مجدداً يحضر السؤال عن الجدوى من «اسكتش» يُقدّمه أحد هواة التمثيل منفرداً من دون عناصر فنية مكمّلة تعتبر جزءاً أساسياً من الحالة الدرامية، بعيداً عن الرؤية الإخراجية، وغياب الإدارة اللازمة للممثل، وقدرته على جذب المشاهد وإمتاعه، مع ضرورة أن تكون النصوص مكتوبة بعناية قريبة من الاحترافية. الفكرة تطرح بالتزامن مع إنطلاق برنامج «أراب كاستينغ» في موسمه الثاني الذي تنتجه وتعرضه قناة «أبو ظبي» بالشراكة مع شركة الإنتاج السورية «كلاكيت ميديا» (إياد نجّار»).
لكن الحلقة الأولى من البرنامج أتت متجاوزة التوقعات، مستفيدة من هفوات الموسم الأوّل، بعد حالة تمهيد واضحة لتجميع المواهب وعرضها على شكل «فوتومونتاج» ومن ثم التركيز على المواهب الهامة، أو تجميع مشاهد المشتركين الساذجة من دون منحها وقت البرنامج، علماً بأن الحلقة استقطبت كماً كبيراً من المواهب الشبابية المميزة. من جهته، فإنّ الممثل الكويتي طارق العلي الجديد على لجنة التحكيم، بعدما حلّ مكان النجمة اللبنانية كارمن لبّس، حاول أن يسرق الأجواء بخفة ظلّه وصناعته الكوميديا، فوفّق حيناً، وزاد عن الحدّ في أماكن أخرى وبدا مصطنعاً، مبالغاً به، كأنه يرد القول دائماً «شوفوني ما أهضمني»، فيما انحدر المستوى مرّات عدة نحو السخرية من المشتركين بالنسبة إلى العلي ومعه النجمة غادة عبد الرازق التي صارت بحاجة لجهد حقيقي لإيضاح ردّة الفعل على وجهها بعد عمليات التجميل الأخيرة.
على أيّ حال، كان حضور المواهب الشبابية كافياً لتعديل المزاج، تمتّع بعضها بالثبات، ونظرة عين حادة، وإحساس عميق، ومرونة في حركات الجسد، إضافة إلى السلامة اللغوية ومخارج الحروف الصائبة لدى تقديم مشاهد باللغة الفصحى. وكان الختام مع مشتركة سورية اسمها ليندا جاموس. وإذا كانت الحلقة حظيت بمواهب أكثر أهمية منها، إلا أن المشتركة السورية عرفت كيف تستقطب تعاطف كلّ من شاهدها، بعدما روت على شكل مشهد قصير فصلاً من رواية الجحيم السوري المتمثلّ في حكايتها الشخصية، وحلمها دخول أسوار «المعهد العالي للفنون المسرحية- قسم التمثيل» وكيف واجهتها رصاصة قنّاص أثناء توجهّها للفحص في المرة الأولى، وكيف تعافت بعدما أخطأت الرصاصة طريقها إلى القلب. ثم أعادت التمرين حتى صار الموعد في السنة التالية، فعادت متمكنة أكثر بمونولوج يستوحي مفرداته من حالة الحرب، وقبل أن يصل دورها ببضع دقائق، نزلت قذيفة هاون فاخترقت الشظايا جسدها، من دون أن يتمكّن الموت أو اليأس منها! لذا عادت في العام الثالث يحدوها الأمل، ويرافقها تصميم كبير، لكن اللجنة رفضتها، فما كان منها إلا أن توجّهت نحو البرنامج المعروف. لم يتمكّن خرّيجا المعهد نفسه أي باسل خيّاط وقصي خولي كونهما في لجنة التحكيم من تمالك نفسيهما أمام حالة تعنيهما بشكل مباشر. كذلك، فإنها أيقظت الحنين لبلدهما المنكوب، وشعبهما المبعثر دفعة واحدة. هكذا، وقف نجم «غزلان في غابة الذئاب» مصفقاً لمواطنته قبل أن يجلس متعثّراً بدموعه. الحالة نفسها سادت عند زملائه والجمهور الذي تلقّف الفيديو ليتداوله بسوية عالية على السوشال ميديا.
الخلاصة: يعود «أراب كاستينغ» بموسم جديدة وحلقة موفقة ومشدودة للحد الأقصى، كان ختامها كفيلاً بأسر قلوب المشاهدين والإمساك بهم على الأقل لمتابعة الحلقة المقبلة.