلطات المحلية والمستوى الشعبي عامة. فقد قرر مجلس المحافظة في الجزر الأيونية الدعوة إلى استفتاء محلي، بعد الانتخابات العامة في العشرين من الشهر الجاري، على قرار الحكومة المضي في خصخصة 14 مطاراً، بينها أربعة «وثيقة الصلة بالحياة الاجتماعية ــ الاقتصادية» في الجزر المذكورة. كذلك، أعلن مجلس المحافظة قراره رفع دعوى قضائية لإبطال قرار الحكومة خصخصة المطارات الأربعة، وفق تقرير نُشر على موقع «غريك ريبورتر» في الأول من الشهر الجاري.
في سياق متصل، أعلن تسيبراس، أمس، أنه سيُلغي ضريبة القيمة المضافة، ونسبتها 23%، على المؤسسات التعليمية الخاصة، إذا ما تمت إعادة انتخابه (علماً بأن سجله في حفظ الوعود الانتخابية لا يبعث على الثقة)، داعياً الحكومة الانتقالية إلى تعليق العمل بهذه الضريبة.
تجدر الإشارة إلى أن حكومة تسيبراس هي التي فرضت هذه الضريبة، زاعمة أنها بذلك تنفذ إملاءات الدائنين، فيما كانت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية قد نفت ذلك، وقالت إن الضريبة المذكورة ليست جزءاً من الاتفاق مع الدائنين، بل اقترحها الجانب اليوناني على طاولة المفاوضات.
كذلك يأتي إعلان تسيبراس بعدما وقّع أكثر من 200 ألف مواطن عريضة تطالب بإلغاء الضريبة.