موجة "الريادة" لا تقتصر على "الأعمال" بشكلها الربحي العام والواسع، بل إن المفهوم ذهب في العقدين الماضيين نحو الاعمال الاجتماعية. أمس، أعلنت جمعية "دوت" وعدد من شركائها عن إطلاق "خارطة ريادة الأعمال الاجتماعية في لبنان". تقدم هذه الخارطة التفاعلية معلومات عن المنظومة البيئية لهذا المجال من ناحية الشركات العاملة فيه وتوزعها مناطقياً والعمل الذي تقوم به، إضافة إلى المؤسسات التي تقدم مختلف أنواع الدعم التقني والنظري، وصولاً إلى التمويل. لكن ما هي ريادة الأعمال الاجتماعية؟تقول المسؤولة الإعلامية لشركة Shyft الفرنسية، ألين مايارد، في مقال لها نُشر على موقع "ومضة"، إن "المبادرات الخاصة ذات الهدف الاجتماعي موجودة منذ سنوات طويلة، لكن في العقدين الماضيين حاول الناس قوننة هذا الفرع من الاقتصاد". وعليه، تعرّف مايارد ريادة الأعمال الاجتماعية بأنها عبارة عن وضع أدوات ريادة الأعمال في خدمة الهدف الاجتماعي، من خلال ضمان استدامة العمل وتأثيره، بحيث يكون هناك شرطان واضحان: الأول هو أن الهدف الاجتماعي أساس مهمة الشركة، والثاني هو أن الشركة لديها نموذج أعمال يسمح لها بتحقيق الاستقلال المالي.
الشركات الاجتماعية تنتج إيرادات لكن في المقابل عمل الشركة الأساسي هو تقديم خدمة اجتماعية

"شركة أم جمعية؟"، هي المعضلة الأساسية التي يسعى إلى حلها داعمو نموذج ريادة الأعمال الاجتماعية. لكن تماماً مثلما حوّلت الرأسمالية الحركات الاجتماعية والنضالية إلى مؤسسات لا تعمل سوى بتمويل يؤمن وظائف وأجوراً وأرباحاً، فهي قدّمت أيضاً نموذجاً جديداً للعمل الاجتماعي قائماً على تحقيق الربح من خلال الخدمة الاجتماعية المقدّمة، حتى ولو أعلنت أن "الفرق بينها وبين الشركات هو أن الشركات تسعى إلى تعظيم أرباحها، لكن نموذج ريادة الأعمال يستخدم الأرباح المحققة لتوسيع قدرة الشركة على التأثير الاجتماعي"، كما يرد في كتاب "Building Social Business: The New Kind of Capitalism that Serves Humanity's Most Pressing Needs"، للبروفيسور محمد يونس، الحائز جائزة نوبل للسلام.
تقول ماريان بيطار كرم، المديرة الاقليمية لمنطقة الشرق الأوسط في جمعية "دوت"، إن الشركات الاجتماعية تنتج إيرادات يمكن توزيعها على المساهمين أو يتم استثمارها في الأبحاث والتطوير. لذلك، المشكلة هي أن الجمعيات لا يحق لها أن تنتج إيرادات، لكن في المقابل عمل الشركة الأساسي هو تقديم خدمة اجتماعية. وعليه، يطالب هؤلاء بحل هذه المعضلة القانونية عبر إيجاد صيغة قانونية للأعمال التجارية الاجتماعية لتحقيق هدف لا يتوانون عن الإعلان عنه: التمويل. الصيغة التي يسعى داعمو ريادة الاعمال الاجتماعية إلى إقرارها، تسمح للشركات التجارية الاجتماعية بالوصول إلى أبرز مصدرين للتمويل: القروض (الجمعيات لا يمكنها الاستحصال على قروض) والمساعدات التي تقدمها الجهات المانحة (الشركات لا يمكنها أن تحصل على مساعدات).
مؤخراً، برزت ريادة الأعمال الاجتماعية في لبنان بشكل كبير، بحيث بات يوجد، وفق العرض الذي قدّمته "دوت" أمس، 56 "شركة اجتماعية"، أبرزها وفق كرم "سوق الطيب" و"arc en ciel". الأخيرة مسجلة قانونياً كجمعية "لكن يجب أن تكون عملاً تجارياً اجتماعياً"، تقول كرم. تتركز هذه الشركات بنسبة 68% في بيروت، و26% في جبل لبنان و2% في كل من البقاع والجنوب والشمال. وعلى سبيل المثال، فإن 16 شركة من هذه الشركات مسجلة كجمعيات، و10 غير مسجلة، واثنتين مسجلتان كشركتين لبنانيتين مساهمتين، وشركة واحدة مسجلة كشركة لبنانية ذات مسؤولية محدودة. 29% من الشركات تستهدف بشكل خاص الشباب، و17% تستهدف النساء، و14% اللاجئين، و8% الكبار في السن، لتبقى 32% غير محددة. في المقابل، هناك 185 مؤسسة تدعم ريادة الاعمال الاجتماعية في لبنان، عبر تأمين التدريب على المهارات والمراقبة والدخول إلى الاسواق وصولاً إلى التمويل. تتوزع "الخدمات الاجتماعية" لهذه الشركات على عدة قطاعات، يتصدرها قطاع الطاقة والبيئة الذي تعمل فيه 15 شركة، كذلك يستحوذ التعليم والصحة على نسبة مهمة من الشركات، إذ يعمل في كل مجال منهما 14 شركة. أما الشركات الأخرى فتعمل في التنمية الريفية، وإدارة النفايات، والأمن الغذائي، والبطالة…