إثر إعلان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في حزيران الماضي، اكتشاف جهاز أمن المقاومة عملاء لإسرائيل وللاستخبارات الأميركية في صفوفه، بادرت السفارة الأميركية في بيروت إلى نفي الأمر، ووضعه في خانة الادعاءات، وهو الأمر الذي واكبته قيادات من فريق 14 آذار بالقول إن حزب الله يحاول أن يرمي بالمسؤولية على الجانب الأميركي. وأبلغ أكثر من مسؤول من هذا الفريق، أو من قوى أمنية رسمية، سائليهم، بأن «ادعاء حزب الله» لا أساس له من الصحة.

طبعاً، لم يكن أحد ينتظر الجانب الأميركي ليعلن أي موقف تفصيلي غير النفي الرسمي الذي صدر عن السفارة في بيروت، باعتبار أن السيد نصر الله أشار إلى أن الذين عملوا على تجنيد عناصر من الحزب هم من موظفي السفارة. لكن حقيقة الأمر، كما يرويها إعلاميون أميركيون، أنه لا أحد في الولايات المتحدة تعامل مع الأمر بجدية؛ فهم من جهة عدّوا كلام نصر الله نوعاً من الاتهامات التقليدية، وفهموا من مراجعات لبعضهم مع مسؤولين أميركيين، وخصوصاً من جهات الاستخبارات، أن ليس هناك من يدعو إلى متابعة كلام نصر الله.
لكن الذي كان يجري في هذه الاثناء تجاوز كل ما نشر، بما في ذلك ما نشر في الصحافة الأميركية أمس، وفيه «ما يشبه الاعتراف الرسمي» بوجود هذه الحقيقة؛ إذ تبين أن الاستخبارات الأميركية تواجه أزمة كبيرة منذ الربيع الماضي، عندما تبيّن لها أن بعض من جُنِّدوا لمصلحتها قد أُوقع بهم، ليس في لبنان فقط، بل في سوريا وفي إيران. ومع أن نظام العمل لا يربط بين هذه المجموعة أو تلك، إلا أن الغاية المعلوماتية والتنفيذية لعمل هذه المجموعات متصل بعضها ببعض، وتنطلق من عمل مشترك مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في مواجهة «عمليات التسلح المتعاظمة لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين، ودور إيران وسوريا في هذه العملية»، على ما قال مصدر متابع لـ«الأخبار»، أوضح أن ردود الفعل التي صدرت أمس على ما نشر في الصحافة الأميركية أظهرت أن الأمر ربما تجاوز ما كُشف عنه.
وبحسب مصادر متابعة، فإن الشغل الأساسي للاستخبارات الأميركية استهدف في تلك الفترة الآتي:
ــــ المباشرة بإجراءات حماية مكثّفة لكل من جُنِّد في العمل الأمني، إما من خلال تهريبه إلى خارج لبنان وسوريا وإيران، أو من خلال اتخاذ احتياطات إضافية لمنع انكشافه.
ــــ المباشرة بإعفاء ضباط من الاستخبارات الأميركية من العاملين في هذه القضية من مهماتهم، وسحبهم إلى الولايات المتحدة أو نقلهم إلى ساحات أكثر أمناً.
ــــ تأليف خلية تحقيق هدفها التدقيق في الأسباب المحتملة وراء الخرق الذي أتاح لجهاز أمن المقاومة في لبنان، وللاستخبارات السورية والإيرانية، كشف هذه المجموعات. وتركز عمل هذه الخلية على درس ملف الاتصالات الهاتفية والإلكترونية للعملاء وللضباط الذين يتواصلون معهم، إضافة إلى كل ملف التواصل المباشر لناحية الأمكنة والسيارات والأشخاص الذين يعرفون بالأمر.
ــــ العمل على مراجعة المواد التي حصلوا عليها من خلال هذه الشبكات ومحاولة التثبت منها أو السعي إلى التدقيق في ما إذا كان هناك عملاء مزدوجون قد عملوا في هذه القضية، وسعياً إلى تحديد زمن حصول الانكشاف لتحديد المعلومات الحقيقية من تلك التي يمكن أن تكون قد وصلت إلى الاستخبارات الأميركية على سبيل التضليل.
وفي تموز الماضي، نشرت «الأخبار» تقريراً عن الحرب الأمنية الدائرة بين الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية وبين أجهزة الأمن في لبنان وسوريا وإيران. يومها، «كشف النقاب عنه في طهران ودمشق وبيروت بين شهري نيسان وأيار الماضيين. البداية كانت في سوريا، حيث كشفت خلية من 25 شخصاً عملاء لحلف الأطلسي، اعتُقل 17 منهم، فيما فر واحد إلى دبي وثلاثة إلى لبنان عادوا والتحقوا به، بعد تهريبهم إلى الإمارات بواسطة طرف لبناني. وأعلنت وزارة الأمن الإيرانية، في 20 أيار الماضي، اعتقال شبكة تجسس إيرانية لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تضم 30 إيرانياً، وذلك بعد إجراءات أمنية واسعة النطاق قام بها رجال الأمن داخل إيران وأخرى بالتعاون مع الجهات المعنية في سوريا ولبنان، حيث كُشف عن 42 من الضباط الأمنيين التابعين لوكالة الاستخبارات في دول مختلفة».
ومع هرب الملاحقين السوريين الثلاثة إلى لبنان، طلبت الاستخبارات السورية من نظيرتها اللبنانية، وتلك الخاصة بحزب الله، المساعدة في اعتقالهم. وتضيف أن طلباً كهذا استنفر أجهزة مكافحة التجسس في لبنان. وربما كان هذا الاستنفار قد أدى دوراً في القبض على شبكة العملاء التي أعلنها حزب الله. وتؤكد هذه المصادر أن «هذه العمليات كشفت عن انتقال مركز العمل الرئيسي للأميركيين في المنطقة من السعودية ولبنان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وإلى مدينة دبي على وجه التحديد، ربطاً بمزايا هذه الإمارة الخاصة لجهة الدخول والخروج منها ونوعية الأعمال التي يمكن القيام بها كغطاء للعمل الأمني».