بعد اقتحام وزارة البيئة والاعتصام سلمياً فيها، أخذت أشكال التحرّك التصعيدي تتوزع في غير اتجاه وتحاصر السلطة في غير ساحة وقضية. فقد قرر 6 شبان أمس نصب خيمة أمام وزارة بيئة، معلنين الاضراب عن الطعام حتى استقالة وزير البيئة محمد المشنوق. حضر الشاب وارف سليمان بعد ظهر أمس الى ساحة الشهداء، دخل أحد الشوارع المؤدية الى مبنى العازارية، حيث تقع وزارة البيئة، نصب خيمته على الرصيف وأعلن أنه بدأ إضراباً عن الطعام حتى تحقيق مطلبه.
سرعان ما اجتذبت خطوة سليمان كلاً من أحمد مجذوب وداني سليمان ومحمد مغربل ومحمد حركة وصلاح جبيلي، معلنين الاضراب معه.
«هذا جزء من المعركة مع السلطة، نزلنا حتى نغيّر البلد»، بهذه الكلمات يعبّر وارف سليمان عن إصراره. يقول: أعلم أن المشنوق ليس المسؤول المباشر عمّا وصلت اليه أزمة النفايات، لكن المحاسبة يجب أن تبدأ من مكان ما، وفي هذه الحالة لدينا وزير تقاعس عن حل هذه الأزمة، وفشل في وصايته على ملف النفايات، لذا عليه الاستقالة».
الشاب داني سليمان يناضل «ع قد حاله»، حسب ما يقول، معتبراً أن «المشنوق إذا كان يعتبر نفسه خارج دائرة الفساد والمحاصصة فعلاً، فليستقل، وليكن عبرة لغيره من الوزراء والمسؤولين المقصرين والفاسدين في آن واحد».
فيما كانت الانظار تتجه الى هذه الخطوة اللافتة وما ستتركه من تداعيات سياسية وأخلاقية في حال أصرّ المشنوق على عدم الاستقالة، كانت مجموعة «بدنا نحاسب» تفتح معركة مهمة ضد السلطة، هي معركة استرداد الحيز العام، إذ نزلت مجموعة من الشابات والشبان الى كورنيش عين المريسة احتجاجاً على وضع عدادات الـ»بارك ميتير»، الذي سيساهم في الحدّ من انتفاع جميع المواطنين من المتنفس البحري الضيق المتبقي في عاصمة الباطون. وأعلن المحتجون والمحتجات أن فرض «خوّة» على الناس لاستخدام الكورنيش البحري هو «احتلال» تجب مقاومته، وبالتالي قرروا تحرير الكورنيش البحري الممتد من عين المريسة حتى الرملة البيضاء. يقول علي حمود، الناشط في الحملة، إن «بدنا نحاسب» تعهدت بمنع أي محاولة من قبل هذه الطبقة السياسية لسرقة المال العام.

بدأ وارف سليمان
و5 آخرون إضراباً
عن الطعام حتى استقالة وزير البيئة


ولكن «الطبقة السياسية» باتت تغطي العنف الذي تمارسه الاجهزة الامنية لقمع هذه الاحتجاجات؛ ففي ذروة هذه الخطوة الاحتجاجية، قام أشخاص بلباس مدني، يستقلون سيارتين مدنيتين، بالتعدي على المشاركين، وخطفوا اثنين منهم، فيما نجح اثنان آخران في الفرار، وفقاً لتوصيف المحتجين. وأعلنت قوى الامن الداخلي أن دورية من مفرزة استقصاء بيروت في وحدة شرطة بيروت شاهدت أربعة أشخاص في عين المريسة يكتبون شعارات على عدادات الوقوف «البارك ميتر» ويحاولون تعطيلها، وأوقفت اثنين منهم، هما حسام ع. من مواليد عام 1994 وبشار ح. من مواليد عام 1998. وأشارت الى أن الشخصين الآخرين فرّا باتجاه مجموعة من المعتصمين بالقرب من المكان.
يقول المشاركون في الاحتجاج إن العناصر الامنيين لم يبرزوا بطاقات تؤكد صفتهم الرسمية، بل إن أحد هؤلاء قال إنه تابع لـ»جهاز أمني» وشهر سلاحه بشكل مباشر على رأس والدة أحد الشبان المخطوفين، مهدّداً إياها بإطلاق النار على رأسها إن لم تسكت وتتراجع الى الخلف.
بسبب ما حصل، نفّذت مجموعة «بدنا نحاسب» اعتصاماً أمام وزارة الداخلية وقطعت الطريق أمامها، مطالبة بالافراج الفوري عن الموقوفين، وطالبت بإلغاء الاشارات القضائية بحقهم، وبحق الشبان الذين هربوا من «المسلحين»، بعدما هُدّدوا بتحويلهم الى المحكمة العسكرية بجرم مقاومة الاعتقال والهرب من عناصر أمنيين. حاول موفد من وزارة الداخلية التفاوض مع المعتصمين لفضّ اعتصامهم، إلا أن المعتصمين أصرّوا على تحقيق مطالبهم، فتمت الاستجابة لهم تفادياً لتطوّر الموقف، إذ جرى إطلاق سراح الموقوفين بسند إقامة، وتم تسليم بطاقات الهوية التي احتجزها العناصر الامنيون وتعود الى بعض المشاركين في الاحتجاج في عين المريسة. ولكن الأهم، أن المجموعة فرضت على محافظ بيروت زياد شبيب إصدار قرار يطلب من الشركة المشغلة للعدادات وقف تركيب هذه العدادات، وفي حل جرى تركيبها عدم تشغيلها بانتظار قرار آخر من المحافظ. ورأت الناشطة نعمت بدر الدين في هذا القرار انتصاراً لمجموعة «بدنا نحاسب «الموجودة كل يوم في الشارع لتحاسب وتوقف الفساد وتمنع سرقة المال العام».
في موازاة ما كان يحصل أمام وزارة الداخلية، كان عدد من الشبان والشابات يعتصمون أمام وزارة العمل في المشرفية في الضاحية الجنوبية، في أول تحرّك تدعو اليه «لجنة متابعة تحرّك 29 آب» خارج بيروت الادارية، بهدف زيادة زخم الضغوط وحشد الناس للمشاركة في تحرّكها التصعيدي المركزي في التاسع من الشهر الجاري احتجاجاً على عقد طاولة الحوار وعدم الاستجابة لمطالب المتظاهرين السبت الماضي.
الهدف من الاحتجاج أمام وزارة العمل يعود إلى «رمزية هذه الوزارة التي لم تتحمّل، كما سائر الوزارات، مسؤولياتها في ظل انعدام فرص العمل ومنافسة اليد العاملة الاجنبية»، وفق ما يقول سلام، الناشط في اللجنة.
الاستنفار الأمني كان واضحاً. القوى الأمنية بدت متأهبة، عناصر مكافحة الشغب طوّقوا مدخل الوزارة، علماً بأن أجواء الاعتصام لم توح بشغب مرتقب. مساحة محددة توزع عليها المتظاهرون، فيما اكتفى عدد من الشبان بمراقبة «ضيوفهم» الذين لم ينفكوا يرددون الشعارات المطالبة بالانتفاض على الواقع الحالي.
يأتي رجل مسنّ يبدو عليه التعب والغضب، يبحث عن «تلفزيون أو كاميرا» ويصرخ بأن «لديه الكثير ليقوله»، لا يعطيك مجالاً لسؤاله فيبادرك: «من الآخر، الجماعة متكاملة، التفاحة الفاسدة بتنزع الصندوق. لو هنّي معنا متل ما عم بيقولو، يطلعو من هل الوزارات ومن مجلس النواب».
فُضّ الاعتصام قرابة الساعة السابعة والنصف بطريقة هادئة. كان لعناصر القوى الامنية ولبعض «المنسقين الامنيين» التابعين لـ»حزب الله» الدور في الحرص على إنهائه دون أيّ إشكال بعدما حصلت مناوشات بين أحد المعتصمين وبعض الشبان «المتفرّجين»، سببها اعتراض الأخيرين على شعار «كلّن يعني كلّن».