لا تزال أغنية فيروز وحكاية تصدي طلاب تعبئة «حزب الله» التربوية لأغانيها ولموسيقى الرحابنة في الجامعة اللبنانية تشغل مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من أنّ طلاب التعبئة التربوية في «حزب الله» تراجعوا إلى خطوط دفاعية خلفية وتمترسوا خلف مقولة أنّ ليس لديهم مشكلة مع الموسيقى بل مع الإزعاج الذي يسببه الصوت المرتفع طالما أنّ ذلك يحصل خارج القاعة المخصصة لذلك، محاولين الإيحاء أنّ مشكلتهم ليست مع فيروز أو أي نوع من أنواع الموسيقى بل مع التلوّث السمعي الذي يترتب على ذلك في مكان هو للدراسة.
لكنّ رواية كهذه تحمل في طياتها دبلوماسية لطيفة لا تتماشى مع حقيقة أن طلاب الحزب هم جزء من الحالة من الإسلامية لا بل هم من أركان هذه الحالة ولن يستطيعوا مهما حاولوا الانسجام والاندماج في مجتمع متعدد المشارب أن يتنازلوا عن ثوابتهم العقائدية في ما يتعلق بالموسيقى والخمر واللهو والسفور وصولاً إلى نجاسة الكلب. بطبيعة الحال، لا يناسب «حزب الله» في طريقة تعاطيه مع مجتمعه الحاضن بالذات ولا مع محيطه الوطني بشكل عام أي تلويح بقمع الآخر المختلف، فهذا لم يحصل ولا يمكن أن يحصل لأنّ ذلك وبكل بساطة فيه خسارة اجتماعية كبيرة للحزب ذاته.

أن يكون «حزب الله»
يمارس «الدعشنة» الاجتماعية فهذه مقولة في منتهى السخف
فهو في وعي الجمهور حزب مقاوم ارتبطت صورته بالتحرير وبشهداء التحرير وبالتضحيات التي قدمها في هذا المضمار، أمّا حين يتعلق الأمر بالعقيدة الدينية والمنهاج التشريعي والسلوك الشخصي فالأمر يختلف تماماً وبخاصة حين يتعلق الأمر بأسلمة المجتمعات، بمعنى إرساء نوع من الضوابط التشريعية، فإن شرائح واسعة في بنية حزب الله الاجتماعية سوف تصاب بالرهاب والفزع، وهو تماماً ما حصل حين اتهم السيد سامي خضرا ومن على صفحته النساء السافرات أي غير المحجبات حتى لو كنّ من المصليات بضعف الشخصية، وما تلاها من هجمات فايسبوكية من بعض طلاب الحزب على زميلاتهم الغير محجبات في الجامعة اللبنانية بالذات. ففي الوسط الجامعي حيث تسود تيارات فكرية مختلفة وطرق من العيش والسلوك الشخصي المتباين يصبح من السهولة بمكان لأي تصرف متهور أن يفتح الأبواب على مصراعيها للطعن في الآخر وهذا تماماً ما حصل. فلقد خرجت أصوات مدونين تتهم طلاب الحزب بممارسة «الدعشنة» بشكل فاضح بينما وصل الأمر ببعض طلاب التعبئة إلى القول إن الموسيقى ستزيد من احتراق المرحوم المحتفى به في نار جهنم.
أن يكون «حزب الله» يمارس «الدعشنة» الاجتماعية فهذه مقولة في منتهى السخف، فالبيئة الحاضنة للحزب هي الشاهد اليومي على كذب هذا الطرح حرفياً بل إنّ المجتمعات الشيعية ربّما كانت هي الصورة الأكثر تحرراً فكراً وتنوعاً وسلوكاً على صعيد الوطن ككل. لكن يبقى أن يعي بعض الشباب المتهوّر والشديد الحماسة أنّ انتماء الناس للمقاومة ونهجها لا يعني بالمطلق التزامها العقائدي، بل من الممكن أن تكون في تناقض حاد مع أي طرح إسلامي وبخاصة أن التجارب الإسلامية في وعي شريحة كبيرة من الطبقات المثقفة، فضلاً عن كونها تجارب قمعية غير مشجعة في الدول الإسلامية، وخصوصاً التجربة العراقية الحزينة والبائسة قد أرخت ظلالاً كبيرة من الشكوك حول صلاحية تسلّط المؤسسة الدينية على المجتمعات وتصديها لأمور الناس. لذا ينبغي الفصل تماماً. وهذا الفصل يجب أن يكون معلوماً لدى الملتزمين العقائديين والمؤيدين لنهج المقاومة الذين لا تعنيهم هوية المقاومة بقدر ما يعنيهم نهجها. فلسنا في هذا المكان بالذات، وهو يضجّ بكل أنواع الأديان وحتى بإثنيات مختلفة وتعدديات ثقافية شديدة التباين أن يقوم أي أحد بعمل استعراضي أو استعلائي حتى لو لم يكن المقصود منه استفزاز الآخر.
أن نقع في شرك الطروحات الإسلامية التي تقدّم ذاتها على أنّها تشريعات مقدّسة وتمتلك الحقيقة كلّها فهذا مدّمر وفي منتهى الخطورة، ولا أحد بالمطلق لا يعي مخاطر طروحات كهذه، فهي ستكون عامل تفتيت وتصادم اجتماعي كبير وسيصب في خدمة مشاريع من يستثمرون هذه الحالة بالذات وعلى رأسهم إسرائيل. أن تستمع إلى فيروز أو فرانك سيناترا أو إلى لطميات باسم الكربلائي فهذا يعنيك شخصياً. ما يعنيني هو أن تحترمني وتحترم المكان وتحترم البيئة وتخدم الوطن الذي هو وطننا جميعاً. نتلهى بالسخافات بينما تأكلنا النفايات.
* كاتب لبناني