فجأة أخذت بعض وسائل الاعلام تتحدّث عن تحضيرات لـ«مؤتمر لمعارضة السوريّة في دمشق». شُكّلت وفود وطُرحت أسماء، وحُدّدت مواعيد، وكان لأعضاء في «منصّة القاهرة» حضور لافت في ما تمّ تسريبه. ليست هذه المرّة الأولى التي يطرح فيها اسم جهاد مقدسي من بين أسماء أخرى بوصفه مُشاركاً محتملاً في مسار تفاوضي. في حديث مع «الأخبار» يوضح مقدسي أنّ «هناك خلطاً لدى وسائل الإعلام بين فكرتين مختلفتين: الأولى ما يتحدث عنه (المنسق العام لهيئة التنسيق) المعارض حسن عبد العظيم وهي مؤتمر فقط لأطياف المعارضة في دمشق أو مكان آخر، ولا أعتقد أن مسعاه سينجح كما هو مُراد له». أما الفكرة الثانية فمختلفة «منبعها دولي ومفادُها عقد مؤتمر للمعارضة مع السلطة في دمشق بضمانات روسية، وهذه فكرة قديمة جديدة طُرحت مرات عدّة، وهي بتصوري فكرة روسيّة عريضة من دون تفاصيل واضحة وملموسة».

التوافق الروسي الأميركي ضرورة

لا يستبعد مقدسي احتمال وجود رغبة روسية في استغلال الظرف الحالي ميدانياً وإقليمياً ودوليّاً للبحث عن انفراج سياسي، يقول «هناك سعي روسي لكنه لا يرقى إلى حد اعتباره سعياً مشتركاً في الفترة الحالية وخاصة أن الولايات المتحدة في فترة انتقال من إدارة لإدارة، ما زال الحوار الأمني بين موسكو وواشنطن جارياً لكن فكرة المؤتمر تتعلق بالسياسة لا بالأمن والوضع الميداني، لذلك «ربما» سينتظر الروسي اكتمال تشكيل الإدارة الأميركية قبل اطلاق هكذا مبادرة». يُسلّم المعارض المستقل بحتمية حدوث تغير في التعاطي الأميركي مع الملف السوري مع تسلّم الإدارة الجديدة مهماتها لكنه لا يذهب بعيداً في التوقعات، يقول «أهم تغيير أن (الرئيس المنتخب دونالد) ترامب مرتاح على الأقل نفسياً من إرث أوباما، لكن أميركا تبقى دولة مؤسسات». ويضيف «نعم البيت الأبيض هو أهم مؤسسة لأنه مؤسسة توجيهية وصانعة للقرار، لكنها ليست المؤسسة الوحيدة التي تحكم البلاد. من الحكمة انتظار اكتمال تشكيل الفريق الوزاري والسياسي لترامب، والتريث قليلاً قبل إطلاق الأحكام والتوقعات، وخاصة أنّ ما يطلع عليه الرئيس الأميركي بعد الانتخابات يخالف كثيراً ما يطلع عليه أيام الحملة الانتخابية». يرى مقدسي أنّ «التوافق الروسي الأميركي كفيل بعقلنة الإقليم ودفعه للمضي في هذه التفاهمات المأمولة بين روسيا وأميركا، والبدء في بحث جدي عن المشتركات»، يستدرك «طبعاً الطريق غير سهل والمتضررون والمُفسدون كثر، لكن التفاهم بين الدولتين العُظميين أساسي، ويمكن القول إنه شرط لازم غير كاف». يشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية السوريين المنخرطين في العمل السياسي، فالتوافقات مهما كانت كبيرة لكن اذا كانت غير وطنية يجب ألا نكون جزءاً منها بأقل تقدير».

النظام لا يهتم بالحياة السياسية

كثيراً ما يسري كلام عن وجود «فيتو» من دمشق على مشاركة مقدسي في أي وفد يمثل المعارضة، يُعلّق المتحدّث السابق باسم الخارجية السورية بالقول «أتوقع وجود حساسية وهذا أمر طبيعي لأنني كنت جزءاً من المنظومة، لكن رغم ذلك يجب على السلطة أن تنضج فمن غير الطبيعي لسلطة أن تختار معارضيها». ويضيف «بأي حال أنا وسطي بتموضعي السياسي، ومن الطبيعي أن يتحسس مني كل من لا يحب الوسط من الطرفين».
مستنداً إلى «معرفة متواضعة» حصلها عبر اشتغاله خمسة عشر عاماً في الدولة السوريّة. يرى مقدسي أن تركيز السلطة الأول منصبّ على كسر الإرادة الإقليمية في ما يتعلق بـ«التغيير الجذري للنظام». يؤكّد أنّ «النظام يتصرف بطريقة لا تهتم بالمعارضة، يعتبرها وكل ما يخص الحياة السياسية في سوريا مجرّد شؤون ثانوية، ويركز في الوقت نفسه على الحرب ببعدها الإقليمي وإثبات أنه باق ولن يتم التخلص منه». ويضيف «هذا معنى قولنا: إنه يتبنى الحل العسكري، أي إنه لا يؤمن بأن الحياة السياسية في البلاد ستؤدي إلى درء ما يسميها المؤامرة».


لم أكن ابن «الثورة السوريّة»

يرى المعارض المستقل أنّ استبعاد الحياة السياسيّة من أولويات السلطة يفسّره قولها الدائم «فلان غير مهم، وفلان لا يمتلك تأثيراً على الأرض ولا يمون على أحد». يضيف «بالمطلق كلامهم صحيح، أنا لا أمون على المحيسني مثلا لأنني في الأصل لا أدعم المحيسني ومشروعه، أنا مستقل ولم أنخرط في مشاريع أمنية عسكرية»، ويوضح «أما في المنطق السياسي للسلطة فهذا الكلام غير صحيح، من قال إن المحيسني معارض سياسي أصلاً؟ هناك سياسيون سوريون - وهم كثر - لم ينخرطوا أصلا في معارك قلب الأنظمة عسكريا لكنهم مع التغيير والانتقال الديمقراطي الحقيقي». يتحدّث مقدسي عن نفسه «أنا مثلا لم أكن ابن الثورة السورية، لكنني أؤمن بمبادئها التي ترتبط بحرية وكرامة الناس، وطبعاً أقصد حرية وكرامة الموالي والمعارض لا حرية وكرامة المعارض وحده أو الموالي وحده. عموماً أنا كشخص لا أبحث عن اعتراف أحد، وأنا متصالح مع ذاتي فقد تجاوزت -بعد ٤ سنوات- مرحلة الانتماء لطرف واحد دون الآخر٬ إلى مرحلة تشجيع الأفكار البناءة و الوطنية، ولو كان الأمر ذا طابع حزبي لبقيت حيث كنت».

لا نصر يدوم من دون عملية سياسيّة

يُشدّد مقدسي على أنّ «الأشخاص في المعادلة السورية ليسوا مربط الفرس، مربط الفرس هو: هناك أزمة حكم في سوريا، ويجب إعادة صياغة العقد الاجتماعي في البلد كي نواجه معاً تلك المؤامرة إن كانت موجودة، لا يمكنك أن تواجه مؤامرة بدعم 35 – 40 % من السوريين فقط». يستغرب أستاذ العلاقات الدوليّة في جامعة أبو ظبي أن يعمد البعض إلى «الحكم على أحزاب أو معارضين بأنهم بلا قاعدة شعبية فيما هم ممنوعون من ممارسة العمل السياسي الحر داخل البلد»، يقول «نحن في الوضع الراهن لا نمارس العمل السياسي بشكله التام، بل نتعاطى مع الرأي العام ونؤثر دون أن نمثل، يجب أن نعمل على الأرض كي يتم الحكم بعدها على قاعدتنا الشعبية. من حيث المبدأ أي تجمع سياسي خارج البلد سيفقد نصف وزنه من الجاذبية السياسية». يؤكد الرجل أنّ «وجود المعارضة في البلد أمر أساسي لطمأنة الناس». يشدّد على ضرورة «خلق حياة سياسية في البلاد تكون مناسبة لكل الأطياف طالما أنّ هذه الأطياف مؤمنة بفكرة الدولة السورية لا بدولة الخلافة ولا بالاستبداد»، ويضيف «لا يمكن للمنظومة الحالية إعادة حكم البلد بالطريقة نفسها، ولن يدوم نصر عسكري من دون عملية سياسية جامعة تحصنه».
بعد مرور ست سنوات لا أحد على منصة أخلاقية أعلى من الآخر

الحل شراكة سياسية بين العقلاء

يوصّف مقدسي الوضع السوري «بدأ الأمر بحراك سلمي طفيف ثمّ تعسكر ثم تأسلم ثم تحول إلى حالة جهادية. هناك أشخاص كثر أخطأوا والسلطة بدورها أفرطت بالرد وأدخلت في المقابل تنظيمات عسكرية تحت اسم قوّات رديفة وغيرها، وبالتالي وصل الطرفان إلى نقطة اللاعودة». يؤكد أن «الموضوع اليوم ليس لعبة ملامة، فبعد مرور ست سنوات لا أحد في سوريا على منصة أخلاقية أعلى من الآخر. الكل أخطأ، لكنّ خطاب الحل المنشود يختلف عن خطاب المواجهة، ومثل أي حرب أخرى عندما تبرز رغبة حقيقية في الحل تضع إطاراً وتقول هذا هو إطار الحل». يقول «الفرصة ما زالت متاحة أمام حلول على أساس القرار 2254 وبيان جنيف، ثم الدخول في مرحلة العدالة الانتقالية لا الانتقامية»، ويضيف «الحل هو شراكة سياسية بين العقلاء، ومن يود البقاء مجنونا حينها فسيجد نفسه عدواً للدولة الجديدة». يرى مقدسي أن «السلطة القوية ذات الأجندة الوطنية هي التي ترى أن التنازلات لشعبها ليست تنازلات بل هي ضرورات، فمصطلح التنازل يُستخدم ضد العدو لا مع الشعب». يؤكّد في الوقت نفسه أن «لا أحد يستطيع القول لأحد ليس لك مكان في سوريا فقط لأنه معارض، ولا مصلحة لسلطة بالوقوف عكس حركة التاريخ»، ويضيف «إذا عدنا لبلدنا فلن يكون ذلك رضوخاً أو إرضاءً لأحد، بل فقط لخدمة بلدنا ومجتمعنا ضمن قناعاتنا ومبادئنا السياسية، وإذا لم نوفق في ذلك نستقيل من السياسة باحترام».




الدور المصري و«منصّة القاهرة»

يوافق مقدسي على أهميّة الدور المصري في الوصول إلى حل سياسي «نتمنى ذلك، مصر تتمتع بميزة كبيرة لديها علاقات مع كل الأطراف، كما أنّها لم تنخرط إلا في الملف السياسي، لم تمول فصيلاً عسكريّاً مثلاً، وهناك علاقات تاريخية تجمعها بسوريا». ويضيف «إذا حصلت مصر على تمكين دولي وإقليمي فهي قادرة على التأثير الفعّال، وهي أبرز المرشحين لأداء دور يتسم بالمسافة الواحدة من جميع الأطراف بدون مجاملة أحد». على نحو مماثل يعتقد مقدسي أنّ «منصّة القاهرة» للمعارضة السورية مؤهّلة لأداء دور في الحل السياسي المنشود، يقول «المنصّة مذكورة في القرار 2254 أي لدينا اعتراف أممي بقرار صادر عن مجلس الأمن. قد لا نكون الطرف الأقوى لكننا الأكثر منطقية في التعاطي، ونحن واقعيون ونعلم أن رؤيتنا السياسية نقطة بداية، نأمل أن توصلنا لسوريا الجديدة عبر التفاوض». يشير إلى حصول التباس في أذهان بعض من يعتقدون أن «منصّة القاهرة حزب سياسي»، ويوضح «نحن 180 معارضاً، اجتمعوا في القاهرة مرتين وانتخبوا لجنة تعبر عنهم لمتابعة شؤون المؤتمر الذي صدّرَ ورقتين مهمتين: ورقة خارطة طريق سياسية لكيفية تنفيذ بيان جنيف، وورقة الميثاق الوطني المتعلق بهوية الدولة وعلمانيتها ومدنيتها. ما يجمعنا هو هذه الأوراق وفحواها لكننا من مشارب سياسية متنوعة، ولدينا حرية الحركة بما لا يتناقض مع وثائقنا».

انسرت