خلال أسبوع واحد تقريباً، استطاع الجيش السوري وحلفاؤه السيطرة على مساحات شاسعة من البادية في أرياف حمص ودمشق، بالإضافة إلى التمدّد في ريف السويداء الشمالي الشرقي. وبذلك حدّد الجيش هدف عمليات البادية: منع الأميركي من التمدّد داخل البادية، ثم إمساك الحدود وتحقيق التواصل البري مع «الحشد الشعبي»، لتنتهي العملية بحملة كبيرة للإطباق على مدينة دير الزور وتحريرها، وبالتالي فكّ الحصار عن قوات الجيش داخلها بعد مرور أعوام ثلاثة على عزلهم وحصارهم من قِبل تنظيم «داعش».
ولتحسين ظروف القتال، وكشف نوايا الأميركيين وخياراتهم، اختار الجيش السوري جسّ نبضهم في القسم الجنوبي من البادية، وتحديداً في منطقة التنف. وهناك كانت بداية «الفجر الكبرى».

محاور الهجوم: عزل ووَصْل

بدأت العمليات من محور الضمير، وتحديداً من مطار السين حيث تقدمت قوات الجيش والحلفاء نحو منطقة السبع بيار ثم أحكمت السيطرة على مثلث الظاظا. بعدها، اندفعت نحو الجنوب الشرقي لمسافة قاربت الـ25 كم، حيث تعرضت لغارة أميركية تحذيرية على جرافة كانت تعمل على فتح الطريق أمام القوات. توقف العمل في ذلك الاتجاه، وأُعطيت الأوامر للمحاور الأخرى بالبدء بتنفيذ خطة الهجوم الكبير. قُسّمت القوات المهاجمة على أربعة محاور تقدّم. الأول، كان محور تدمر، إذ تمّت السيطرة على تلة الدابة (فراي) التي تقع شرق المدينة وتشرف على «المحطة الثالثة». ثم اندفعت القوات إلى الجنوب الغربي للمدينة نحو قصر الحلابات، وبالتزامن مع السيطرة على هذه المنطقة تمّت السيطرة أيضاً على سلسلة جبال الأبتر وواحتها لتأمين الطريق نحو منطقة العمليات الجنوبية باتجاه الصوانة. في موازاة ذلك، بدأ التقدم من المحور الثاني، وهو محور القريتين، إذ بعد تأمين سلسلة جبال الأبتر، أصبح بالإمكان التقدّم من هذا المحور نحو منطقة الباردة التي شهدت معارك عنيفة تلاها انسحاب مسلحي «داعش» مخلفين وراءهم عدداً من الآليات والمدرعات.
ثم توجه المهاجمون من المحورين ليطبقوا على خنيفيس بعد ساعات قليلة، وفي ظهر المهاجمين من القريتين، فُتح المحور الثالث، إذ كانت قوات الجيش تتقدم من أطراف جيرود وسلسلة القلمون الشرقي لتأمين مجنّبات القوات الأساسية خوفاً من احتمال تعرضهم لهجوم من مسلحي القلمون الشرقي الذين عُزلوا عن البادية فور وَصْل محور البصيرة ــ خنيفيس بمحور السبع بيار ــ الظاظا وبالتالي مطار السين. المحور الرابع، كان محور السويداء، حيث تقدمت القوات من منطقة السويداء باتجاه الشمال، لتصل إلى منطقة الزلف ثم منطقة رحبة ومنقار رحبة والهدف هو الوصول إلى مثلث الظاظا ووصل المحاور ببعضها.
«العملية كانت سريعة جداً وناجحة بتحقيق أهدافها. لم يؤخر تقدّم المقاتلين شيء، حتى محاولات مسلحي «داعش» لتأخير التقدم أو وقفه كانت غير مجدية، وسرعان ما انهارت دفاعاتهم الواحدة تلو الأخرى»، يقول ضابط عسكري رفيع لـ«الأخبار». ويضيف: «داعش لم يستطع المقاومة في منطقة خنيفيس ومحيطها لأن التكتيك العسكري الذي اعتُمد أثبت نجاعته وهو العزل والإطباق ثم وصل المحاور ببعضها». بالمبدأ، عمليات «الفجر الكبرى» حققت أهدافها الأولية باستعادة كامل ريف حمص الجنوبي، وفصل مناطق القلمون الشرقي عن البادية فضلاً عن استمرار التوسع أكثر في ريف حمص الشرقي.

لا بدّ من تحقيق النصر

إن الوقائع الميدانية، ومجريات المعركة تؤكد أنّ مشروع دمشق وحلفائها هو فتح معبر بري يصل سوريا بالعراق مبدئياً، و«بمجرد التقاء القوات من الجهة السورية مع قوات «الحشد» من العراق، ستبدأ مباشرة مرحلة تأمين الحدود بشكل كامل»، يؤكد المصدر لـ«الأخبار». وهنا تكمن خطورة الموقف وحساسيته، إذ أن الأميركيين جدّيون أيضاً بالإمساك بالحدود، وهم بدأوا فعلاً بتجهيز المجموعات السورية المقاتلة إلى جانبهم، بالإضافة إلى تمركزهم ثم انتشارهم في منطقة التنف ومحيطها. «الأميركي نجح في الشمال مع الكردي والتركي وفي الجنوب مع الإسرائيلي في بناء نفوذ له سواء بشكل مباشر عبر قواته أو عبر حلفاء له، ولكنه تعثّر في البادية»، يُعلل المصدر العسكري هذا التعثر بقوله «إنه نتيجة سرعة استدراك الموقف من قبل سوريا وحلفائها، إذ لم يُمنح الأميركي الوقت الكافي لإتمام تحضيراته وخططه وتطبيقها، وجاءت عمليات الفجر الكبرى لتحطم بسرعتها وإنجازاتها جزءاً كبيراً من المخططات المعادية للسيطرة على البادية والحدود».

عبر السيطرة على أراك ومحيطها، تُفتح طريق التقدّم نحو السخنة ودير الزور

واشنطن وجّهت تحذيراً جدياً عندما شنّت الغارة على محور الظاظا، ولكن الجيش السوري لم يتراجع، مما اضطر الأميركي لبعث رسائل يطلب فيها أن يُمنح شعاع 55 كيلومتراً حول التنف.
في المقابل، سوريا وحلفاؤها مصرون على الإمساك بالبادية والحدود، «ولن نسمح للأميركي أن يمسك بها، مهما كلّف الأمر. وعملية الظاظا والتقدّم نحو التنف، كانت رسالة للأميركي والأردني ومن معهم، أننا سنلعب معكم على حافة الهاوية وعلى خطوط التماس الأخير»، يعلق المصدر العسكري. في المرحلة المقبلة، سوريا وحلفاؤها ينوون فتح «كوريدور» يمتدّ لعشرات الكيلومترات ليصلوا إلى الحدود العراقية، وذلك بعيداً عن التنف بحوالى 55 كم لناحية الشمال الغربي. «بهذه العملية نقطع الطريق على الأميركي ومن معه للتمدد إلى عمق البادية. من سيقف بوجه الجيش؟ إذ لن تصمد التشكيلات المسلحة العاملة بإمرة واشنطن، لذا هنالك خياران، الأول أن يتدخل الأميركي بشكل مباشر لمنع تقدم القوات. والخيار الثاني هو إطلاق يد «داعش» في الرقة وريفها بالاتفاق مع الأكراد، ودفعهم بأعداد هائلة نحو مدينة تدمر»، يلفت القيادي. وبسقوط تدمر تسقط كل الجبهة، إذ للمدينة التاريخية أهمية كبرى في عمليات البادية، فهي مركز انطلاق وإدارة العمليات، وفيها الثقل العسكري الروسي في شرقي سوريا. حالياً «هنالك محور عمليات شمالي تدمر، ولكنه بطيء نوعاً ما، وهدفه السيطرة على أراك والمنطقة المحيطة، لما فيها من آبار نفطية بالإضافة إلى تأمين محيط مدينة تدمر بشكل كامل بعد تأمين حقل الشاعر ومنطقة جنوبي تدمر وشرقها». وبالسيطرة على أراك ومحيطها، تُفتح طريق التقدم نحو السخنة ودير الزور، وبالتالي تضيق بشكل كبير فرص نجاح مخطط الأميركيين الذي يقضي بدفع «داعش» نحو تدمر.
«لا مشكلة لدينا في مواجهة الأميركي إذا قرّر ذلك، نحن قاتلنا ممثليه على مدى أعوام الحرب، وفي هذه المرحلة المهمة والحاسمة، لن نألو جهداً في سبيل تحقيق النصر، نحن والجيش السوري والحلفاء متفقون تماماً على أولوية الإمساك بالحدود ومنع الأميركي من تحقيق أهدافه، ولا مجال للمراوغة هنا، لا بد من تحقيق النصر»، يؤكد مصدر رفيع في المقاومة.