لأنّ وزارة الداخلية حريصة كل الحرص على سلامة المواطنين، خصوصاً إذا كانوا متظاهرين، فهي تمنعهم من حقهم في الوصول إلى ساحة النجمة. ولأنّ المواطنين قاصرون ويحتاجون إلى سلطة أبوية ترعاهم، وخصوصاً إذا أصرّوا على استعمال حقهم في الوصول إلى تلك الساحة العامّة، تقوم قوى الأمن الداخلي بتأديبهم، تضربهم بالهراوات على رؤوسهم موقعةً عدداً كبيراً من الجرحى، وتطلق القنابل المسيلة للدموع على أجسادهم مباشرة وتخنقهم بالغاز، وترشهم بمدافع المياه لخمس ساعات متواصلة، وتعتقل نحو 60 منهم، بينهم قاصرون، من دون إسناد أي تهمة لهم، وتسحب المصابين من المستشفيات... كل هذا خوفاً من أن يؤدي دخولهم إلى ساحة النجمة إلى المسّ بسلامتهم أو إلى «ما لا تُحمد عقباه».
تحترم وزارة الداخلية والبلديات حق المواطنين بالتظاهر في ساحة النجمة العامّة، وهي لم تتخذ أي قرار يمنعهم من ذلك، وما تسييجها المداخل إلى الساحة وإقامة الجدران ونصبها الحواجز والعوائق ونشر آلاف العناصر إلا بهدف تحديد شوارع معينة للتظاهر «من أجل حماية المتظاهرين أنفسهم وسلامتهم». هكذا ردّت وزارة الداخلية أمس على مذكرة ربط النزاع، التي قدمها ثلاثة محامين (هاني مراد، ماهر حمود ومريانا برو)، من أجل إصدار قرار بفتح جميع الشوارع المؤدية إلى ساحة النجمة وإزالة العوائق الحديدية وأحجار الباطون، لتمكين الناس من الاعتصام داخلها، واعتبرت المذكرة أن عدم فتح الشوارع يشكل انتهاكاً وخرقاً للدستور، الذي يكفل حرية التعبير، وبالتالي حرية التظاهر.
ردّت وزارة الداخلية بأنها «تحترم وتصون جميع الحريات العامّة، أكانت ذات قيمة دستورية أم قانونية (...) وهي على هذا الأساس لم تصدر أي قرار يمنع أي تظاهرة أو اعتصام»، إلا أنه «يقتضي عدم الخلط بين ممارسة حرية التظاهر وبين تنظيم الأماكن التي يمكن التظاهر فيها، والتي يعود للسلطة الإدارية المختصة تحديدها بما لها من سلطة تنظيمية في هذا المجال، أي ليس هناك أي تعدٍّ أو قمع أو انتهاك لأي حرية تعبير (...) طالما أن الإدارة لم تصدر أي قرار بمنع التظاهر (...) بل على العكس من ذلك قامت بتنظيم مكان وقوعها، وهذا أمر، بل واجب، على السلطة العامة في جميع البلدان الديمقراطية».
فعلاً، لم تمنع وزارة الداخلية التظاهرة، بل سمحت بإقامتها ثم قمعتها وسرّبت معلومات عن أنها لن تفرج عن المعتقلين إلى أن يخلي المتظاهرون الساحة.
من جهته، أعلن المحامي هاني مراد، أحد المحامين الذين تقدموا بمذكرة ربط النزاع، أنّ «موضوع فتح ساحة النجمة أصبح، بعد رد وزارة الداخلية المتخبط قانونياً، بيد القضاء وتحديداً مجلس شورى الدولة وليس بيد وزارة الداخلية أو رئيس مجلس النواب، إذ نتجه إلى تقديم طعن أمام مجلس شورى الدولة لفسخ قرار وزير الداخلية نهاد المشنوق بعدم السماح بالاعتصام في ساحة النجمة وإبقاء الشوارع المؤدية إلى الساحة مقفلة». وأضاف: «القضاء هو الذي يحدد إذا كان يحق لوزارة الداخلية تحديد مكان الاعتصام أو لا».
أمّا وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، فسارع صباح أمس إلى «تفقد الأضرار الفادحة التي سبّبتها المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية»، غير آبهٍ للجرحى والمعتقلين والمعتقلات والقاصرين الذين قضوا ليلتهم في المخافر.