دوماً أحبته والدتي ونظمت فيه شعراً، ودوماً قالت فيه خطباً وكانت تنفعل بحماسة عند إلقائها. عندما حملت أُمي بأخي الصغير وعرفت أنه ذكر، فرحت كثيراً ليس لأنه صبي، فأمي كأبي أحبتنا نحن البنات أكثر دائماً. فرحت لأنها ستسمي أخي المولود من صلبها على اسم قدوتها: أحمد ياسين.كانت دائماً تقول: جاء أحمد ياسين وذهب أحمد ياسين. وفي كل مرة كان يسألها أحدهم: لماذا هذا الاسم مركب؟ كانت تجيب بفرح وحب، لأنه على اسم ذلك الرجل العظيم، تيمناً به، وعندما يكبر سيكون فأل خير عليه، وقد يصير رجلاً عظيماً تحلف بحياته الرجال!
لكن، للأسف، لم تتم مخططات أمي كما أرادت. شنّ العدو الإسرائيلي حرباً على غزة وخاف أبي أن يكون الاسم سبباً لقصف بيتنا. كما أن أبي لم يكن منتمياً إلى أي فصيل، ولا يزال حتى الآن لا يحب فصيلاً معيناً ويلعنهم جميعاً. سمّوه أحمد علناً، وبقي الاسم الثاني «ياسين» تردده أمي سراً في كل مرة تناديه فيها!
اسم الأب والجد مقدّس، ويجب إحياؤه كما هو شائع تقريباً في مجتمعنا. ذلك من العادات والتقاليد المتوارثة في غالبية البلاد العربية، لكن أن تُحيي أسماء القادة والأمراء، فهذا الأمر لن تجده إلا في فلسطين، وعلى وجه الخصوص في غزة.
تنتشر هذه الظاهرة في القطاع بصورة مبالغة فيه، وترجع إلى الانتماء إلى الفصائل، أو حتى ليكون الاسم أشبه بتصريح مرور للحصول على مساعدات اقتصادية من الجهة التي ينتمي إليها صاحب الاسم الأصلي.
على سبيل المثال، سمى أحد المواطنين ابنه الأول حمد بن خليفة. اختياه هذا الاسم المركب ليس حباً في الأمير القطري الذي لم يره في حياته إلا على شاشات التلفزة، وإنما لغرض نيل وظيفة ككهربائي في إحدى الجمعيات القطرية العاملة في غزة. ظل الرجل يتصل لمدة طويلة على أرقام عشوائية في قطر، في محاولة منه للوصول بطريقة أو بأخرى إلى الأمير لإخباره بالأمر.
في النهاية، «نقشت» مع «أبو حمد بن خليفة»، ونال الوظيفة في «جمعية قطر الخيرية» كحارس لأحد مشاريعها، لذلك، لم يكتف بـ»حمد»، لينال وظيفته، بل لدى إنجاب طفله الثاني سماه «تميم بن حمد»، الأمير القطري الحالي. هذه المرة استطاع الوصول إلى الأمير ليطلب منه شقة في المدينة التي تحمل اسمه واسم ابنه، وقد انتهى بناؤها في القطاع أخيراً.
هذا الرجل حالة من حالات كثيرة تتكرر في غزة. مواطنون سمّوا أبناءهم بأسماء قادة عالميين وعرب كبار ليصلوا إلى أهداف لا يستطيعون نيلها لولا الاسم. صحيح أنه كان محظوظاً في نيل شيء من «قطر الخيرية»، لكنّ آخرين خيّب الاسم ظنهم!
رجل آخر من غزة غيّر اسم ابنه من ريان إلى أردوغان، بعدما أخفق الانقلاب في تركيا، دعماً وتأييداً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. نشر الرجل مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، بارك فيه لأردوغان، معلناً تغيير اسم ابنه انتصاراً له وللشعب التركي على الانقلاب.
في الآونة الأخيرة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي شهادة ولادة طفل من غزة سمّاه والده بشار الأسد تيمناً باسم الرئيس السوري. مواطن آخر من عائلة عباس، من جنين نشر صوراً لابنه وهو ملفوف بالكوفية الفلسطينية معلناً تسميته محمود عباس عباس، معبراً بذلك عن دعمه للرئيس الفلسطيني.
هكذا، أغرت أسماء القادة العرب والإسلاميين المواطنين المُحاصرين، فلجأوا إليها وألبسوا صغارهم أسماء أكبر منهم، لعلَّهم يكبرون ويكونون قادة في هذا الوطن التعيس، أو ربما تكون هذه الأسماء مفتاح فرج للعائلة، مع خوف آخرين عليهم من تبعات أسمائهم لو تغيرت أحوال البلاد.