من إشارات إفلاس هذا الكيان، بصفته حاضناً لمهن ثقافية متنوّعة، أنه لم يخرج منه، في السنوات الخمس الماضية، ولو منهج واحد للفعل والتحرك أو «أدبيات» تفصيلية عن الحركات والثورات والانتفاضات، وذلك بالرغم من الأزمات التي تطاوله، وتعصف بالمنطقة العربية، في المحيط القريب والمباشر. في وجه الانتفاضات والتظاهرات، والمظاهر المُتعدّدة للفعل الشعبي، نجد أنفسنا في كل مرة إمّا أمام الافتتان الذوقي الأبله «بمشهد الشعب»، أو التخصّص الأحمق بتعداد «مناورات» الخصوم.
هذه المنظومة طبعاً تطغى أيضاً على الإعلام المُهيمن العربي، ولكنها قد لا تسود في بعض الزوايا الأخرى للإنتاج الثقافي في الدول العربية، كما هي الحال في لبنان. ولا يسع المرء إلا أن يتأمل في سعة العلم التي يقدّمها كتاب مثل «إدارة التوحّش» لكي يفهم من قد يحكم أغلب مساحات هذه البلاد في نهاية المطاف. إن الخطط المُعدّة، ومناهج الانضباط النفسي المعطاة في الكتاب، وطرق الاستفادة من الحالات الشعبية والعسكرية المُقدّمة، دائماً بالعلاقة مع نظرة بنيوية للأنظمة، وعالمية الآفاق، كلّ هذا لا يمكنه إلا أن يترك القارئ في حالة غثيان، إذا ما قارن الذي قرأه بترّهات الشخصيات التي يستضيفها الإعلام اللبناني، للتنظير عن «الخطوات المقبلة» إثر بروز حالة تعبئة شعبية.
إنها حالة حزينة، نتجت بشقّ منها من السياسات القمعية المُتّبعة من النظام السياسي والاجتماعي، على مدى العقود الثلاثة الماضية، ونجد أنفسنا بنتيجتها نُفتي للغيوم، من موقع بعيد، ومن دون إطارٍ يربطنا بساحات العمل التعبوي، النادرة والمحصورة، سوى القلب. وهنا أذكر حراك الأساتذة والموظفين، في الأعوام الماضية، وغيره. لكن الساحة الثقافية أيضاً تتحمل اللوم، لعدم ابتكارها الروابط المعنوية والرمزية بين ساحات العمل المُتنوعة، وتركها الأفراد معزولين ووحيدين في مطالبهم وشكواهم. وهنا لا يستقيم الكلام من دون ذكر الدور المجرم الذي لعبه أولئك اليساريون السابقون (أقصد المنقلبين في خمسينيات العمر، لا جيل الوصوليين الجدد، المنقلبين في أعمار العشرينيات والثلاثينيات)، لانتهاجهم ردّة فعل مطلقة تجاه بحر المعرفة الذي احتوته الكثير من الأدبيات الماركسية، عن الثورات والانتفاضات والمجتمع، والتي يعود إلى بعضها كتاب «إدارة التوحّش» نفسه، وهو يذكر تجارب أميركا اللاتينية. لكن الأرجح أن يساريينا السابقين لم يكونوا أبداً ماركسيين، بالتعريف الذي يعتمده إدوارد ب. تومبسون عن نفسه، أي حاملي تقاليد معرفة تاريخية، وموضوعاتية تراكمية، بالتمايز عن ببغاوات الحزب «الستاليني» والتنظيمات «التروتسكية» و»الماوية» (و»الموضة الالتوسييرية» في ما يهم تومبسون انتقاده).

المرحلة الأولى

إن أحداث الأسابيع الماضية تلفت النظر إلى شدّة شبهها بما يمكن تسميته «مرحلة أولى» من ثورات كثيرة حَصَلت عبر التاريخ، وهو ما يدعو برأيي إلى إعارتها بعض الاهتمام، وتحليلها على ضوء بعض منطق «المراحل الأولى». والمرحلة الأولى هي مرحلة «أزمة» تبدأ من فوق، أزمة بين سياسيي السلطة أنفسهم، أو بين الطبقات المُمَثّلة في سكان عاصمة البلاد، وليست أزمة مجاعة في القرى مثلاً، أو انتفاضة فلاحين. في لحظة ما، سينتج من أزمة المركز هذه حالة شللٍ عام لسلطة الفريق الحاكم، وستعطي بذلك الإشارة لفئات الوطن الشعبية والسياسية المعارضة كافّة بالتصرّف والتعبئة، ما يفتح المجال بدوره لتغييرات «ثورية» في النظام السياسي والاجتماعي. ويمكن القول إنّ الأحداث اللبنانية الجارية اليوم هي من هذا الصنف، مُنطلقة من فوق: في ظلّ ظروف «أزمة رئاسة وصلاحيات» بين أفرقاء الحكم، ثمّ من حيث علاقة هؤلاء الأفرقاء بالإعلام، وبالفئات الشبابية المدينية. ربّ معترضٍ سيقول إنّ الأزمة الاقتصادية، والفقر، وتراكم النفايات الذي انبثقت عنه تحرّكات عديدة في القرى ضدّ قرارات الحكومة بإنشاء مكبّات، أنّ هذه كلها لها باع في الموضوع أيضاً. لكن هذه الأحداث لا دور لها في «منطق» ما يحدث اليوم، في بيروت تحديداً، ولو كانت في الخلفية من دون شك. وقدر إملائها لسلوكيات الناشطين والمتظاهرين في بيروت، يوازي تأثير اشتراكهم جميعاً بالتحدث باللغة العربية.
الفقر منتشر حول العالم، كذلك أشكال المقاومة الشعبية، وحالات التمرّد، حتى في الأوقات العادية، تتعايش هذه في القرى والضواحي مع هدوء ونعيم الحياة في العواصم، ولا تؤدي، في الغالبية الساحقة من الحالات، إلى تغيير ثوري، يأخذ البلاد والنظام السياسي إلى أداء آخر. لا بل إنه في أغلب الحالات، تؤدي حالة الفقر المُعمّم إلى انتشار الفساد، والاهتراء العام للصلات الاجتماعية. كان يمكن لمنطقة برجا، بالعلاقة مع الأزمة الوطنية للنفايات، أن تكون بيتروغراد جديدة، لكن ذلك لم يحصل. ربّما لأن المنطقة صغيرة سكانياً واقتصادياً، وقليلة الظهور في الإعلام، وبالتالي قليلة الأهمية الرمزية بالنسبة إلى المواطنين في باقي البلاد.

نتيجة المرحلة الأولى
يُصاب النظام بالشلل، والشرطة لا تستطيع أن تؤدّي دورها

وقد شاهدنا كيف أنه في منطق الحريرية، عندما بدت بوادر انقسامٍ بالظهور داخل مساحات الهيمنة الجغرافية، كانت بيروت الأولوية بالنسبة إلى أخت الشهيد، نائبة صيدا، وليس برجا المجاورة. والحراك الحالي يأخذ منطقه من بيروت «الغنية»، ومن هذه النقطة فقط، يبدو الإعلام والطبقة السياسية متأثرين فعلاً، بينما مشاريع إنشاء المكبّات في قرى الأطراف ما زالت قائمة. قد يعود لبرجا، يوماً ما، دورها القيادي، لكن هكذا تحصل الأمور أغلب الأحيان، من المركز، وهو ما حصل في الثورتين الفرنسية والروسية مثلاً.
نتيجة هذه المرحلة الأولى، يُصاب النظام بالشلل: الشرطة لا تستطيع أن تؤدّي دورها، وأحياناً بعض فرق الجيش أيضاً. يلزم السياسيون بيوتهم، وبعضهم ممّن كان في الواجهة، مباشرة مع المتظاهرين، يتركون البلاد، أو يجدون أنفسهم في شبه حالة إقامة جبرية. أكثر التنظيمات المعارضة تنظيماً وقبولاً من المتظاهرين، والقابلة لعقد صفقات أو التعاون مع زميلاتها، تُمسك بالحكومة، وتعلن نوعاً من «الحكم الوطني»، أو «الحكم الجامع»، فيما التنظيمات المعارضة الأخرى، عادةً الأكثر راديكالية، تمسك بأحياء سكنية، أو مرافق اقتصادية، أو غيرها من مراكز النفوذ الشاغرة، والكلّ يترقّب ماذا سيحصل في اليوم التالي. هذه هي المرحلة الأولى.

خصائص تاريخية حاضرة اليوم

طبعاً، في حالة لبنان، لم تصل المرحلة الأولى إلى خاتمتها. لكن يبدو لي أن هذه الخاتمة هي ما يتمناه الكثير من المُنظّمين، وممن يتظاهرون معهم: أن يحصل شَلَل عام لنظام الحكم، وأن ينزل ممثّلوه عن مناصبهم، عن «كراسيهم». والمرحلة الأولى في الثورات، أو الانتفاضات لها تجلّيات خاصة يبدو أنها تأخذ قوّتها منها ــ هذا ما أسمّيه «منطق» الحراك، أو «لحن الانتفاضة» في مقال سابق بالعنوان نفسه ــ وهي موجودة وفاعلة في الأحداث اللبنانية الجارية، ويمكن تعداد البعض منها الآن، على سبيل المثال لا الحصر، لتبيان أهمّيتها:
شعارات «أخوّة» تساوي بين فئات المتظاهرين، وتساوي بين المطالب، وقد رصدها كارل ماركس بنبرة مُستاءة، وهو يلخّص أحداث ثورة باريس، 1848، في نصّه «صراعات الطبقات في فرنسا»، حيث يشكو من سذاجة الطبقة العاملة، التي تمّ في مرحلة ثانية قمعها بالعسكر، ويقول إنّ «كل مليونيرات باريس تحوّلوا إلى عمّال» في منطق الأيام الأولى التي أطاحت الملك.
ويُلاحظ تروتسكي، في كتابه «دروس أكتوبر»، أنه حتى صحيفة «البرافدا» المتحدثة باسم «البلاشفة»، في أيّام فبراير 1917، عندما تمرّدت بيتروغراد على القيصر، وفي ظلّ غياب لينين في المنفى، كانت قد اعتمدت آراء «الدفاعويّة عن الثورة» كما يسمّيها، وهي الآراء المشتركة بين كل الفئات المُتمرّدة على القيصر، أكانت عمّالية، أم بورجوازية. وكانت هذه الآراء مُتعنتة بالدفاع عن «الثورة» و»الديموقراطية» يتابع تروتسكي، بدل رفع شعار حكم الطبقة العاملة. وفيما لا أتفق مع إدانة ماركس وتروتسكي لهذه الشعارات، تبقى شهاداتهم عن المرحلتين، وأخصّها شهادة ماركس، من أفضل وأدقّ ما كتب في الموضوع، ولم يعمهم نقدهم لمنطق ما حصل، من الوصف ببراعة علميّة وأدبيّة نادرة. وتجدر الإشارة إلى أن مناضلي الحزب «البولشيفيكي» في الأيام الثلاثة التي أسقطت القيصر، وبالرغم من عدم رضاهم عن مبدأ التحرّك في حينه، خوفاً من مواجهة دامية مع الشرطة، اتبعوا مبدأ وجوب مساندة من قرّر النزول إلى الشارع، بحكم حدسهم التنظيمي، وهو ما جعلهم بالنتيجة من الرابحين شعبياً، ومن المستفيدين من نجاح المرحلة.
هذه «الدفاعوية عن الثورة» اعتبرها تروتسكي ولينين قوّة معطّلة في المراحل التي ستتبع إنجاز المرحلة الأولى، وكانا محقّين في ذلك من دون أدنى شك. كان بعض رفاقهما في الحزب رافضين الانقلاب على حلفائهم في انتفاضة فبراير، وتسلّم حزبهم للسلطة المطلقة (والطريف أن هؤلاء سيصبحون في ما بعد أشدّ المدافعين عن تسلّط الحزب في الحكم، قبل أن ينقلب التسلّط عليهم) إلى درجة كادت أن تُفشل مناورة أكتوبر ضد حكومة كيرينسكي، وتؤدي على الأرجح إلى زوال الحزب في ما بعد.
هذا التعنّت المرصود هو أحد أبرز تجليات منطق «نحن في مقابل هم»، الثنائي الذي يكسب عقول المنتفضين في المرحلة الأولى، ويُميّز منطق تظاهراتها، في وجه كل شيء يقف ضد «معنويّاتهم»، وحماستهم، و»ضرورة الانتفاض»، والذي يجعلهم يتمسّكون بالدفاع عن «روحية مكتسبات الانتفاضة الأولى» في ما بعد، لشدة انبهارهم بما حققته هذه الانتفاضة. وقد عرفنا في لبنان ــ لمن يهمّه التعلّم من الأمور، وليس النظر إليها بمنظار الإعلام والسياسيين ــ في مرحلة شباط وآذار 2005 استحواذ ثنائية من هذا القبيل لفئات شعبية واسعة، نتيجة مشاركتها في نشاطات هذين الشهرين التعبوية.
في كتابه «تاريخ الثورة الروسية»، يصف تروتسكي مشاهد تآخٍ وانسجام بين فئات العمال المتظاهرين، وفرق القوزاق المُرسلة لقمعهم في بيتروغراد، وهي الفرقة الأكثر رجعية في كل فرق العسكر والشرطة القيصرية، والتي تتكون من ملّاكين، ونخب شديدة الالتصاق بالنظام القائم. كلّ ذلك يدلّ على أنه، حتى العمّال، والبلاشفة منهم، تزداد حماستهم عند مشاهدتهم لمظاهر «انسجام عابر للطبقات» يصبّ في خدمة تعميم الحراك ومنطقه، في وجه ما يرونه «مركز السلطة». وتحديداً في هذا الخصوص، يبدو أنّ الطابع المُتعدّد الطبقات للمرحلة الأولى هو من أهم مكوّنات نجاحها. إذ إن مشاهدة المتظاهرين والمشاهدين من بيوتهم، لفئات اجتماعية لم يتوقّعوا أن توجد معهم أبداً، هو من مُحفّزات النشاط والمثابرة فيه، وأخذه إلى خواتيم متقدّمة وجريئة. وتأثير هذا التعدّد الطبقي هو ما لاحظته أدبيات «بورديوزية» ووصف بيار بورديو، نفسه، لساحة من ساحات أيّار العام 1968 في فرنسا في كتابه «أومو أكاديميكوس». وأيار العام 1968 التي اتّسمت بطابع الإضراب العام، والتظاهرات السلمية، هي مرحلة أولى من ثورة مُحتملة، بحسب إيريك هوبسباوم، لم يقطفها الحزب «الشيوعي الفرنسي» الأحمق، لأنه اعتبر الطلاب الجامعيين «مُدللين»، فيما كان الرئيس الفرنسي، شارل ديغول، يجتمع بجنرالاته، ويستعدّ لإعادة احتلال فرنسا عسكرياً.
لكن دائمي العبوس، المشغولين في رصد وفضح الأعداء النظريّين، بين الحشود والمنظمين، وشِلل الوصوليين، المشغولين بتنفيس عقدهم النفسية الخاصة، وجُبنهم المعتاد عبر الإشارة إلى «إعلاميي النظام» بين معارضيهم، في الصحافة، في غير موضوع، وفئة المنظّمين المُتمَلّقين للإعلام، الحريصين على صفاء «حراكهم»، هؤلاء جميعاً، لن يلحظوا ويتلمّسوا مزايا «اختلاط الأضداد» الحاصل في التظاهرات، وفي تغطيتها، على ضوء ما يمكن أن يقدّمه كلّ ذلك للجميع، في مراحل مقبلة لم تحسم، ولم تبدأ بعد، لو نجحت هذه المرحلة في الوصول الى خاتمتها.

ماذا الآن؟

تجدر الإشارة الآن إلى إحدى أهم ميزات المرحلة الأولى، من دونها، لا إمكانية للثورة أو التغيير، في ظلّ سلطة ممسوكة. يمكن وصف الثورة، تقنياً، على أنها تمكّن فريقاً أو حزباً، أو طبقة ما، من التقاط فرصة معروضة لوقت محدود نتيجة المرحلة الأولى، ليمسك بالسلطة ويجيّر الثروات الوطنية بحسب أولوياته (طبعاً، هناك آراء مختلفة عن هذا التعريف عند بعض المؤرّخين الفرنسيين الرجعيين القريبين من الحزب «الاشتراكي»). ولا يمكن لأي حزب أن يبدأ بثورة بمجرّد الدعوة إليها. عليه أن ينتظر انطلاق المرحلة الأولى ليتمكّن من المباشرة بذلك. في حالة لبنان، إن الأحزاب الأكثر حظوظاً للإمساك بالسلطة، عند انتهاء المرحلة الأولى هي... الأحزاب المسيطرة حالياً. كيف لا، وهم الأكثر تنظيماً، لا بل الوحيدون الموجودون على الساحة الشعبية الوطنية؟ طبعاً هناك احتمال أن يهزّ الحراك الجاري الأرض الاجتماعية تحت بعض الأحزاب، تلك الأكثر اتكالاً على إدامة التعبئة الشعبية، مثل «التيار الوطني الحر»، وباقي الأحزاب الطائفية المسيحيّة. لكن ذلك لن يدوم طويلاً، وحتى هذه يمكنها أن تكسب مناورات، وتعبئة المراحل التالية. وليس على المرء سوى قراءة مثال مصر، وسيطرة «الإخوان» السهلة على الحكم عند انتهاء المرحلة الأولى، في شباط 2011، ليفهم كيف تجري الأمور، وكيف يمكن أن تجري في لبنان وغيره. وفي حال تسلّم أيّ من الأحزاب المُسيطرة الحكم، سوف يقوم بمشاركته مع الأحزاب الأخرى الموجودة، لأنها الوسيلة الوحيدة للأحزاب الطائفية للإمساك بالأرض الشعبية المتنوّعة، ولأنه لا داعي طبقيّاً، أو اقتصاديّاً، أو خارجياً، يحفّز قياديي بعض هذه الأحزاب لطلب المزيد. هذا، لمن لا يزال مشغول البال من إمكانية سيطرة «حزب الله» أو «14 آذار» على الحراك ومطالبه.
فإذاً، ماذا الآن دفاعاً عن هذه المرحلة الأولى؟ هل يجب أخذها إلى خاتمتها؟ هل من جدوى في ذلك؟ هل ذلك ممكن؟ أولاً، درس صغير وواجب: لا بديل من تأسيس أحزاب سياسية، معارضة وثورية. وثانياً، التعلّم من تجربة اليوم، كيف يمكن جعل مرحلة أولى تأخذ مجراها المُستحب من جديد، عندما تبرز نافذة جديدة تطلقها، لأن هذه المرحلة، عندما تصل إلى لحظة معيّنة من تعبئة الناس، لا يمكن للنظام، ولا للمتظاهرين إيقافها. عند فجر فبراير 1917، يقول تروتسكي، كان النظام قد جهّز نفسه لمواجهة المرحلة الأولى، وأحداثها، منذ انتفاضة 1905، المجهضة، وكذلك فعلت الأحزاب المعارضة، تحضيراً للاستفادة منها. والنتيجة كانت حصولها، رغماً عن إرادة وتنظيم الاثنين، وسقط النظام القيصري، وربح البلاشفة المراحل التي تلت المرحلة الأولى، لأنّ لينين كان قد جعل من حزبه أروع حالة تنظيمية، ربّما في التاريخ البشري، وعرف أيضاً كيف يجاري أهواء الفئات الشعبية المعبّأة، المتنوّعة. فلتأخذ انتفاضة 1905 في لبنان مجراها الكامل، الممكن، ولنتعلم منها عن النظام وعن الناس. من يدري، قد نحصل على بعض المكتسبات على الطريق.
* باحث لبناني