ذات يوم هزّ الزميل علاء رستم عرش الحكومة السورية بقلمه الرصاص، يوم نشر كاريكاتوراً عن الانتخابات السورية في جريدة «بلدنا» المحليّة فقامت الدنيا ولم تقعد! إلى درجة صدور تعليمات بإغلاق الجريدة، قبل أن يعيد صاحبها مجد سليمان المقّرب من النظام إعادة فتحها بعد تغير الفريق التحريري المشرف على الجريدة، وطرد رستم نهائياً.
بعدها، جلس الشاب السوري الموهوب في البيت بدون عمل. وكان كلّما جرّب التواصل مع أحد المواقع، تباغته إجراءات قمعية توقفه عن الشغل! اليوم، صار خريج كلية الإعلام مثل غالبية شباب وطنه، لاجئاً في السويد. سبق أن حصلت إحدى لوحاته على جائزة من «صندوق الأمم المتحدة للتنمية البشرية undp» بعدما رسم بنايات عشوائية تتراكم طوابقها حتى تصل إلى كوكب المريخ. لحظة مضيئة في حياته. أما اليوم، فيعلق ساخراً «الآن بلغت المجد ووصلت إلى شمال الكرة الأرضية، وبدأت أغزو السويد بمفردي». يوم ركب غمار البحر وقصد بلاد الله الواسعة، قرر أن يبدأ بالتواصل مع من حوله بلغته الخاصة، فراح يرسم بورتريهات لمن يتعرّف عليهم، ومن ضمنهم مسؤولة الصليب الأحمر، التي أعجبت به وعرضت عليه أن تعرّفه إلى أحد أفراد عائلتها، وتمنحه «شرف» رسمه إن أحبه. وعندما رافقها رستم إلى منزل عائلتها، فوجئ بأنه تريد أن تعرّفه إلى كلبها، وبالفعل اضطرّ لرسمه رغم أنه ليس من هواة تربية الكلاب!
«آلسن» هي اسم القرية التي يعيش فيها رستم، وقد قطع شوطاً في تعلّم اللغة السويدية من خلال التحدث مع أصدقاء من أهل البلد، مما ساعده على التواصل سريعاً مع صحف ومجلات سويدية بدأت تنشر له لوحاته. ومن تلك الصحف «أوسترسوند بوست» وصحيفة «يميتلاند تيدنينغ» و مجلة «tecknaren» إلى جانب مشاركاته العربية في «الأخبار» وموقع «الرادار» الذي أسسه مع عائلته، على اعتبار أن والده خالد رستم من الصحافيين السوريين المخضرمين، ولديه أخ صحافي وآخر مصّور، وثالث خبير إلكتروني، ومختّص في السوشال ميديا. المنبر تحوّل إلى فسحة لمواكبة الحدث اليومي، في حال غاب المنبر اللازم للغته الموغلة في السخرية، التي تفصح عن هواجس الإنسان المقهور في عالم يتسّيده الطغاة. أخيراً نشرت له bbc لوحة تتهكم من فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية. كل ذلك المخزون سيتجلى في معرض يقيمه رستم غداً برعاية بلدية «مدينة كروكوم» ومنظمة JämtlandHärjedalen.
يقام المعرض في مكتبة كبيرة، ويضم 12 رسماً تولّف من المفارقات الحياتية حالة كاريكاتورية هي خلاصة التشابه بين المجتمعات، كالصراع الطبقي، والاستئثار بالسلطة وأهمية الإعلام، وهيمنة مواقع التواصل الإجتماعي وإدمانها. وعلى اعتبار بأن المقولات الخالدة يمكن أن تكون ذريعة للسخرية، فالإنسان ابن مجتمعه ولا بد أن يرسم السوري وجعه، ويصرخ أينما أقام، علّه يوصل صوته المناصر للسلام إلى شعوب الأرض قاطبة. وفق هذا المنطق، تحكي إحدى لوحات المعرض عن تواصل العائلة السورية اليوم بعد الشتات، من خلال السوشال ميديا. يقول رستم في حديثه معنا «رسمت كراسي العائلة في سوريا، لكنها فارغة غطتها شباك العنكبوت بحيث تتواصل العائلة، لكن كل فرد منها في بلد». ويضيف «أيضاً سيكون رهاب جواز السفر السوري حاضراً» إلى جانب بعض اللوحات التي نشرتها وسائل عربية وعالمية!