بين نساء سوريات عديدات يشاركن في المؤتمرات والمحافل الدولية والإقليمية، تبرز أسماء كفتارو، التي تشغل عضوية المجلس السوري النسائي الاستشاري للمبعوث الأممي ستيفان دي مستورا. المرأة تكاد تموت كمداً حين تتحدث عن عودتها إلى سوريا، قبل أن تلوح بارقة أمل وإصرار برجوع قريب.
هي لم تتعاطَ شؤوناً سياسية مثيرة للجدل، ولم يكن لها أي نشاطات معارضة تمنعها من العودة إلى بلادها. لكن هي فقط زوجة المعارض السوري والنائب السابق الداعية الإسلامي محمد حبش. ولعلّ هذا يكفي. حفيدة مفتي سوريا السابق، الشيخ الراحل أحمد كفتارو، تعلن صراحة عدم اتفاقها مع موقف زوجها السياسي، الذي خرج مع بدء الأحداث الدامية في البلاد على منبر قناة «الجزيرة» القطرية، قبل أن يعلن لاحقاً انشقاقه ويطالب الرئيس بشار الأسد بالتنحّي. وعليه، لا يبدو أن حلم كفتارو بعودة قريبة إلى دمشق سيكون في متناول يدها، غير أنها تطالب خلال أي نقاش بفصل موقفها السياسي عن موقف زوجها. ولا تعتقد ــ على الرغم من نشاطها في مجال الدعوة الإسلامية ــ بضرورة طاعة المرأة لزوجها في الرأي السياسي، بل تملك إصراراً ــ ينبع من الدين حسب قولها ــ على أن القوامة ليست حكراً على الرجال، ولكن «بما فضّل الله بعضهم على بعض»، أي رجالاً ونساءً. ومن هذا تستخلص كفتارو أنها لا تقل علماً ونسباً عن زوجها.
ترد بابتسامة على ما يقوله معارضون وموالون عنها وعن زوجها في السر والعلن أحياناً، وتقول «حبش وضع رِجلاً هُنا ورِجلاً هُناك، باستخدام زوجته، منتظراً أن تميل الكفة لصالح أحد الطرفين». لا ردّ جادّاً لديها، سوى أنها حفيدة الشيخ كفتارو، الذي أمسك يوماً بيد الرئيس الراحل حافظ الأسد، وكان إلى جانبه في توطيد حكمه. وهي تصرّ قبل لفظ اسم الرئيس السوري على أن تقول بدقة وتهذيب شديدين: «السيد الرئيس»، كما لو أنها تراعي البروتوكولات الديبلوماسية السورية. لا تعبأ كثيراً بقراءة البعض تصريحاتها على أنها «تكويعة» لآل حبش عبر المصاهرة «الكفتارية الموالية»، في محاولة للعودة إلى حضن الوطن، فهي ترى أن موقفها لم يتغير منذ بداية الحرب. وتشرح الكثير من أفكارها المثيرة الجدل، بما يكفل التسبّب في مشاكل تفرّق بين أيّ زوجين، إذ تقول: «زوجي عالم دين. ولا أتنكّر له أبداً، بل أتشرّف به. لكنّ دخوله المجال السياسي كان خطأً». وتتابع: «زجّ نفسه في مكان ليس له، ليجد نفسه وقد تحول إلى محكمة الإرهاب في دمشق. نتشاجر كثيراً، لكن امتنعنا عن النقاش في السياسة منذ زمن. بيننا حُبّ كبير، ولزوجي فضل عليّ أنه لم يمنعني من الخروج للتعبير عن رأيي على المنابر». وتتابع بأسى: «لا مستقبل سياسياً لزوجي بعد اليوم». أما عند سؤالها عن مستقبله الديني، فتقول بحماسة: «عليه أن ينسف موقفه السياسي ويعتذر من كل الناس. رجل الدين لا يتدخل في السياسة، ونحن ننادي بعلمانية الدولة، فما شأن الدين في السياسة!». وتضيف: «كان يمكنه أن يكتفي بالصمت. لم يطلب إليه أحد في الداخل أن يعلن موقفاً موالياً. وأنا شجعته على الخروج من البلاد في وجه تهديدات وتكفير له. قلتُ له: لا أريد أن أرتدي الأسود». غير أنها تدافع عن مكانة زوجها الدينية، إذ إن الحاجة كبيرة من وجهة نظرها إلى «فكره المعتدل المتنور».

رفض محمد حبش عرضاً قطرياً مكتفياً بالعمل كمدرّس ديني في الإمارات

وهي تخشى أن يُستغل فكره هذا من جهات غير سورية، في ضوء محاولة دولة الإمارات جذب «رجال الدين المعتدلين»، لتكوين تيار إسلامي معتدل. وتتساءل: «لماذا لا يخرج مثل هذا التيار من الشام بدلاً من الإمارات! المفكرون الإسلاميون المتنوّرون قلة، والتعويل عليهم في تأويل القوانين الفقهية». وتشير إلى أن زوجها لم يكسب مادياً من إعلان موقفه السياسي، مؤكدة أنه لم يبع نفسه، ورفض عرضاً قطرياً في السابق، مكتفياً بالعمل كمدرّس ديني في الإمارات.


هجوم على «القبيسيات»

تفخر كفتارو كثيراً باسم عائلتها وقيمة جدها الدينية، رغم ما تتعرض له من تهديدات وشتائم من معارضي الخارج، حيث تنقل أن أحد المعارضين هدّدها في إحدى جامعات شيكاغو، بالقول: «سنحاسبكم جميعاً على وضع جدك يده بيد حافظ الأسد». وتضيف: «عندما أجتمع بالقادة الدينيين للفصائل المسلحة، خلال لقاءات في العواصم الغربية، أعود لأقول لوالدي: (الآن أفهم لماذا وضع جدي يده في يد حافظ الأسد. لقد حمى الدين والبلد). ونحن أسرة مجبولة على الوفاء». وتنتقد كفتارو علماء الدين المتدخلين في الشؤون السياسية، ممّن فرّقوا الناس بدلاً من جمعهم، بمن فيهم مفتي الجمهورية الشيخ أحمد حسون. وتحاول ألا تتحامل على دار الإفتاء الحالية، لكنها تسأل عمّا قدّمته للناس في الإطار الاجتماعي والنسائي والسياسي. وعند السؤال عمّا يمكن أن تقدمه دار الفتوى أكثر من دورها الحالي، تجيب مستدركة: «لعلّها لا يمكن أن تقدم أكثر في ضوء الاحتراب بينها وبين وزارة الأوقاف». وتضيف: «تواصلت مع المفتي حسون قبل حوالى شهر. قلتُ له: سأعود قريباً إلى سوريا، وأتمنى أن أعود إليها مستشارة في دار الفتوى»، موضحة بحرقة: «مكاني في الداخل. واجبي الديني والأخلاقي واسمي أيضاً يفرضان عليّ ذلك». وتواصل طرح شجونها بالقول: «العمل الديني في سوريا في يد القبيسيات. سمعت كلام ممثلين عن الإخوان المسلمين في جنيف يصفون (القبيسيات) بالحرف بأنهن (ذراعنا اليمنى على الأرض). هنّ يحتللن مواقع في وزارتي الأوقاف والشؤون الاجتماعية، إضافة إلى التعليم والجمعيات. لماذا يبقين في هذه المواقع ونتركهن يبنين جدران التعصب في وجوهنا!».
وتضيف كفتارو أن لديها تطلعات كبيرة لدور المرأة المسلمة ولبلادها سوريا، لكنها لا تعرف كيف يمكن نقل وجهة نظرها الصحيحة إلى القيادة السورية، معترفة بأن موقفها ضعيف في سوق أيّ مبررات. وتطلب خلال اللقاء أن ينقل كلامها الأخير حرفياً وبأمانة، إذ تعلن أنها مع إلغاء وزارة الأوقاف، وضمّ الوقف الإسلامي إلى إدارة وزارة المالية. وتتابع القول: «ثلث أرض الشام مال للوقف. أين يذهب إيجارها؟ ألا ينبغي أن تسخّر ميزانية أغنى وزارة في سوريا لخدمة المجتمع المتضرر خارج أيدي رجال الدين!». وتطرح كفتارو في سياق هجومها على ممارسات وزارة الأوقاف ضرورة «إنشاء وزارة بديلة للشؤون الدينية تكتفي برعاية شؤون الرعية الدينية، أو ضمّها إلى دار الإفتاء».