«إعفاء الطوائف المُعترف بها في لبنان والأشخاص المعنويين التابعين لها من بعض الضرائب والرسوم»، هو اقتراح قانون "معجّل مكرّر" تقدّم به النائبان إبراهيم كنعان وروبير غانم، وأُدرج على جدول أعمال الجلسة التشريعيّة لمجلس النواب، ويأتي في سياق سعي مؤسسات الطوائف المسيحيّة المتكرّر لإعفاء الأوقاف التابعة لها من الضرائب أسوة بمؤسسات الطوائف الإسلاميّة المُعفاة منها منذ عام 1955، تحقيقاً لما تعتبره «عدالة وتطبيقاً للمساواة التي ينصّ عليها الدستور».
إذاً، وفي تشويه فاضح لمفهوم المساواة، وبدلاً من إحقاقها في تحمّل الواجبات، أي دفع الضرائب، والتمتع بالحقوق بين كلّ اللبنانيين عبر المطالبة بإلغاء كلّ أشكال التمييز المتمثّلة في الإعفاءات الضريبيّة، يأتي هذا الاقتراح ليزيد الامتيازات الممنوحة للطوائف من دون أي سند دستوري، ويعمّق اللامساواة بين الطوائف ومؤسّساتها من جهة والمؤسّسات الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعية والثقافية في الدولة من جهة ثانية.

ماذا في القانون؟

عملياً، يقترح مشروع القانون تعديل المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 210 الصادر عام 2000، المتعلّق بإعفاء الطوائف المُعترف بها في لبنان من مجموعة من الرسوم والضرائب، وذلك بتوسيع نطاق الإعفاءات وشمول الضرائب والرسوم التي لم يأت القانون المذكور على ذكرها.
بموجب القانون 210/2000 وقرار وزير الماليّة 1719/1 المفصّل له، أعفيت الطوائف (وخصوصاً المسيحيّة، كون الإسلاميّة تستفيد من الإعفاء الكامل بصفتها من المؤسّسات العامّة للدولة منذ عام 1955) والأشخاص المعنويون المنتمون إليها قبل عام 2000 من الضرائب على أرباح المهن الصناعيّة والتجاريّة وغير التجاريّة، ومن رسم انتقال الأموال المنقولة وغير المنقولة عن طريق الوصية أو الهبة أو أي طريق، ومن رسم الطابع المالي عن العقود مع الغير، ومن الرسوم القضائيّة والجمركيّة والماليّة والبلديّة والمرفئيّة على المساعدات.
ينص اقتراح التعديل المطروح على إعفاء الطوائف وكلّ المؤسّسات التابعة للطوائف المنشأة والتي ستنشأ لاحقاً من المزيد من الضرائب، وهي رسوم الانتقال والهبات والوصايا المحرّرة لمصلحتها، وإعفاء نشاطاتها من الضريبة على القيمة المُضافة باعتبارها لا تنافس المؤسّسات المدنيّة التي تمارس نشاطات مماثلة، كما تعفى من كلّ غرامات عدم التسجيل في الضريبة على القيمة المضافة وعدم التصريح وعدم إصدار الفواتير وكل ما يماثلها والعائدة للفترة السابقة، إضافة إلى عدم إخضاعها لإجراءات التدقيق والمراقبة للتثبت من التزامها بموجبات أحكام القانون، باستثناء المعاملات المتعلّقة بنشاط تأجير العقارات لغايات غير سكنيّة. كذلك تعفى الأبنية المشغولة من الطوائف أو أحد أشخاصها المعنويين من الرسوم على القيمة التأجيريّة ومن رسمي إنشاء وصيانة المجارير والأرصفة.
بمعنى واضح، يقضي القانون 210/2000 واقتراح القانون لتعديله بتحرير مؤسسات الطوائف من كل عبء ضريبي، وتحويلها إلى ما يشبه منطقة حرّة لا تخضع في عملياتها وأنشطتها، بما في ذلك الربحية منها، للشروط نفسها التي تخضع لها المؤسسات الأخرى في القطاع الخاص أو المجتمع المدني أو الأهلي وكذلك مؤسسات تملكها الدولة.

الطائفيّة الضريبيّة

يترافق طرح إعفاء الطوائف من الضرائب بالتزامن مع زيادة الضرائب على بعض القطاعات والأنشطة الاقتصاديّة والمعاملات الإداريّة، وهذا في حدّ ذاته يجسد مفارقة من مفارقات النظام اللبناني. إلا أن هذه الامتيازات، التي تحظى بها الطوائف، لها جذور تعود في التاريخ إلى عهد السلطنة العثمانيّة عندما مُنحت للطوائف الإسلاميّة، بحسب دراسة نشرتها «المفكرة القانونيّة»، واستكملت مع الاستعمار الفرنسي الذي ربط الأوقاف الإسلاميّة بمفتي بيروت الذي تحوّل لاحقاً إلى مفتي الجمهوريّة (وهو أعلى موظّف مسلم في هرميّة الدولة)، وأكّدت صفة المؤسّسة العامّة للأوقاف الإسلاميّة في عام 1955 بقرارين صادرين عن مجلس شورى الدولة رقم 522 و399.

يقضي القانون 210/2000 واقتراح القانون لتعديله بتحرير مؤسسات الطوائف من كل عبء ضريبي

أمّا الطوائف غير الإسلاميّة (المسيحيّة ضمناً) فقد حظيت باستقلاليّة ماليّة دون أي دعم من السلطنة العثمانيّة عملاً بنظام الملّة، مقابل أن يؤدي أتباعها الجزية باستثناء رجال الدين. أمّا بعد إنشاء دولة لبنان الكبير والاستقلال، فقد أقرّت الموازنات مساعدات للمحاكم الروحيّة، نتيجة ضغوط ممثلي الطوائف المسيحيّة، باعتبار أن إنفاق الدولة يصبّ لمصلحة الطوائف الإسلاميّة.
هكذا تكرّست هذه القوانين الطائفيّة، رغم إقرار دستور مدني للدولة اللبنانيّة، وزيدت عليها امتيازات أخرى تمثلت في إعفاء الأبنية المخصّصة لإقامة الشعائر الدينيّة من الرسم على القيمة التأجيريّة بموجب المادة 13 من قانون الرسوم والعلاوات البلديّة رقم 60/88، وصولاً إلى قوانين الموازنات المتتاليّة بعد انتهاء الحرب اللبنانيّة، وصولاً إلى إقرار القانون 210/2000.
يشير الباحث في «الدوليّة للمعلومات» محمد شمس الدين إلى «صعوبة تحديد الإيرادات الضريبيّة التي تحرم منها الخزينة العامّة والبلديّات نتيجة هذه الإعفاءات، كون عملية ضبط الجمارك والضريبة على القيمة المُضافة غير ممكنة، كذلك فإن حجم العائدات والأرباح وممتلكات هذه الطوائف ومؤسّساتها غير معلوم».

الإنفاق على الطوائف

لا تنحصر الامتيازات الممنوحة للطوائف ومؤسّساتها بالإعفاءات الضريبيّة التي تستفيد منها وإعفاء رجال الدين من ضريبة الرواتب والأجور على مخصّصاتهم، بل تشتمل على مخصّصات مالية ترصد لها في الإنفاق العامّ من خلال الموازنة السنويّة، تقدّر بنحو 8.6 مليارات ليرة بدل إدارة ولوازم ودعم خاصة بالأديان، و18.1 مليار ليرة للمحاكم الشرعيّة والروحيّة، و515 مليون ليرة تجهيزات وصيانة أبنية وتجديد مفروشات وتبريد، إضافة إلى تحويلات ومساعدات ماليّة من وزارات التربيّة والصحة والشؤون الاجتماعيّة للمؤسّسات الدينية التي تتلطى خلف مستشفيات ومراكز رعائيّة.
وتفصّل هذه النفقات كالآتي: 1 مليار و25 مليون ليرة من ميزانية رئاسة مجلس الوزراء لهيئة رعاية شؤون الحج، و1 مليار و831 مليون ليرة لدوائر الإفتاء من ميزانية رئاسة مجلس الوزراء بدل المواد والخدمات الاستهلاكيّة والتشغيليّة والإداريّة والمكتبيّة، والإيجارات والإعلانات، ورواتب وأجور ومخصّصات، وتحويلات ونفقات مختلفة، وتقديمات عائليّة وحماية اجتماعيّة، وتجهيزات وصيانة أبنية وتجديد مفروشات وتدفئة وتبريد، و5 مليارات و423 مليون ليرة للمحاكم الشرعيّة السنيّة، و1 مليار و281 مليون ليرة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، و1 مليار و668 مليون ليرة للإفتاء الجعفري، و6 مليارات و498 مليون ليرة للمحاكم الشرعيّة الجعفريّة، و480.5 مليون ليرة لمشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز، و2 مليار و442 مليون ليرة للمحاكم المذهبيّة الدرزيّة، و945.5 مليون ليرة للمجلس الإسلامي العلوي، و1 مليار و505 ملايين ليرة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، و4 مليارات و100 مليون ليرة للمحاكم الروحيّة المسيحيّة من ميزانيّة وزارة العدل.
إضافة إلى تحويلات من ميزانيّة وزارة التربية للمدارس المجانيّة الطائفية، وللمراكز الصحيّة الطائفية من مساهمات وزارة الصحّة لغير القطاع العام، وتشمل كما هو مذكور في مشروع الموازنة دار الأيتام الإسلاميّة (220 مليون ليرة)، بيت القديس جاورجيوس (70 مليون ليرة)، مأوى الروم (70 مليون ليرة)، دار العجزة التابع للطائفة الدرزيّة (500 مليون)، ومساهمات وزارة الشؤون الاجتماعيّة لغير القطاع العام وتشتمل على 400 مليون ليرة لكاريتاس التي تستفيد من 200 مليون ليرة من ميزانية رئاسة مجلس الوزراء.