التطوّرات في عالم التواصل التي فرضتها الثورة الرقمية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، أحدثت تغيّرات جوهرية في المشهد الإعلامي التقليدي. مخطئ من يظنّ أنّ الصحافة الورقية وحدها تعاني وتبحث عن حلول مهنية للاستمرار.
فالإعلام المرئي مثلاً راح منذ فترة طويلة يجري تعديلات على طريقة عمله، تمكّنه من التجدّد والمضي في المنافسة، معتمداً بنحو كبير على السوشال ميديا التي استحالت بغمضة عين مصدراً أساسياً للأخبار والمعلومات، رغم كل الإشكاليات التي ترافق هذا الموضوع، وعلى رأسها المعلومات الكاذبة.
لبنانياً، نلاحظ منذ فترة طويلة الاهتمام المتزايد للمحطات بما يجري في الفضاء الافتراضي. وفيما يعمد عدد كبير من البرامج إلى إشراك المشاهدين في الحلقات عبر التعليقات والأفكار والصور والفيديوات، باتت نشرات الأخبار تحجز مساحة ثابتة للتطوّرات الحاصلة في عالم الترندات والهاشتاغات. وهذا ما يحدث على القنوات اللبنانية الأساسية التي تنحصر بينها المنافسة: «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، و«الجديد»، وmtv. فكيف تتعامل هذه المؤسسات مع هذا الواقع الجديد؟
في الأوّل من آذار (مارس) 2015، أطلقت «قناة المرّ» فقرة Connected التي لا تزيد مدّتها على دقيقتين، ويقدّمها جيري غزال وزينة الزغبي، اللذان يتميزان بالحيوية والدينامية والطبيعية المتوائمة مع المضمون. يومياً، تأخذ الفقرة التي يعدّها جان نخّول المشاهد في جولة على أبرز التطوّرات التي شغلت العالم على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الـ 24 الماضية.
في اتصال مع «الأخبار»، يؤكد نخّول أنّ جلّ اهتمامه يصبّ في تزويد الناس بالأخبار «التي شغلت العالم حقاً. هكذا، يتمكّن الأشخاص الذين لم تتسنّ لهم متابعة الأحداث الجارية من الاطلاع عليها». الشاب الذي يتولّى Connected من الألف إلى الياء (اختيار المحاور وإعداد النصوص)، يوضح أنّه بما أنّ الهدف هو التوجّه إلى «أوسع شريحة ممكنة من اللبنانيين، نعتمد اللهجة البيضاء والسهلة، محاولين الابتعاد قدر الإمكان عن المصطلحات الأجنبية». أما على صعيد المواضيع، فـ «نواكب الحدث، سواء كان عالمياً أو محلياً. أي الأخبار التي تفرض نفسها». هنا، تجدر الإشارة إلى أنّه رغم هذه المحاولات التي تبدو واضحة في الفترة الأخيرة، لا يزال كثيرون يعتبرون أنّ هذه الفقرة تتوجّه إلى أشخاص من مستوى ثقافي معيّن. جان نخّول الذي يبدو راضياً عن أداء فريقه، يشدّد على أنّ هناك «توجّهات عدّة في هذا المجال، وكلّها جائزة، ليس بالضرورة أن يكون ما أعتمده هو الصحيح حصراً»، مشيراً إلى أنّ عمله في هذا المجال يتطلّب «الكثير من الجهد والمواكبة. أعيد تعبئة بطارية هاتفي النقال أربع مرّات في اليوم على الأقل. ببساطة، تصبح المسألة أشبه بأسلوب حياة». ولا شكّ في أنّ عمل جان في الأخبار والبرامج في mtv يساعده على تحديد الأولويات وانتقاء المواضيع «الطازجة» والتدقيق في صحّتها. واللافت في Connected أنّها تعتمد على الرسوم البيانية، ولا سيّما عند الحديث عن الأرقام وإجراء مقارنات بين التطبيقات أو الألعاب الإلكترونية أو الشركات وغيرها. كل هذه العناصر تشكّل عوامل جذب للمشاهد، ولا سيّما أنّه في آخر يوم من كل شهر، تعرض الفقرة إحصاءات من «غوغل» تتعلّق بأكثر الكلمات بحثاً عبر محرّك هذه الشركة في لبنان، ومن «يوتيوب» حول الأغنيات الأكثر استماعاً على الصعيد المحلي.

فقرة على mtv و«الجديد»،
في مقابل نشرة على lbci

هذه التجربة الناجحة نسبياً، وإن كانت لا تخلو من الهفوات، تقابلها Trends على «الجديد». تزامناً مع إطلاق نشرة الأخبار المسائية بشكلها الجديد العام الماضي، شهدنا عودة هذه الفقرة التي كان يقدّمها إبراهيم دسوقي سابقاً، لكن مع إدخال تغييرات لناحية الشكل والمحتوى. من دون أن تتعدّى مدّتها الدقائق الأربع، تتناوب سارات صالحة ونور صوما وميشا جاويش على تقديم Trends. لكن خلافاً لما يجري في mtv، تتولّى كل من هذه الشابات إعداد الفقرة التي ستقدّمها بنفسها، بالتشاور مع منتج نشرة الأخبار، وهو ما يشرح ربّما التفاوت الظاهر في المستوى بين يوم وآخر، في ظل «الاستسهال» في الإعداد والاتجاه نحو «الشعبوية»، من دون أن ننسى تناول أخبار تعود إلى أيّام مضت. وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد قراءات تعليقات لا تشكّل إضافة إلى الموضوع، لا بل تكون غير مناسبة في أحيان كثيرة.
فكيف يُنتقى المحاور؟ «اسم الفقرة يحكم أسلوب الانتقاء»، تقول صالحة في اتصال مع «الأخبار»، وتتابع: «علينا أن نرصد أكثر المواضيع التي تُناقَش على السوشال ميديا، إضافة إلى التطرّق إلى أخبار متعلقة بالتكنولوجيا والتطبيقات، وبالفيديوات التي حققت انتشاراً واسعاً».
لا تنفي سارات أن يكون غياب معد واحد للنشرة يؤثّر في الحفاظ على مستوى واحد معظم الوقت، فـ «المواضيع وأسلوب معالجتها تختلف من صبية إلى أخرى وفقاً لاهتمامها وتقديرها ووقتها»، مشددة في الوقت نفسه على أنّ «جميعنا نبذل مجهوداً كبيراً لمواكبة كل ما يجري، مع العلم بأنّنا لسنا متفرغات لهذا العمل». وتتمنّى صالحة أن تأخذ هذه الفقرة مساحة أكبر في المستقبل، لكي يصار إلى «مناقشة مسائل أخرى مثلاً أو الاستفاضة في التغطية. قد لا يرى البعض ضرورة في وجود فقرات كهذه، بذريعة أنّ كل الناس يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّني لا أوافق إطلاقاً. الناس ينتظرون المواد التي سنقدّمها، خصوصاً إذا كانوا مهتمين بها. فضلاً عن المواطنين الذين يتواصلون معنا لإطلاعنا على قضايا معيّنة. التفاعل مع هؤلاء ضروري جداً».
في المقابل، يبدو الأمر على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» مختلفاً إلى حد بعيد. فهي المحطة المحلية الوحيدة التي تخصّ مواقع التواصل الاجتماعي بنشرة «كاملة متكاملة» تُعرض مكان نشرة الأخبار الليلية. في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2016، أبصر هذا المشروع النور تحت عنوان «الأخبار من عندك»، ويهدف بالدرجة الأولى إلى تسليط الضوء على أكثر الأخبار التي تهمّ الناس وتلك التي تفاعلوا معها خلال اليوم، مع محاولة الغوص فيها. بداية، وُلدت هذه الفكرة من منطلق أنّ مواقع التواصل الاجتماعي «صارت ركناً أساسياً في أي غرفة أخبار تحترم نفسها. فحتى نشرات الأخبار التقليدية تعتمد عليها إلى حدٍّ بعيد. فضلاً عن أنّ الناس وطريقة تفاعلهم مع النبأ والتطوّرات أمسوا جزءاً من صناعته والتعامل معه». هذا ما تؤكده المديرة التنفيذية في قسم الأخبار في lbci، لارا زلعوم لـ «الأخبار». وتوضح أنّه فيما تكون الأولوية لـ «التطوّرات المحلية، تفرض الكثير من الأحداث الخارجية نفسها، فيصبح من الضروري التطرّق إليها وطريقة تعاطي الناس معها». في كل ليلة، يطل علينا واحد من أربعة أسماء، هي: رنيم بو خزام، ونور نصر الله، وصبحية نجّار، ومالك الشريف. وإلى جانب تقديم النشرة، تقع عليهم مهمّة اختيار المواضيع وإعدادها. يأتي ذلك بعد عملية بحث مكثّفة تبدأ منذ الساعة الثالثة بعد الظهر، تحت إشراف منتج النشرة، ضمن أجواء تبدو أقرب إلى العمل الجماعي.
ولعلّ أكثر ما يميّز «الأخبار من عندك» هو الهاشتاغ الذي يُطلق يومياً عند الساعة الخامسة بعد الظهر عبر السوشال ميديا، والمرتبط بالحدث الأكثر أهمية في هذا النهار، ليتمكن المشاهدون من مشاركة آرائهم عبره، قبل أن تجد الكثير منها طريقها إلى الشاشة الصغيرة. مع العلم بأنّ الهاشتاغ يُختار بعد مناقشات خلال اجتماع التحرير. «لا يهمنا تقديم الأخبار كما هي، نجرّب إعطاءها أبعاداً وخلفية. وإشراك الناس في النشرة أحد أهدافنا الرئيسية، على صعيد الاقتراحات كذلك. نريد لصوت هؤلاء أن يصل»، تقول زلعوم، وتضيف: «بلغنا مرادنا بنسبة كبيرة، غير أنّنا نرمي إلى تفاعل أكثر وأكثر مع الناس».
ما نشاهده على بعض تلفزيوناتنا جيّد ويستحق الإضاءة، فهل تنجح هذه المؤسسات في تطوير أدائها على هذا الصعيد ليصبح أكثر تأثيراً وعمقاً؟