محصلة جولة قمع التظاهرات أمس كانت 39 معتقلاً في السجون، بحسب التقديرات الأخيرة للجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين. هؤلاء المعتقلون توزعوا للمرة الأولى على عدد من المخافر داخل بيروت وخارجها (27 من الموقوفين كانوا في نظارة قصر عدل في الجديدة - المتن)، ولم يُفرَج إلا عن ثلاثة منهم في وقت متأخر من مساء أول أمس، وأُفرج عن أربع معتقلات و4 قاصرين صباح أمس.
استخدام القضاء ضد الحراك، ظهرت مؤشرات جديدة له أمس، أبرزها ما قاله مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، عند لقائه محامي الحراك، إذ لمّح إلى إمكانية مخالفة القانون تحت ستار "الظروف الأمنية". التظاهر بحسب ما نقل أحد المحامين عن صقر "له شروط"، فمن حق القوى الأمنية "اتخاذ الإجراءات اللازمة وتحويل مسار التظاهر لأنه يعود لها أمن البلد"، رافضاً بنحو حاسم إعطاء أي تفاصيل تتعلق بأسماء أو أعداد أو أماكن توقيف المعتقلين إلا بعد استكمال التحقيقات اللازمة. ولدى سؤال أحد المحامين لصقر عمّا إذا كانت هذه التحقيقات ستدوم فترة أطول من المنصوص عليها في القانون، كان جوابه أنّ "هناك ظروفاً أمنية تحكم البلاد". وقد امتنع صقر عن الرد على خرق المخافر للمادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية التي تسمح للموقوف بالاتصال مع أحد ذويه ومع محاميه، ملمحاً مرة أخرى إلى "الوضع الأمني". علماً بأن صقر أعطى في وقت لاحق من النهار تعليماته للقوى الأمنية بالسماح للموقوفين بالاتصال بذويهم وطمأنتهم إلى حالهم.
المحامي واصف الحركة اعتبر رفض صقر إعطاء أي تفاصيل حول الموقوفين إجراءً غير قانوني، مشيراً إلى أن التوقيفات أصبحت تجري بطريقة "بوليسية". يقول الحركة في حديث مع "الأخبار" إن هدف زيارة صقر ليست كي "نرجوه" إطلاق سراح المعتقلين، بل "لنطلب منه ترك الناس، لأن توقيفهم خطأ من الأساس، وهو توقيف تعسفي يمسّ حق الناس في التعبير عن رأيهم".

أحد عناصر المخفر هدد المعتقلات بدفع إحدى السجينات إلى اغتصابهن



إزاء المحاولات المتمادية من القضاء العسكري لمعاقبة المتظاهرين، شدد محامو الحراك خلال لقائهم بصقر على رفضهم محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية، لعدم الاختصاص، وطالبوا بإطلاق سراحهم فوراً، وهذا ما طالبت به مجموعات الحراك خلال الاعتصام الذي نفذته صباحاً أمام المحكمة العسكرية ومساءً أمام وزارة الداخلية وليلاً أمام نظارة قصر العدل في الجديدة، حيث تجمّع عدد من ذوي المعتقلين.
المدير التنفيذي لجمعية المفكرة القانونية المحامي نزار صاغية، يتحدّث لـ"الأخبار" عن تكتيكين جديدين تتبعهما السلطة السياسية في مواجهة الحراك. التكتيك الأول يتعلق بتوقيف المتظاهرين في مخافر خارج بيروت، وفي ذلك مخالفة قانونية تحت حجة عدم وجود أماكن شاغرة داخل مخافر بيروت. بحسب تحليل صاغية، هذه خطوة تنبع عن تخوف السلطة من انتقال التحركات إلى أمام المخافر. أما التكتيك الثاني، فهو أنّ في عدد كبير من المخافر، باستثناء مخفر الجديدة، تمارس "كذباً هائلاً" عبر نكرانها وجود أي موقوف لديها، وطالما أخذت المسألة طابعاً عاماً وجماعياً، ذلك يدل على أن وراء ذلك الكذب قراراً سياسياً.
يقول صاغية إن ما يجري "خطير جداً"، ويثبت أن هناك من يتمادى في الاستيلاء على صلاحيات القضاء، ما يجعل ثقافة التدخل السياسي بالقضاء "لا حدود لها في أكثر وقت نحتاج فيه إلى استقلالية القضاء"، رافضاً تصوير المعتقلين على أنهم مشاغبون، مؤكداً أن "الأغلبية الساحقة من المتظاهرين جرى اعتقالها عشوائياً".
يشير صاغية إلى أن أحد أهم الشعارات التي يفترض بالحراك رفعها هو "رفض محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية"، فالسلطات تحيل الموقوفين على المحكمة العسكرية لأنهم يعتبرون أن المتظاهرين الذين يحاولون دخول ساحة النجمة يعتدون على القوى الأمنية، وبحسب القانون اللبناني "هذه صلاحية المحكمة العسكرية، ونحن نطالب بتعديل هذا المسار المتبع، ومع كل عملية توقيف تحصل تزيد مشروعية ما نطالب به". ويلفت صاغية إلى أن ممارسات الأجهزة القضائية بدأت تشكل نوعاً من العقوبة المقنعة، حيث "تسمح النيابة العامة لنفسها بأخذ قرارات بعقوبات دون العودة إلى القضاء".
أمس، روت المعتقلات الأربع اللواتي احتُجزن في مخفر البرج الانتهاكات التي مورست بحقهن من لحظة اقتيادهن إلى التحقيق حتى إطلاق سراحهن. "كل ما قمنا به هو محاولة تخطي السور الحديدي ودخول الساحة العامة، وهذا من حقنا"، تقول فاطمة حطيط التي ضربها عناصر مكافحة الشغب بهمجية، ثم اقتيدت مكبَّلة اليدين إلى ثكنة الحلو، ثم إلى فصيلة البرج. "منعنا من التحدث إلى محامٍ أو إلى أيٍّ من أهلنا، عوملنا داخل مخفر البرج بطريقة أسوأ مما تعامل الحيوانات، وضعونا في غرفة "مترين بمتر" فيها 11 شخصاً، إحدى الموقوفات داخلها تتحرّش جنسياً بالفتيات، وهناك عدد من السجينات من التابعية الإثيوبية يعانين هذا التحرش الذي وصل إلى حد الاغتصاب كما أخبرننا، وقد هددنا أحد العناصر بدفع هذه السجينة المضطربة عقلياً إلى التحرش بنا إن لم نسكت". حطيط تحدثت لـ"الأخبار" عن أن الزنزانة المليئة بالصرارير تغيب عنها أدنى مقومات حقوق الإنسان.
سينتيا سليمان رفيقة فاطمة، قالت إنها طلبت إخراجها من الزنزانة لفترة من الوقت، بسبب ضيق في التنفس، لكونها تعاني من الربو، وبعد مماطلة استجيب لطلبها، ووُضعت مقيّدة على سرير في إحدى الغرف. في هذا الوقت، دخل عليها أحد عناصر قوى الأمن، يقول لها: "إنتو لو مش بنات شارع ما بتكونو مكبوبين هون"، طلبت منه الخروج من الغرفة، فبدأ بشتمها وباقي المعتقلات داخل الزنزانة.
أُفرج عن المعتقلات الأربع صباحاً بعدما تبين عدم وجود إشارة من القضاء باعتقالهن، وتجدر الإشارة إلى وجود عدد آخر من المتظاهرين ما زالوا موقوفين في مخافر أخرى من دون وجود أي إشارة من القضاء، ما يؤكد الطابع التعسفي للاعتقالات.