تحرير في بلاد الأقزام

التفصيل البسيط الذي بقي عالقاً في ذهني من مشهد تحرير العسكريين المخطوفين، أي إصرار المخرج اللبناني على ارتداء المحررين بذاتهم العسكرية، قبل مثولهم أمام الكاميرات، إضافة الى ما أدلى به الجنود المحررون من مديح لخاطفيهم بعد تحريرهم، والصورة الجامعة في السرايا الحكومية، ربما كانت المفاصل الثلاثة التي تستوقف المراقب في مشهد تحرير العسكريين، من أسر «جبهة النصرة» في اليومين الماضيين.

ولندقق في هذا المشهد: فمشهد تحرير مخطوفين أو رهائن أو أسرى، يكون عادة مدروساً بعناية. فهو المشهد الذي ستبعث منه رسائل في اتجاهات عدة، الى الرأي العام، وأحياناً، كما في حالة تبادل أسرى مع إسرائيل، الى العدو.
والتقليد في عمليات كهذه، وقد غطيتُ الكثير من عمليات إطلاق رهائن مدنيين (في فرنسا تحديداً) أن ينتظر الصحافيون، قبل ظهور المحررين، شيئين: الأول: انتهاء التحقيق السريع مع المطلق سراحهم، وهو تحقيق تقوم به المخابرات ويجري خلاله تنبيههم الى ما يجب أو لا يجب قوله لضرورات ملفهم الأمنية، إذ إن ملفات كهذه لا تنتهي بالنهاية السعيدة لتحرير المخطوف، فالدولة عادة لا تترك، تماماً مثل العشائر، ثأرها أبداً مما ارتكب في حق هيبتها. بعد ذلك، يمر المحررون على الطبيب النفسي ليقوّم وضعهم وإن كانوا يستطيعون أن يمثلوا أمام الكاميرات، إضافة بالطبع الى التدقيق بمظهرهم ومحو أي إشارة الى تدهور حال الرهينة، ما قد يترجمه العدو/ الخاطف، على أنه انتصار لهم. بعد ذلك، تقوم الدولة بتوجيه شكر لكل من ساهم في تحرير الرهينة التي تترك لأحضان أهلها، مع التوصية بشكل مؤكد أن لا تصرح من دون عودة الى الجهات الأمنية، كون الملف لا يزال مفتوحاً للثأر من الخاطفين.
فأي من هذه الخطوات اتبعت مع العسكريين المحررين؟
ما خلا التأكيد على مظهر العسكريين ووجوب ارتدائهم بذاتهم قبل ظهورههم، أجزم بأن شيئاً من كل هذا لم يحصل. وحتى هذه الخطوة التي علمنا بأن اللواء ابراهيم أصر عليها، فقد بدد تأثيرها الخرق الإعلامي الذي قامت به كلّ من «الجزيرة» و"ام تي في". هكذا، قام الزميلان بعمل لاأخلاقي باستجواب أسرى في الأسر، كما فعل غيره من الزملاء سابقاً في أعزاز، كان الجنود لا يزالون «بخيرهم» أي باللحى والمظهر المتدهور الذي كانوا عليه خلال الأسر. أما الأنكى، فهي المدائح التي استدرجهم الصحافيان إلى كيلها لخاطفيهم، ما جعل الناس تضرب كفاً بكف!
حسناً، ولكن ما الذي حصل بعد تحرير الشباب؟ هل قال أحد للعسكريين ما الذي يجب أن يقولوه أو أن لا يقولوه؟ لا يبدو أن ذلك حدث. فالتصريحات التي أعطاها الجنود المحررون في باحة السرايا الحكومية، كانت تشابه الى حد كبير تلك التي أدلوا بها تحت الأسر. وهنا مكمن الخطورة.
أما التفصيل الثالث فهو الصورة الجامعة المانعة في السرايا الحكومية: يا الله!
ما عدا اللواء عباس ابراهيم ورئيس الحكومة، لم يكن ينقص هذه الصورة التذكارية إلا أبو طاقية شخصياً، ليقف الى جانب «الوسيط» القطري، ولمَ لا يأتونا بأبي عجينة أيضاً الذي قصده اليوم أهالي الجنود المخطوفين عند داعش لسبب ما؟!
ما دخل كل هذه «القيادات» الحاضرة، وبعضها لم يألُ جهداً في تعطيل العدالة، أو تمتين سلطة إرهابيي المبنى «ب» في سجن رومية، او في التحريض على الجيش ومنعه من تحرير الأسرى؟ كيف يجرؤون على المثول امامنا في هذه الصورة؟ وبالأصل: هل الصورة أصلاً مخصصة للاستهلاك المحلي ام للتصدير الخارجي؟ الأرجح ان الخيار الثاني هو المعقول، ربما لهذا، لم يجرؤ رئيس الحكومة على شكر السيد حسن نصرالله، وكان اللواء إبراهيم هو الوحيد الذي ذكر دوره الفعال والأساسي والحاسم في عملية التحرير. ففي حسابات دولة الأقزام، الأفضل تجنب ذكر العمالقة، تلافياً فقط للمقارنة.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم