«لماذا لم تتحركوا قبل الآن؟. الأزمة عمرها ثلاث سنوات!». سأل محافظ الجنوب منصور ضو وفداً من ناشطين من بلدة البيسارية، قصدوه لإيجاد حلّ للمزرعة التي تخنق بلدتهم وجوارها بالروائح الكريهة والغازات السامة.
«نحن وأصحاب المزرعة أبناء بلدة واحدة. وهناك اعتبارات عائلية في القرى، فضلاً عن أنهم وعدونا مراراً بتسوية الوضع»، قال أحد أعضاء الوفد. طفح كيل الأهالي من الروائح والحشرات التي تستجلبها. مع ذلك، قلة قليلة قررت رفع الصوت. فيما استسلم آخرون أمام حظوة أصحاب النفوذ.
ضو استعرض الإجراءات التي اتخذها منذ رفض بلدية قاعقعية الصنوبر منح ترخيص لـ»الشركة اللبنانية للتجارة العامة ــ نابلسي إخوان» لإنشاء المزرعة لقربها من التجمعات السكنية والمياه الجوفية، قبل أن تحيل ملفها على المحافظة للبت بمصيرها. حينها، نهاية عام 2014، تقدمت البلدية بشكوى إلى وزارة البيئة ضد أصحاب المزرعة الذين يستقدمون مئات رؤوس الأبقار المستوردة بالشاحنات التي تتساقط منها كميات من الروث أثناء تنقلها بين القرى نحو المزرعة، ثم يجمعونها في حظائر مكشوفة. علماً بأن المزرعة في الأساس نالت ترخيصاً من البلدية عام 2013 على أساس أنها مستودع لأعلاف المواشي. وبعد أشهر، أحال محافظ الجنوب السابق بالوكالة نقولا أبو ضاهرعلى البلدية طلب النابلسي إنشاء مزرعة أبقار في العقار ذاته. بعد استبيان آراء الأهالي، ردت البلدية الطلب مرفقاً بأسباب الرفض تحسباً من الآثار البيئية المحتملة وخوفاً على نظافة مجرى المياه الطبيعي المجاور للعقار. رغم ذلك، بدأ أصحاب المزرعة باستقدام الأبقار.

المزرعة في الأساس
نالت ترخيصاً على
أساس أنها مستودع للأعلاف!


بعد مسار من الكشوفات الميدانية وتقارير الخبراء، قرر ضو إقفال المزرعة بالشمع الأحمر استناداً إلى دراسة المجلس الصحي في المحافظة منتصف عام 2015، وأرسل إلى قيادة منطقة الجنوب الإقليمية في قوى الأمن الداخلي لتنفيذ القرار عبر فصيلة عدلون. وفق النظام، تحتاج العناصر الأمنية لمخابرة النائب العام الاستئنافي قبل تنفيذ مهماتها لأن القضاء يراقب حسن تنفيذ مهمات القوى الأمنية لضمان حقوق الأفراد. لكن النائب العام الاستئنافي في الجنوب بالإنابة القاضي رهيف رمضان ضمن حقوق أصحاب المزرعة، موعزاً إلى الدرك بإعطائهم مهلة لتسوية أوضاعهم (متخطياً صلاحياته التي لا تجيز له التصرف بقرار المحافظ، بل الإشراف على تنفيذه فقط). المهلة تجدد تلقائياً منذ عامين. أين حقوق الأفراد؟. «المسألة عند القضاء»، خلص المحافظ.
عند باب رمضان الأسبوع الفائت، انتظر وفد الناشطين ساعتين. في الأثناء، وصل أحد الأشقاء من أصحاب المزرعة إلى مكاتب النيابة في قصر العدل في صيدا، فأشركه رمضان في الجلسة مع الوفد. الأخير أكد أن «المزرعة خالية من المواشي بعد تصريفها في الأسواق في موسم عيد الفطر، وستبقى كذلك حتى عيد الأضحى المقبل». فيما اقترح رمضان «إيفاد خبير للتحقق من التزام آل النابلسي بالشروط القانونية». الشقيق تعهد بـ»دفع تكاليف عمل الخبير من جيبه الخاص». في الختام، دعا رمضان الوفد إلى «تحمل بعضنا البعض والروائح الصادرة عن المزرعة، لأننا لسنا في سويسرا»!
نام الوفد على حرير وعود القاضي وأصحاب المزرعة. بعد يومين فقط، نقلت عشرات الشاحنات مئات رؤوس الأبقار إلى المزرعة. خطوة الناشطين الثالثة، البدء بجمع تواقيع لعريضة شعبية تطالب بإقفال المزرعة، ترفع إلى وزير العدل سليم جريصاتي.




الحلّ في تنفيذ قرار المحافظ

ماذا عن وضع المزرعة القانوني؟. المحامي حسام الجواد، وكيل بلدية القاعقعية، أوضح أن آل النابلسي تقدموا بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة ضد رفض البلدية منح المزرعة ترخيصاً. ورغم أن المراجعة «يجب أن ترد شكلاً لأن من منع الترخيص هو المحافظ وليس البلدية»، إلا أن المجلس لم يبت بها حتى الآن (قدمت في أيلول 2015). بعد أشهر، تقدموا باعتراض أمام قاضية الأمور المستعجلة رولا العاكوم بوقف تنفيذ قرار المحافظ. وبعد تكليف خبير بالكشف على الشروط الصحية، تبيّن أن «مخاوف السكان في محلها وأن المزرعة تستوعب 230 بقرة». الجواد تقدم باستدعاء لاحق أثبت فيه أنها كانت تضم حينها حوالى 800 بقرة. بالتزامن، استحصل آل النابلسي على موافقة من وزارة البيئة (صاحبة رأي استشاري) بتشغيل المزرعة شرط الالتزام بسقف الـ 230 بقرة والكشف الدوري والتنظيف المستمر وفحص الآبار الجوفية. بعد عام من تقديم الاعتراض، وجدت القاضية في أيار الفائت «أن عنصر الضرر الواقع لا يبرر تدخلها وأنها غير مختصة بالقضية». قبلها، جمعت البلدية وأصحاب المزرعة في محاولة تفاوضية لأن «مصلحتي الطرفين جديرتان بالحماية». ما هو المخرج القانوني؟. «تنفيذ قرار المحافظ فوراً من دون اللجوء إلى مخارج قانونية» جزم الجواد.