مرجعيون تحاصرنا.. مدنياً

أعاد مشهد استضافة تلفزيون الجديد لشخصيتين "ممثلتين" للجالية اللبنانية في السعودية، وما قالاه رداً على أسئلة الزميل مالك الشريف حول أزمة العلاقات اللبنانية - السعودية إثر موقف لبنان في الجامعة العربية النائي بنفسه من التوتر السعودي الايراني، مشهداً مؤلماً لذاكرتنا كلبنانيين. المشهد المذكور ليس إلا سلوك أهالي الرهائن في إعزاز الذي كان بتوجيه من محتجزي أولادهم، تحت التهديد بذبح هؤلاء إن لم يتقيدوا بتعليمات الخاطفين. هكذا قطعوا طرقات وطالبوا بمواقف سياسية تلزم البلد ومدحوا الخاطفين ووصفوا وضع أبنائهم في أيدي الإرهابي أبو إبراهيم يومها بالضيوف.

إلا أن أبو إبراهيم اليوم الذي يحرك قضية المبعدين اللبنانيين من الخليج، ليس سورياً بالنيابة عن التركي والسعودي والقطري. بل ثمة "أبو إبراهيم" أصيل هذه المرة، يحرك بنفسه من مكان ما في "مملكة الخير" خيوط الدمى اللبنانية، في مسعى لتحويل الجالية في الخليج، إلى مجرد رهائن تنفذ تحت التهديد بقطع رزقها ما يريد "المخرج" السعودي من مواقف سياسية تطال اللبنانيين في الداخل والخارج ولا يرى انها في مصلحته.
لم يقطع الرهائن اللبنانيون أو أهاليهم هذه المرة الطرقات احتجاجاً على سياسة "النأي بالنفس" اللبنانية، بل أخذوا يتممون عمل السلطات الخليجية (وهي بدورها تتمة لقانون الكونغرس الأميركي الذي يهدف إلى تأليب بيئة المقاومة) الإعلامي ميدانياً.
سوّق الضيفان اللذان أفاضا في الحديث عن خير المملكة السابق والحاضر، لحلول سياسية اقترحاها لرفع سيف الطرد المُصلَت على رؤوس الجالية هناك، وهو تهديد لم يعترفوا حتى بوجوده!! والحل - المخرج (من ماذا؟) هو قسمين: يقوم تمام سلام رئيس الحكومة (السني ذو المظلة السعودية) بزيارة للمملكة، حيث يعلن من هناك اعتذاراً أو إدانة للهجوم على السفارة السعودية في طهران (وهو موقف قامت به طهران شخصياً، فما الداعي أن يفعل لبنان؟) أو أن ترسل رسالة للسعودية بالمعنى ذاته حيث إن "السلطات السعودية لم تتبلغ رسمياً بالموقف الذي أعلنه وزير الخارجية جبران باسيل حين صوب الموقف الذي أعلنه في اجتماع الجامعة العربية"، حسب ما أفاد الضيفان.
اللافت في حديث هذين الشخصين، إضافة إلى منطق التجار الذي ينضح من كلامهما، أنهما لم يتطرقا ولو للحظة واحدة إلى حقوق المبعدين من إخوانهما في المواطنية، وما حصل من سلب لأعمالهم وحياة بنوها لسنوات وسنوات بموجب عقد هو تأشيرة الإقامة بينهم وبين الدول المضيفة ومن دون سبب معلن إلا ما بلغ به البعض شفوياً من أنهم يهددون "الأمن القومي".
لا حقوق للمبعدين. الحقوق هي لمن يرضى عنهم السعودي لانبطاحهم واستعدادهم لبلع أي إهانة، وبالتالي لا تعود الحقوق حقوقاً، بل تصبح مجرد إحسان أو خلعة. لا حقوق للمبعدين. وما يحصل من "تطهير" على أساس الانتماء المذهبي أو الرأي السياسي أو مجرد الانتماء إلى "بيئة" معينة مبرر كافٍ بنظر هؤلاء. يقول أحدهما واسمه كميل مراد (والآخر إدغار خطار) مدافعاً عن تصرفات السلطات السعودية: "ما رح يرحلوا حدا مش مسيء"، ويضيف: "بالعكس، نحنا مع السعودية لما بترحل مسيئين، هيك بتكون عملت عملية تطهير واستبعدت واحد وأنقذت عشرين ألف". لم يوضح الرجل الستيني ما المقصود بالمسيء؟ وما تعريفه؟ لكنه يضيف: "كنا عند (وزير الخارجية جبران) باسيل وقال لنا إنه يومياً بيوصلوا فاكس إنو في مرحّل من الإمارات، بس من السعودية ما في". حسناً، إن لم يكن هناك مرحلون من السعودية وأنتما ممثلا الجالية هناك، لم أنتما هنا؟ لم هذه الجولة على السياسيين وعلى وزير الخارجية؟ إن لم يكن هناك من تهديد ولا أحد يهددكم، فماذا جئتما تفعلان هنا؟ لم لستما على رأس أعمالكما في "مملكة الخير"؟ ما هي المهمة التي أتيتما لتؤدياها؟ وبتكليف ممن جئتما تتفاوضان وتعتليان المنابر الإعلامية ترويجاً لضغط سعودي على بلدكما الأم؟
هذه الأسئلة طبعاً كان يجب أن يطرحها الزميل المحاور، إلا أنه لم يفعل. أتفهّم أن يكون الزميل ملتزماً سياسة محطته، وإلا فإني أعرف أنه لا ينقصه حسّ العدالة ولا الذكاء اللازم ليحرج هذين الضيفين الثقيلين بما يمثلان. فلا شك أن الشهوة القديمة بوراثة الحريري في السعودية سياسياً وعملياً، طموح شائع بين أغلب رجال الأعمال الأغنياء، خاصة في صيدا.
أما بالنسبة إلى الضيفين؟ فماذا يقال؟ هل يبرر خوفهما على تجارتهما ارتضاء الذل لبلدهما ولأبنائه؟ كيف تريدان أن نحميكما إن كنتما لا تقبلان بأن ما يحصل مع إخوتكم في المواطنية هو تصرف غير مقبول من دولة تمارس سلطتها الضخمة على مهاجرين ضعفاء؟ أليس ما يحصل هو "مرجعيون أخرى" لكن باللباس المدني؟
إن تقديم الطاعة لمن يهدد بلدك وهو ممسك بخناق أبنائه يعمل فيهم ذلاً وقطعاً غير محق لأرزاقهم، لا يقل ذنباً بكثير عن تقديم الشاي لجنود العدو من قبل جنود نزعت منهم أسلحتهم؟ قد يقول قائل: في دولة مثل هذه كيف تريدين لمواطن أن يكون ذا كرامة؟
صحيح، هناك بعض الصواب في هذا الكلام، لكن لا شيء يبرر القبول بالتحول طوعاً إلى رهينة ضد بلدك وأهله. هذه سابقة خطيرة. ولكن ما هَمّ؟ فنظامنا الرائد في اجتراح المفاهيم الخنفشارية، كالديموقراطية التوافقية والقوة في الضعف، ولا غالب ولا مغلوب، لن يكون ظالماً بحقه أن تنعته كالولاة عليه بصاحب السوابق.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم