لم تعد بعض الشخصيات العامة في غزة تلتزم الأصول المهنية التي تنص عليها أخلاقيات عملهم، بعدما غلبت غرائزهم الجنسية على الأخلاقيات والواجبات المهنية، وراحوا يستغلون مكانتهم ذات الشأن والقرار، خاصة المتعلقة بالتوظيف والتعيينات ومنح بعض الخدمات أو حتى تمويل المشاريع، في ظل غياب فرص العمل للفتيات


غزة | الحديث في موضوع التحرش الجنسي هو من المحذورات في فلسطين التي تتصف بأن مجتمعها محافظ وحساس في قضايا العرض، إلى حدّ أن الضحايا لا يمتلكن الحرية في الحديث عما حدث لهن، لذلك تلجأ نسبة كبيرة من النساء العاملات، اللواتي يتعرضن للتحرش، إلى الصمت، حتى لا يترتب على ذلك نتائج قد تحرمهم الخروج إلى العمل مجدداً أو تؤثر في سمعتهنّ. رغم ذلك، ومع تحذير مصادر عدة من الحديث في هذا الموضوع وصعوبة تقبّل المجتمع النتائج المترتبة عليه، تشجعت بعض الفتيات والنساء ممن تعرضن لتحرش لفظي أو جسدي، أو لرشوة جنسية، على أيدي بعض الشخصيات العامة، للحديث عما حدث لهن. ولم يكن ذلك سهلاً إلا بمساعدة صحافية أوصلت معدّ التحقيق إلى بعض الحالات وأقنعتهن بالحديث.

ومجموع الحالات التي توصلنا إليها هي 36 من الفتيات العاملات في عدة مجالات، لكن 25 منهن رفضن الحديث بالتفاصيل الكاملة، ووافقت 11 على ذلك بشرط ألا يفصح عن أسمائهن. ومنهن من وافقن على الحديث عبر جهاز التسجيل الصوتي، وأخريات اشترطن الكتابة الورقية فقط. ومن هذه الحالات تعرض 20 لتحرش جنسي داخل عملهن، و10 طلب منهم «رشوة جنسية»، فيما تعرضت ست لاعتداء جنسي داخل مكان العمل.


موظفو مؤسسات دولية


"دينا"، اسم مستعار لفتاة تبلغ 27 عاماً، وتعمل في الصحافة. قبل عام ونصف، وعبر موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، تلقت رسالة من موظف كبير في «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ـــ الأونروا»، بعدما شاهد صورتها الشخصية. كان ذلك الموظف الشهير بين الصحافيين يستفسر هل هي صاحبة الصورة أم لا، وعندما أجابته أنها هي، قالها لها مادحاً: «صورتك حلوة ومنورة وما شاء الله قمر»، لكنها تقبلت تعليقه نظراً إلى فارق السن ومنصبه المهم على أنه مديح.

صار هذا المسؤول الكبير يتواصل معها، ولاحظ أنها بعد مدة نشرت على صفحتها منشوراً يعبّر عن يأسها لتوقفها عن العمل في وكالتها الإخبارية، وأنها بحاجة إلى عمل. مباشرة بدأ ذلك المسؤول بالحديث معها وعرض عليها المساعدة، وأن تحضر أوراقها الرسمية إلى مكتبه. لكنه عند حضورها، حاول الاقتراب منها ولمسها، فابتعدت وغادرت، وفي اليوم التالي كان صريحاً أكثر، فقد طلب منها ممارسة الجنس معه مقابل حصولها على الوظيفة، ما أصابها بالصدمة، ودفعها إلى قطع التواصل معه.



تقرر غالبية المتعرضات للتحرش الصمت خوفاً من حرمانهن العمل



كانت هذه الواقعة صدمة على حياة "دينا"، فهي بطبيعة عملها تتعامل مع فئات عدة، ولم تكن تستبعد استغلال بعض الموظفين أو الشخصيات العامة للفتيات، لكن طبيعة منصب الشخص الذي فعل معها ذلك أفقدتها الثقة بأن تستطيع محاسبته، خاصة أن المجتمع «يشكك في نزاهة الفتاة إن تحدثت عن الشرف»، كما قالت.

وخلال البحث في آلية محاسبة موظفي «الأونروا»، وجدنا أن اتفاقات موظفي الأمم المتحدة التي تتبع لها «الأونروا» تعطي حصانة لهم، فلا يستطيع القضاء الفلسطيني محاسبة موظفيها، أو حتى تتبّع شكوى من الشرطة ضدهم في غزة. يشرح ذلك أستاذ القانون الجنائي والقاضي عبد القادر جرادة، مشيراً إلى اعتماد الأمم المتحدة على اتفاقية امتيازات وحصانتها الموقعة مع الدول التي تستفيد من برامجها أو تضم لاجئين.

على صعيد المؤسسات الدولية أيضاً، فإن "م. أ." التي تبلغ 28 عاماً، تعرضت لابتزاز من أحد مموّلي المشاريع الحقوقية، وهو يعمل مدير مؤسسة دولية في غزة، مقابل أن تخرج معه وترافقه، فيما يمنحها عملاً في أحد المشاريع التي تموّلها مؤسسته. وكانت "م. أ." تعمل مدربة في مجال حقوق الإنسان لمجموعة شبابية مع مؤسسة أهلية، ضمن مشروع مموّل من مؤسسة هذا المموّل الدولية. في البداية كان المموّل يبادلها المواد التدريبية، ثم صار يتواصل معها، وصولاً إلى «فايسبوك». لكن خلال استراحة أثناء لقاء تدريبي تحدث معها فجأة عن غياب التثقيف الجنسي في مجتمع غزة، رغم أن موضوع التدريب الذي تعطيه بعيد عن هذا المجال.

وأضافت: «فهمت أنه يريد التمهيد لعلاقة جنسية، وقلت له لا داعي للحديث في هذا الموضوع لأنه لا علاقة له بطبيعة عملنا، ومن يدرك هذه الثقافة يحتفظ فيها بداخله». لكنه لم يتوقف من الحديث معها وهي تحاول منعه، إلى حدّ بات يعرض عليها ما لديه من أملاك لإغرائها، كذلك عرض عليها وظيفة في أحد المشاريع التي تموّلها مؤسسته براتب جيد. ثم بيّن لها أنه يستطيع التوسط لها في إحدى المؤسسات التي قدمت طلب وظيفة فيها، شرط أن تأتي إلى مكتبه قبل ذلك.

وبسبب الرفض المستمر منها، استُفزَّ المموّل وأخبرها أن المشروع الذي تعمل فيه لن يجدد رغم وعود سابقة منه بالتجديد للمؤسسة الأهلية. ولاحقاً اكتشفت أنه كان يتواصل مع بعض الفتيات المتدربات في المشروع وحاول التقرب منهن، ولكنه حصل على رد قاس أيضاً. تضيف "م. أ.": «أي فتاة تتخوف من الحديث إلى أحد حول ما حدث معها... الظاهرة موجودة ومنتشرة في غزة».


محامون أيضاً


في مكتب أحد المحامين في غزة، تعرضت المحامية المتدربة "م" (23 عاماً) العام الماضي لتحرش جسدي من محام عمره 45 عاماً وهي في مكتبه. وعندما اعترضته ردّ عليها بأنه بحاجة إلى حنان فقده من زوجته، وهو على استعداد أن يتزوجها. لكنها في اليوم التالي فضّلت الجلوس في البيت وتوجهت بعد شهر إلى محام آخر بجانب متدربات من سنّها لتواصل التدريب هناك. تضيف هذه المحامية: «زميلة لي أخبرتني أن المحامي نفسه تحرش بفتاة من دفعتنا قبل ذلك، والمشكلة أنه محامٍ معروف وله مكانة... عندما تواجهت معه صار يهددني وأخبرني أن له مكانة، ولا أحد سيصدق كلامي».

مع البحث أكثر، تبين أن فتاتين أخريين تعرضتا لإيحاءات جنسية خلال إجراء مقابلة عمل «سكرتيرة». فقد جاءت المقابلة خارجة عن التوقع، وبأسئلة جنسية، وذلك في أحد مكاتب المحامين في غزة، الذي أعلن حاجته إلى سكرتيرة.



الشخصيات الكبيرة والمتنفذة تصدم النساء بالحصول على وظيفة مقابل الجنس

توجهت الفتاتان، واحدة من تخصّص الصحافة «م. ي.» (28 عاماً)، والأخرى «ن» (25 عاماً) السكرتارية المكتبية. وبادر المحامي إلى سؤال الأولى خلال المقابلة عن «المطعم الذي تحبينه وترتاحين فيه (باعتبار أنه يريد الذهاب إليه هو وحبيبته وليس زوجته)». لم تجبه، فضحك، وعندما سألته بخصوص الراتب، كان ردّه أنه 500 شيكل (130 دولاراً)، لكنها نبّهته إلى أن المعلن كان 1000 شيكل، فقال لها: «الذين يتقاضون هذا المبلغ يقدمون أغراضاً أخرى إلى المحامي نفسه»، فقررت الانصراف مباشرة.

أما الثانية، فعندما توجهت إلى المقابلة، وبعد التعريف بنفسها ومؤهلاتها، سألها المحامي عن نوع الرائحة التي تضعها، وأنه أحبّها ويريدها أن تضعها في العمل، ثم بدأ ينظر إليها بتمعن، وعندما سألت لماذا يحدق بها؟ قال «جسمك حلو صلاة النبي». ثم واصل: «بالنسبة للراتب ما تقلقي إن كنتي حنونة معي راح أزبطك»، ما جعلها تنصرف وهي تبكي.

وفي مكتب محاماة آخر، عرض محام على سكرتيرة رشوة جنسية مقابل إرضائه والسماح له بلمسها، مع أنها لم تكن تعمل لديه بل تسدّ محل صديقتها لمدة أسبوع. وعندما بدأت العمل، صار المحامي يتحدث معها عن علاقته الجنسية بزوجته وفشلها، ثم مدّ إليها مبلغ 50 شيكلاً (13 دولاراً) ليلمسها، وعندما رفضت، اعتدى عليها بضمّها، فأبعدته وهربت من المكتب، ثم قطعت علاقتها بصديقتها.

الملاحظ أن هذه الحالات الأربع لم تلجأ إلى محاسبة المحامين عبر الشرطة أو حتى نقابتهم، في ظل إجماعهن على أن المحامين القائمين على حماية حقوق المواطنين سيكونون أكثر خبرة منهن، ولن تجدي الشكوى ضدهم شيئاً. كذلك، فإنه بوقوف المجتمع مع الرجل، سيكون الصمت هو الحل الأمثل.

وبالتواصل مع «نقابة المحامين» للاطلاع على آلية محاسبة المحامين في غزة، وهل هناك شكاوى من اعتداءات جنسية، تبين أنه من أصل 65 شكوى في عام 2015، و20 أخرى منذ بداية العام الجاري حتى نهاية نيسان الماضي، لم تحمل أي منها شكوى أخلاقية، كما يفيد المحامي شعبان الجرجير، عضو مجلس النقابة ورئيس «لجنة الشكاوى» فيها. لكن الجرير يؤكد أن «النقابة لا تتهاون مع أي محام يخالف أخلاقيات المهنة... تتبع إجراءات بعد تحقق الجهات الرسمية في الشرطة والنيابة، وإذا أدين المحامي أو أخلّ بالشرف أو الاعتبار والأمانة، وبناءً على الإدانة والحكم الرسمي، تفصل النقابة هذا المحامي، وفقاً لقانون المحامين النظاميين رقم 3 لسنة 1999 وتعديلاته».


الصحافة ليست أفضل


واقع الصحافة في غزة لم يخلُ أيضاً من هذه الإشكالية، فعدد من الصحافيات تعرضن للتحرش، وهنّ 13 من أصل 36 مجمل حالات التحقيق. أيضاً قبلت ثلاث صحافيات الحديث عن التفاصيل؛ الأولى "ر. أ." تبلغ الثلاثين من عمرها، استغل أحد الصحافيين حاجتها إلى العمل لعلاج أحد أفراد أسرتها. وكان «الصحافي المعروف» قد عرض عليها العمل مقابل ممارسة الجنس معها. تضيف: «في واقع الصحافة في غزة الكل يعلم أن بعض الصحافيين يتحرشون بالفتيات العاملات في المجال أو خارجه، لكن أن تصل إلى مرحلة رشوة جنسية كانت صاعقة لي... علمت سابقاً أن الصحافي يغازل الفتيات ويتحرش لفظياً بهن».



المحامون أصعب من يمكن ملاحقتهم في حال نفّذوا أيّ تحرش



وترى أنه في الوقت الحالي صار التحرش عادياً عند بعض الشخصيات العامة التي تشمل الصحافيين، مشددة على أنها لم تصمت، وعبر صفحتها الشخصية على «فايسبوك» تحدثت عن هذه الفئة. وشرحت أنها ذات يوم ذهبت وزميلتها إلى أحد الصحافيين ليشرح لهما طريقة المراسلة التلفزيونية، وبعدما انصرفت زميلتها، أغلق الباب بسرعة واعتدى عليها، لكنها أبعدته وفتحت الباب وانصرفت. ويضيف: «كان يظن أنني منفتحة لأنني قادمة من دولة في الخارج».

صحافية أخرى، «هـ» 30 عاماً، جلست بداية العام الجاري مع صحافي مشهور في أحد المطاعم على شاطئ البحر بنية التحدث في أمور لها علاقة في العمل، فوعدها بالعمل في مكتبه لكن مقابل ممارسة الجنس. ثم أضاف: «هذا مبلغ لتحسين ظروفك، وأنا أريد ممارسة الرومانسية معك لأنني أشعر بمشاعر كبيرة»، ومنذ ذلك اليوم تجلس في منزلها بلا عمل.

ووفق «مدونة السلوك» الخاصة بـ«نقابة الصحافيين» الفلسطينيين، وتحديداً في البند الرابع الخاص بالنزاهة الإعلامية، تنص على «الامتناع عن استغلال المهنة للحصول على أي مكاسب مادية أو معنوية»، ما يعني أن الصحافيين المستغلين لجهة التحرش والرشوة الجنسية انتهكوا قواعد نظام العمل داخل الجسم النقابي الجامع لهم. وكان لافتاً أنه نتيجة للانقسام الفلسطيني وغياب بعض الصحافيين عن النقابة، فإن عدداً كبيراً منهم لا يدرك أصلاً قوانين النقابة أو حتى مدونات السلوك. فخلال سؤال معدّ التحقيق عشرة صحافيين هل سمع بـ«مدونة السلوك» الخاصة بالنقابة، لم يجب إلا صحافي واحد بالإيجاب.

يشرح شريف النيرب، وهو المسؤول عن «نقابة الصحافيين» في غزة، أن الواقع الصحافي بحاجة أساساً إلى تجديد قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني لسنة 1995، لأنه «قانون عفّى عليه الزمن»، وبحاجة إلى مواكبة الزمن، وأن تنعكس عليه مدونات السلوك. ويقول: «العجز عن توفير قانون يحفظ حقوق الصحافيين ويلزمهم واجباتهم، يجعل الصحافي يخترق جميع مدونات السلوك»، مستدركاً: «في النقابة لسنا جهة تشريعية ولا تحقيق في الأمر، إلا إذا كان هنالك إثبات بالواقعة، فيلجأ الصحافي إلى قانون العقوبات في هذا الأمر، وإذا أثبت ذلك بالتدقيق والبحث، فوراً تُفصل عضوية الصحافي».


في الصيدليات والجامعات


في قطاع الصيدلة، وجدنا حالة واحدة تعرضت لاعتداء جنسي، وهي "ن" وتبلغ 28 عاماً، وحصلت على قبول في العمل لصيدلية ما في غزة. في بداية عملها كانت تتلقى من صاحب الصيدلية كلاماً غزلياً، وحاولت منعه لعدة مرات، لكنه استمر في المغازلة، حتى أتى يوم ما واعتدى عليها، فصفعته وانصرفت.

كذلك في إحدى الجامعات في غزة، كان طلب الأكاديمي من فتاة أن تسمح له بمداعبتها مقابل منحها علامات امتياز، على حدّ وصف "س" 22 عاماً، التي تعمل سكرتيرة في مكتب محاسبة وتدرس في الوقت نفسه. وقالت: «بعد هذه الواقعة، وجدت أنه يطلب من الفتيات مناقشته في أي قضية في المادة التي يدرسها في مكتبه تحديداً. لكن بسبب طلبه أجلت المادة إلى فصل آخر».


المتحرّشون شخصيات معروفة ومتزوجون


أطلعت الفتيات معدّ التحقيق على أسماء بعض المتحرشين من الشخصيات العامة، وكانوا سبعة أسماء جميعهم متزوجون: خمسة صحافيون، لهم حضور في المؤتمرات الكبرى، وواحد يعمل في مؤسسة دولية وتُخصص له كلمات في المؤتمرات وله علاقات واسعة، أما السابع فهو مسؤول في جمعية وله علاقات قوية بالمؤسسات الأهلية. وهذا يظهر مدى تمكن الشخصية العامة في الواقع المهني الخاص بها، وكيف تستغل وضعها للإيقاع بالعاملات واستغلال حاجتهن.

في السياق، تقول الاختصاصية النفسية من «جمعية المرأة العاملة الفلسطينية»، وصال بدوي، إن «كرسي المنصب في غزة يخفي أشياء كثيرة، فيعتقد المتحرش الكبير أنه صاحب النفس البشرية القوية ويحق له التحرش».

واستقبلت الجمعية عدداً من العاملات اللواتي تعرضن للتحرش في بيئة العمل وخارجها، لكن من دون وجود رقم دقيق، «بسبب توجه الضحية إلى الحديث بطلب للاستشارة أو كلام ودّي أو عبر لقاءات وتدريبات».

وتضيف بدوي: «التحرش يولد شعوراً للمرأة بفقدان الأمان الوظيفي والتوتر، وضعف إنتاجية العمل، وخسارة الثقة في جوّ العمل، كذلك فإن العادات والتقاليد تجبر الضحية على التفكر في كيفية حديث المجتمع عنها إن علموا بوقوعها في التحرش».

هذا الواقع دفع معدّ التحقيق إلى توزيع استطلاع رأي على 80 فتاة وامرأة عاملة في مختلف القطاعات غير الحكومية، بعدما رفضت 62 غيرهن تعبئة الاستطلاع بمجرد أن شاهدن عنوانه. واستهدف الاستطلاع العاملات في الصحافة والمؤسسات الأهلية والدولية والمحاميات والعاملات في مراكز المرأة. وكانت النتائج كالآتي:

ــ 91 في المئة منهن يعتقدن بأن الفتاة والمرأة العاملة يتعرضن للتحرش من بعض الشخصيات العامة والعاملين في قطاع غزة، أما 9% فلا يعتقدن ذلك.

ــ 82 في المئة يعرفن امرأة عاملة تعرضت لتحرش جنسي على أيدي شخصيات عامة منذ خمس سنوات لغاية اللحظة.

ــ كان التحرش اللفظي نسبته 32 في المئة، أما الجسدي فكان 18 في المئة، ومحاولة اعتداء جنسي 23 في المئة، والاعتداء الجنسي 15 في المئة.

ــ الذين يتحرشون وهم بصفة موظفين كبار نسبتهم 81 في المئة، أما 19 في المئة الباقون فيكونون ربما موظفين من الدرجة الثانية أو عاديين.

ــ 83 في المئة ذكرن أن المتحرش من الشخصيات العامة يستغل حاجة الفتاة والمرأة للعمل.

ــ في حال تعرض إحدى العاملات للتحرش في مكان عملها، فإن 65 في المئة منهن سيتكتّمون عمّا حدث معهن، ونسبة 15 في المئة سيشتكين المتحرش في المؤسسة، و11 في المئة يشتكينه للشرطة.

ــ نسبة 56 في المئة قلن إن سبب التكتّم هو نظرة المجتمع السلبية إلى الفتاة وحرمان أهلها لها العودة إلى العمل مرة أخرى، ونسبة 21 في المئة يتكتمن بسبب تهديد المتحرش.

ــ تقول 59 في المئة إن الإشكالية خطيرة إلى درجة كبيرة، و31 في المئة خطيرة، و0.5 خطيرة إلى حدّ ما.




لا قانون فلسطينياً خاصاً بالتحرش... والمحاكم ترفض إخراج إحصاءات


في القانون الأساسي الفلسطيني، لم نتمكن من الوصول إلى قانون يعالج قضية التحرش الجنسي في المجتمع. والقانون المتعارف عليه في تجريمه ضمن قانون العقوبات رقم 74 لعام 1936 الساري في الأراضي الفلسطينية، جاءت فيه إشارة إلى هذا الموضوع ضمن جمل متفرقة تحمل عناوين تتعلق بالأعمال المنافية للحياء.

والنص التجريمي الأقرب إلى التحرش الجنسي موجود في المادة 305 من قانون العقوبات، ويتحدث عن المداعبة المنافية للحياء، ونص على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة كل من داعب بصورة منافية للحياء: امرأة أو فتاة لها من العمر خمس عشرة سنة أو أكثر دون رضاها».

أما المادة 306، فحملت عنوان «عرض الأعمال أو توجيه الكلام المنافي للحياء»، ونصّت على أنه «من عرض على صبي دون الخامسة من عمره أو على أنثى عملاً منافياً للحياء أو وجه إليهما كلاماً منافياً للحياء عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على خمسة وعشرين ديناراً».

وجاءت المادة 320 بعنوان الأفعال المنافية للحياء بالنص على أن «كل من فعل عملاً منافياً للحياء أو أبدى إشارة منافية للحياء في مكان عام أو في مجتمع عام أو بصورة يمكن معها لمن كان في مكان عام أن يراه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً».

وفي إطار قانون يجرم الفساد في سوق العمل، أصدر قرار بقانون مكافحة الفساد لسنة 2010، وقد حدد القانون عدداً من الجرائم تحت بند الفساد، ولكنه غاب عن استخدام التحرش الجنسي في العمل باعتباره شكلاً من أشكال الفساد.

في المقابل، رفضت «إدارة مجمع المحاكم» إطلاع معدّ التحقيق على عدد الجرائم الجنسية المسجلة في أرشيفها. ورأت أن هذه القضية تمس الواقع المجتمعي، رغم تأكيد المعدّ حقّه في الحصول على المعلومة.

أما الشرطة فلم يجب المتحدث باسمها في غزة، أيمن البطنيجي، على تواصل معدّ التحقيق معه، وكذلك وزارة الداخلية بعدما طلبنا منها معرفة دورها في إدارة مباحث المؤسسات المختصة في الرقابة على المؤسسات المختلفة، فلم تجب هي الأخرى.

يعلق على ذلك أستاذ القانون الجنائي والقاضي عبد القادر جرادة بالقول إن مشكلة الجرائم الجنسية هي أنها «جرائم اجتماعية أكثر من أنها قانونية، لأن المجتمع يرفض عرضها على القانون، كون النتائج المترتبة عليها تسيء للضحية أكثر من الإيجابيات الممكن تحقيقها بمحاسبة الجاني». ويضيف جرادة أن الفتاة في حال توجهت إلى الشرطة لتقديم شكوى لن يكون التعاطي معها بطريقة لبقة، والنظرة إليها ستكون سيئة. كذلك «عندما تقابل أهلها، تجد السكوت أفضل من أن تقول ما حدث معها، لذلك الجرائم الجنسية غائبة عن المحاكم، وهذا ما يجعل العاملين في قطاع العدالة يخطئون في تصنيف الجريمة الجنسية».




التحرش الجنسي ليس ملموساً فقط


في تقرير إداري شامل عن واقع التحرش الجنسي في أماكن العمل في فلسطين، صادر عن «الائتلاف لأجل النزاهة والمساءلة ـــ أمان» في تشرين الأول 2010، تبين أن قضايا التحرش الجنسي في أماكن العمل شكل من أشكال الفساد. وذكر التقرير أن «منظمة العمل الدولية» ترى أن التحرش الجنسي «أحد أشكال الفساد والعنف وانتهاك لحقوق الإنسان والعاملين».

وقال التقرير إن التحرش الجنسي «لا ينصب فقط على شكل مادي ملموس، بل إنه يتخذ أشكالاً ثلاثة: أولاً تحرش جنسي لفظي، مثل ملاحظات وتعليقات جنسية مشينة، وطرح أسئلة جنسية. وثانياً، تحرش جنسي غير شفوي، مثل النظرات الموحية والإيماءات والتلميحات الجسدية. أما الأخير، فهو تحرش جنسي بسلوك مادي، مثل محاولة لمس، أو لمس جسد الطرف الآخر، تقبيل أو محاولة تقبيل الطرف الآخر».

لكن التقرير ذكر هذه التصنيفات وفق شرطين أساسيين، هما «عدم ترحيب المتحرش به/ بها بهذا السلوك، والثاني عندما يصبح الخضوع والموافقة للتحرش شرطاً للاستمرار في العمل والحصول على ترقيات وامتيازات وحوافز وتدريب».