تطورات اليومين الماضيين تشي بصدام مسارات على المستوى الإقليمي، آثاره تتجاوز المنطقة إلى الساحة الدولية، وتتهدد الأوضاع الداخلية في أكثر من دولة. حراك عراقي باتجاه الأزمة السورية، وآخر روسي في مجلس الأمن يسحب البساط من تحت الثنائي، ولي عهد السعودية الأمير نايف بن عبد العزيز، ورئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم ومعهما الجامعة العربية، وينقل الملف من الدوحة والقاهرة إلى بغداد ونيويورك. وإلى جانبهما طموح أميركي إسرائيلي بجر سوريا إلى محاكمة دولية، فيما سلطات دمشق تستعجل الخطى لإنهاء الاضطرابات في الداخل بأقل خسائر ممكنة.
إعلان نوري المالكي، في طريق عودته من واشنطن يوم الخميس الماضي، عن تلقيه ضوءاً أخضر من الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لجهوده من أجل حل الأزمة السورية، لم يلق استحسان قطر والسعودية، اللتين تفضلان تدويل أزمات المنطقة. وتوضح مصادر دبلوماسية عربية أن «الدوحة والرياض تخشيان انكفاء الولايات المتحدة وأوروبا، بعد الانسحاب الأميركي من العراق، مع ما لذلك من تأثيرات سلبية عليهما، في ظل اشتداد عود المحور المدعوم من إيران».

«الخربطة» الإقليميّة

وتؤكد مصادر عراقية مقربة من دمشق أن «السعوديين والقطريين سعوا جاهدين لانتزاع مكاسب قبل الانسحاب الأميركي من العراق، فأخفقوا. ثم حاولوا عرقلة هذا الانسحاب، فأخفقوا أيضاً. يبدو أنهم دخلوا خط الخربطة الإقليمية، وفي داخل العراق نفسه». وتضيف، في تفسيرها لاجتماع الدوحة السبت والقرار بنقل ملف سوريا إلى مجلس الأمن يوم الأربعاء المقبل، إن «هاتين العاصمتين لن تقبلا مطلقاً بعراق تحكمه شخصية شيعية لها وزن ودور إقليميان، وخصوصاً أن الشيخ حمد يدرك جيداً أن الدعم الأميركي لجهود المالكي يعني سحب الملف من بين يديه، من هنا قرر عقد اجتماع اللجنة العربية والخروج بقرار كهذا في اليوم نفسه الذي أرسل فيه المالكي موفده إلى دمشق لعرض مبادرته على السلطات السورية».
وتشدد المصادر نفسها على أن المالكي، في خلال زيارته لواشنطن، قد «كرس ثلاثة أمور: الأول، تأكيد استقلاليته عن أميركا، وهو ما ظهر في المؤتمر الصحافي مع أوباما عندما تحدثا عن الملف السوري. الثاني، انتزاع تفويض من الرئيس الأميركي على تطبيق المبادرة العربية حيال سوريا عبر مشروع حل ودي يديره العراق، وليس بالطريقة العدائية التي تعتمدها قطر. أما الثالث والأهم، فهو قبوله طلب الرئيس الأميركي أن يكون قناة الاتصال التي تربط واشنطن بطهران».
وتضيف المصادر «بل أكثر من ذلك، نجح الوفد العراقي في إيصال رسالة عملية للأميركيين تفيد بأن بغداد ما عادت بحاجة إليهم، عبر انسحاب هذا الوفد وعودته إلى بلاده قبل يومين من الموعد المقرر احتجاجاً على الهجمة التي شنتها وسائل الإعلام الأميركية على وزير النقل هادي العامري، الذي اتهمته بأنه من الحرس الثوري الإيراني، وخاصة رفض وزير النقل الأميركي استقباله وإيفاد أحد أفراد طاقمه للقاء به»، علماً بأن الوفد العراقي كان يعتزم وضع اللمسات الأخيرة على صفقة شراء 55 طائرة بوينغ من واشنطن.
وعليه، يكون المالكي قد غادر العراق زعيماً لدولة مضطربة وهشّة، وعاد إليه شخصية إقليمية يطلب زعيم أكبر إمبراطورية في العالم مساعدتها في أكثر ملفين حساسية وأهمية بالنسبة إليه في المنطقة، وهما الملف الإيراني والملف السوري، في مقابل وعد من المالكي بضمان الاستثمارات الأميركية في العراق. وقد تعمد المالكي، في طريق عودته إلى بغداد، الإعلان عن الضوء الأخضر الذي حصل عليه من أوباما لمبادرته العراقية، المنسّقة مع طهران وموسكو، على ما تفيد المعلومات الواردة من بغداد، بل إنه أعلن عن إيفاد وفد، زار دمشق السبت برئاسة مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض.

الكرة في الملعب العربي

المعلومات الواردة من بغداد تفيد بأن الفياض «سمع قراءة الرئيس الأسد لما يجري حول سوريا، وعرض الوفد معه نقاط المبادرة العربية، وأخذ منه موافقة على التوقيع على البروتوكول المتنازع عليه، ما إن يتم إدخال التعديلات التي طالبت بها دمشق». وأضافت إن «الكرة الآن في الملعب العربي»، مشيرة إلى أن «جوهر المبادرة العراقية هو تطبيق المبادرة العربية بطريقتنا، لا بالطريقة العنفية التي تعتمدها الجامعة العربية بتحريض قطري»، مستشهدة بجملة بهذا المعنى قالها المالكي للأمين العام للجامعة، نبيل العربي، قبل سفر رئيس الوزراء إلى الولايات المتحدة.
مصادر في الوفد العراقي، الذي زار دمشق والذي من المقرر أن يعود إليها برئاسة وزير الخارجية، هوشيار زيباري، كشفت عن أنه «نقل إلى الأسد ما جرى في لقاء أوباما والمالكي، حيث أكد رئيس الوزراء أن العراق لا يستطيع أن يكون ضد سوريا لا بعقوبات دولية ولا عربية، وأنه يفضل أن تعمد الولايات المتحدة إلى دعم الحوار بين الحكم والمعارضة في سوريا، فمصلحة العراق أن تكون سوريا آمنة ومستقرة، مع إبراز خطر الحرب الأهلية التي ستهدد استقرار العراق». وأضافت إن «الوفد بحث مع الرئيس الأسد إمكانية أن تقوم بغداد بدور للتوفيق بين دمشق والجامعة العربية. وقد أبدى الأسد ترحيبه، مشيراً إلى أنه لا يمانع بأي وساطة تأتي من أي دولة صديقة أو شقيقة، على قاعدة أن السوريين يريدون حلاً، لا تعقيد الأمور». وتابعت إن «الأسد طمأن الوفد إلى أن الوضع على الأرض تحت السيطرة، مؤكدة أنه لن تحصل هناك حرب أهلية في سوريا»، وأن «المشكلة تقوم على أمرين: الأول، هناك من يستغل التظاهرات السلمية ليتلطى خلفها ويعتدي على الأملاك العامة. وهناك تدخلات وضغوط خارجية، مع التأكيد أن الحكم في سوريا مع الحوار، لكن لا حل مع المسلحين». وختمت بالقول إن «الوفد حمل للأسد اقتراحات عديدة للتعاون الاقتصادي، وأبلغه بأن بغداد سيكون باستطاعتها، بعد اكتمال الانسحاب آخر هذه السنة، عقد اتفاقات استراتيجية اقتصادية وإنمائية وخدماتية، وهي تطمح لأن تعقد اتفاق شراكة اقتصادية مع سوريا لخدمة الشعبين».
وكانت مصادر صحافية في دمشق قد شددت على أنه «لا العراقيون ولا السوريون يعوّلون على دور وساطة، ولو كانت عراقية، بسبب ارتباطات المعارضين في الخارج بمصالح خارجية، وحتى بجهات دولية وإقليمية لا مصلحة لها بحل، بل تعمل جاهدة على التدويل». وأضافت إن «التعويل هو على موقف الشارع السوري الرافض للحرب الأهلية، وعلى قوات الجيش والأمن اللذين لا يزالان متماسكين». وتقول هذه المصادر «صحيح أن إيران وروسيا معنا، لكن ما يحمي سوريا هو تماسك الجيش والشعب والقيادة».

خلافات بغداد

وبينما كان الوفد العراقي ينتقل إلى القاهرة لإبلاغ العربي بنتائج اللقاء مع الأسد، كانت حال الاضطراب تتصاعد في بغداد، بعدما فتح المالكي النار على أخصامه السياسيين الذين يتعرضون له مذ قرر التوجه إلى واشنطن، تارة بوصفه «ديكتاتوراً» (صالح المطلك) وطوراً بمهاجمة دعمه لسوريا (أسامة النجيفي وطارق الهاشمي). وتقول مصادر قريبة من المالكي إن الأخير «يمتلك منذ أكثر من شهرين معلومات استخبارية عن مخططات سعودية وتوزيع أموال لزعزعة استقرار الساحة العراقية، لكنها معلومات لم تكن تشير إلى توقيت ولا إلى مكان محددين. الهدف كان عرقلة الانسحاب، وإن حصل، فتفجير الوضع العراقي من بعده»، مشيرة إلى «التفجيرات في الأماكن الحساسة ذات الحماية الأمنية المشددة خلال الأسابيع الماضية، مثل تفجيرات الكرادة والمنطقة الخضراء أتت ضمن هذا السياق».
وأضافت إن رئيس القائمة العراقية إياد «علاوي و(نائب الرئيس طارق) الهاشمي، المعروفين بعلاقاتهما التركية والسعودية، هما من قادا عملية التنفيذ. المشكلة بصالح المطلك الذي لم يحسن قراءة الرسائل الإقليمية، والذي سيكون على الأرجح كبش الفداء»، مشيرة إلى «وجود اعترفات لضباط بعثيين معتقلين أفادوا بأن المطلك كان في أجواء المحاولة الانقلابية التي كان يتم إعدادها على المالكي».
وتفيد المعلومات الواردة من بغداد بأن المطلك، الذي غادر مساءً إلى عمان، زار أمس السفير الأميركي جيفري فيلتمان وطلب وساطته مع المالكي الذي توعد ببث شرائط أعلنت السلطات العراقية أنها تتضمن أدلة على تورط الهاشمي بتفجير البرلمان ومحاولة اغتيال المالكي، مشيرة إلى وجود ثلاثة معتقلين اعترفوا بالتهمة الأخيرة، بينهم زوج ابنة الهاشمي. كذلك، تحرك الرئيس جلال الطالباني في وساطة لإصلاح ذات البين. وسعى ابراهيم الجعفري ومحمود المشهداني للحؤول دون صدور مذكرة توقيف بحق الهاشمي، الذي فرّ ليل أمس إلى أربيل براً بعدما مُنع من المغادرة عبر المطار.
لكن ما سرّب من كلام على لسان المالكي، خلال اجتماع التحالف الوطني يوم الجمعة الماضي، يظهر أنه ماض في الضربة التي يوجهها للثلاثي الرئاسي. وكان التكتل الكردستاني وقائمة الأحرار، بزعامة بهاء الأعرجي، قد أعلنا السبت وساطة لإقناع الكتلة «العراقية» بالعودة عن قرارها تعليق مشاركة نوابها في البرلمان. وتم التداول أمس بأن نواب الكتلة ووزراءها قد وقّعوا استقالاتهم ووضعوها بتصرف الكتلة لاتخاذ ما يلزم بشأنها، وبأن المالكي يسعى إلى دعم وطرح مبادرة لجميع الفرقاء السياسيين لحل الأزمات في البلاد.



طهران ــ الرياض: وقف نار لا صفقة


قالت مصادر إيرانية مطّلعة إن زيارة وزير الأمن والاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي للسعودية أخيراً «لم تحقق نتائج باهرة، ولم يحصل خلالها توافق أساسي». وأضافت إن «الاستقبال السعودي كان حافلاً، وقد حاول السعوديون أن ينتزعوا منه صفقة بلا جدوى»، مشيرة إلى أن «التفاهم تم على وقف إطلاق النار، بانتظار استبيان تداعيات الانسحاب من العراق والترتيبات الروسية ومآل الأمور في سوريا». وأوضحت «لن تحصل صفقة بوجود فلاديمير بوتين في الحكم في روسيا، وفي ظل الصراع في البحرين واليمن». وختمت بالقول إن «التهدئة مستمرة إلى نهاية العام على قاعدة منع التصعيد في سوريا وضد إيران، في مقابل عدم دعم أي تحرك في الخليج ضد السعودية مباشرة، مع ترك الباب مفتوحاً لتوسيع مدى هذا التفاهم في العام المقبل».