لا يزال فشل تسوية السلة الكاملة لحلّ أزمة التعيينات الأمنية وآلية العمل الحكومي وفتح أبواب مجلس النواب، يطغى على الأجواء السياسية في البلاد. فإحباط التسوية ونزع ورقة قيادة الجيش من يد رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بإحالة العميد شامل روكز على التقاعد، يعكس قلقاً على مصير الحكومة المشلولة أصلاً إلى حدٍ كبير، في ظلّ تأكيدات عون وفريقه أنه لن «يقبل أن يكون في حكومة لا تحترم الاستحقاقات الدستورية والقوانين» كما تقول مصادر وزارية في التيار الوطني الحر لـ«الأخبار».
وتؤكّد المصادر أن «لا أحد يقتنع بأن تيار المستقبل لا يملك آليات للضغط على (الرئيس السابق) ميشال سليمان، ونظن أنه توزيع أدوار لإحراجنا وإخراجنا».
وتشير المصادر إلى أن «الحكومة توقفت عند بند التعيينات الأمنية، ولن تعود إلى العمل إلّا بحلّ قانوني ودستوري للتعيينات الأمنية، وخصوصاً في ظلّ الأوضاع الحالية والفراغ في رئاسة الجمهورية».
وتقول المصادر إن «هناك اقتناعاً كبيراً من غالبية القوى السياسية، ولا سيما النائب وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري، بأن موقف سليمان مردّه اعتراض (الرئيس فؤاد) السنيورة. وهناك تعاطف كبير مع موقفنا من قبل بري».
الكلام عن «توزيع الأدوار» في تيار المستقبل، تقابله تأكيدات من قبل فريق رئيس الحكومة تمام سلام ووجوه بارزة في تيار المستقبل بأن الرئيس سعد الحريري «مقتنع مئة بالمئة بالتسوية، بهدف تفعيل عمل الحكومة، لكنه لا يملك وسائل ضغط على سليمان».

ستقبض البلديات 1600
مليار ليرة من أموال الصندوق البلدي المستقل
لكنّ أكثر من مصدر أكّد لـ«الأخبار» أن «بري اقترح على سلام أن يطلب من الحريري الاتصال بسليمان وإقناعه بالسير بالتسوية لما فيه مصلحة للحكومة والبلد، من دون أن تظهر النتيجة»، علماً بأن السنيورة بحسب بري، هو من عرقل الذهاب إلى الحكومة والتصويت على التعيينات الأمنية بحجّة اعتماد التصويت لاحقاً في كل المسائل.
وقالت مصادر في تيار المستقبل لـ«الأخبار» إن «السنيورة يبدو مرتاحاً بعد فشل التسوية الأمنية مع عون ويعيش حالة انتصار»، ولا سيما أنه «استطاع القفز فوق قرار الرئيس الحريري بالاتفاق مع العونيين، ونجحت جهوده في فرط هذا القرار، بعدما كان مصراً منذ البداية على عدم إعطاء عون أي تنازل».
وعلى الرغم من التشاؤم العام بأن الوقت لم يعد يسمح بالوصول إلى حلّ للأزمة وتحقيق التسوية، وما يتبعه من احتمال اعتكاف وزراء عون وحزب الله، تقول مصادر بارزة في قوى 8 آذار لـ«الأخبار» إنه «ليس محسوماً أن تتعطّل الحكومة». وتشير إلى أنه «بعد أن ينتهي الجنرال عون من تظاهرة الأحد (بذكرى 13 تشرين على طريق القصر الجمهوري) سنرى إن كان ممكناً أن نفعل شيئاً بما يضمن عدم وصول البلاد إلى الفراغ الكلي».
ولا يبدو أن جلسة الحكومة التي ينوي سلام الدعوة إليها الأسبوع المقبل لمناقشة أزمة النفايات حصراً ستحصل، في ظلّ تمسّك عون بموقفه، حتى الآن. وتقول مصادر التيار الوطني الحر إنه «لا داعي لها طالما أن القرارات اتخذت»، فيما تلمّح مصادر وزارية في قوى 8 آذار إلى الموقف عينه على اعتبار أنه «لن يكون هناك جديد في مسألة النفايات وكل القرارات المطلوبة اتخذت، سوى أن رئيس الحكومة يريد غطاءً سياسياً لتنفيذ خطة الوزير أكرم شهيّب». فيما تقول مصادر وزارية أخرى إن «الأرجح أن تعقد الجلسة ويمكن أن يشارك العماد عون، ويمكن أن يقاطع لكن من دون أن يعترض».
غير أنه تمّ أمس توقيع عددٍ كبيرٍ من الوزراء على مراسيم اتفق عليها في جلسات سابقة؛ من بينها مرسوم دفع أموال «الصندوق البلدي المستقل» مع إعفاء البلديات من ديونها، بالإضافة إلى مراسيم صرف الأموال المخصصة للبقاع والشمال من ضمن خطة النفايات. ويبقى أن يُستكمل جمع تواقيع تسعة وزراء آخرين. وتبلغ قيمة الأموال التي ستدفعها وزارة المال نحو 1600 مليار ليرة لبنانية.
وفي سياق آخر، لا يزال النقاش محتدماً بين وزير المال علي حسن خليل ونظيره وزير الطاقة آرتور نازاريان حول أزمة الأموال المخصصة لمعمل الكهرباء في دير عمار. والتقى الوزيران أمس في مكتب رئيس الحكومة، بحضور الوزير جبران باسيل، من دون الوصول إلى نتيجة حاسمة، وتمّ الاتفاق على استكمال النقاش، وبعث رسالة إلى الشركة المعنية ببناء المعمل، لتطمينها بأن الدولة اللبنانية متمسكة بالعقد، لكن تحتاج إلى بعض الوقت لمعالجة التباين في الآراء ودفع المستحقات.

خليل وباسيل لم يحلّا عقدة معمل دير عمار واتفاق على طمأنة الشركة المعنية

من جهة ثانية، تتخوّف أوساط سياسية من انعكاس الجمود الحكومي المرافق للفراغ في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب على الوضع الأمني في البلاد. وتقول المصادر إن «استقالة رئيس الحكومة أو تحوّل الحكومة إلى تصريف الأعمال في هذه المرحلة، مغاير لما حدث وقت حكومة السنيورة التي بقيت أشهراً طويلة من دون ميثاقية بسبب انسحاب الوزراء الشيعة، أو بعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي وتحوّل حكومته إلى تصريف الأعمال. ففي الأولى، لم يكن هناك حرب في سوريا، وفي الثانية كان هناك رئيس للجمهورية». إلّا أن مصادر بارزة في قوى 8 آذار تلفت إلى أنه «لنا أن نتوقّع على ضوء الحملة العسكرية الروسية في سوريا ردات فعل من الجماعات الإرهابية في أي مكان تستطيع العمل فيه، ولكن القوى الإقليمية والدولية مصرّة الآن على ضرورة الحفاظ على الأمن اللبناني». ويقول المصدر إن «الصراع الإيراني ــ السعودي حام في كل مكان، إلّا في لبنان بارد، والدليل الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل». وتقول المصادر إن «الجماعات الإرهابية تمّ ضربها في لبنان منذ سقوط معاقلها في القلمون وهي لم تستطع على الرغم من كل عملياتها تفجير صراع أهلي في البلد، ولن تستطيع الآن، على الرغم من وجود بعض المخاطر من العمليات الأمنية».
وفيما تتوقع مصادر في تيار المستقبل أن «يخرج عون يوم الأحد في موقف تصعيدي يعلن خلاله الانسحاب من الحوار، ما يعني فرطه»، تؤكّد أن «تيار المستقبل ليس متخوفاً من انفلات الوضع الأمني، ما دام الحوار مستمراً مع حزب الله». ولفتت إلى أن «قرار الفوضى في لبنان يملكه طرف واحد في البلد، وهو حزب الله، الذي يبدو حتى الآن الأحرص على الحفاظ على الاستقرار والحكومة»، معتبرةً أنه «حتى في حال قرر عون التصعيد، فإن ضابط الإيقاع السني ــ الشيعي المتمثل بالحوار الثنائي الذي يرعاه برّي، هو الضمانة الوحيدة لعدم حصول أي تفجير». وأكد أن المستقبل «حريص على أن يستمر الحوار بينه وبين الحزب، حتى لو فشلت طاولة حوار ساحة النجمة».
بدوره، يقول الوزير نهاد المشنوق لـ«الأخبار» إن «الأمن في البلد ممسوك إلى حدٍّ كبير، وهذا الأمر متوافق عليه بين القوى السياسية».