يوم صدر القانون 515 في 6 حزيران 1996 من أجل تنظيم الموازنة المدرسية أريد له يومها أن يكون محدّد المدة ريثما يصدر تشريع جديد يكون أكثر تفصيلاً وحمايةً للحقوق، إلّا أنّه ومنذ عام 2014 بات القانون تشريعاً غير محدد المدة ما يحمل على الاعتقاد بأن المشترع اللبناني أراد له أن يصبح تشريعاً نهائياً بحسناته وسيئاته، فعلى ماذا ينصّ هذا القانون؟
المدارس الخاصة مؤسسات ربحية

بحسب القانون 1996/515، يحدد القسط المدرسي بقسمة إجمالي باب النفقات على مجمل عدد التلامذة بعد حسم عدد أولاد المعلمين الداخلين في الملاك الذين يستفيدون بحكم القانون أو أنظمة المدرسة من إعفاء كلي من القسط. من هنا، اعتبرت المدارس الخاصة مؤسسات غير ربحية، وقد أعفاها القانون من الضرائب، إذ باتباع هذه المعادلة الرياضية، يكون مجموع باب النفقات موازياً لمجموع باب الإيرادات وعليه يحق للقارئ غير المتخصص الاعتقاد بأن المدارس الخاصة تقدم خدمة التعليم ولا تحقق الأرباح، وهذا أمر غير واقعي كما سوف نبيّن في بحثنا في تفاصيل أبواب الموازنة.
تتضمن الموازنة كما حددها القانون بابين متوازيين الأول للنفقات والثاني للإيرادات، لم يتركهما المشترع من دون تنظيم بل أشار بصورة شبه تفصيلية إلى ما يجب أن يتضمنه البابان من فقرات وبنود، في محاولة لضبطها ومنع إساءة استعمالها. فقد قسم المشترع الباب المتعلق بالنفقات إلى قسمين أساسيين: الأول يشكل على الأقل 65%، ويتضمن الرواتب والأجور والأعباء التي تتكبدها المدرسة لصالح العاملين فيها، أما الثاني فيمثل على الأكثر 35%، ويتضمن سائر النفقات التشغيلية والتعليمية، يضاف إليها 3 بنود نص عليها القانون وهي: بنود الاستهلاكات ومصاريف المساعدات الاجتماعية وتعويض صاحب إجازة المدرسة!

تعويضات صاحب الإجازة

تستحق هذه البنود الثلاثة الوقوف عندها لكون عائداتها تذهب إلى صاحب إجازة المدرسة دون المدرسة والتلامذة. فصاحب الإجازة يتقاضى تعويضاً لحسابه الخاص بصورة مباشرة من مجموع الإيرادات التي أجازها القانون. فإذا كان المنطق يقول إنّه يحق لأصحاب المدارس أن يستوفوا تعويضات كونهم ينتمون إلى القطاع الخاص، وبخلاف الفلسفة التي بنيت عليها القوانين المتعلقة ببنية المدارس الخاصة ولا سيما القانون 515، فإن الغاية الأساسية من فتح هذه المدارس لدى البعض هي تحقيق مداخيل مالية، إما لتنمية ثرواتهم الشخصية وإما إعادة توظيف هذه الأموال لتحقيق مصلحة عامة تربوية. من هنا يأتي اعتراضنا على مقولة إنّ المدارس الخاصة غير ربحية، إذ أقر المشترع أحقية أصحاب المدارس باستيفاء بدل مادي سمّاه تعويضاً، وترك له أمر تحديده من دون أي ضوابط. المشترع هنا مدعوٌ إلى التدخل لوضع ضوابط واضحة تقونن أسس تحديد تعويض صاحب المدرسة لما لذلك من أهمية في الحد من التضخم في الأقساط المدرسية وإحقاق الحق والعدالة بين صاحب المدرسة والأهالي.

إلزام الإدارات تسليم لجان الأهل نسخاً
عن الموازنات والنفاذ إلى القيود

أما بند الاستهلاكات فهو يعود أيضاً بالنفع على صاحب المدرسة، إذ يستوفي من الأهالي مرّةً ثانية كلفة الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يكون قد سبق له أن استوفاها عبر الأقساط المدرسية من خلال استيفاء كلفة استهلاكها على مراحل سنوية متعددة. وهنا أحد أبرز الثغر في القانون 515 الذي يتوجب على المشترع تصحيحها عبر إصدار قانون جديد يمنع الازدواجية بين بند الاستهلاك والبنود الأخرى وإلا على مجلس الوزراء أن يصدر مرسوماً تنفيذياً يمنع هذه الازدواجية.
وبالنسبة إلى بند المساعدات الاجتماعية، فهو بند موضوع للخدمة الخاصة لبعض العوائل التي لا يمكن أن تدفع كامل القسط المدرسي لأولادها، وهو بالتالي يحقق مصلحة خاصة لبعض الأهالي دون غيرهم ومصلحة المدرسة الخاصة أيضاً التي يمكن أن تستفيد من هذا البند لزيادة عدد التلامذة لديها واستخدام ذلك بكل الوسائل الإعلانية. وهنا المدارس كما لجان الأهل مدعوة لتحديد سقوف واضحة لهذا البند مع التشديد على وجوب تحميل صاحب المدرسة هذا العبء طالما يقوم باستثمار إجازة المدرسة لقاء تعويض مالي يقرّه القانون.

الأقساط هي الإيراد الوحيد

في المقابل، أقر القانون إيراداً وحيداً لتغطية أبواب النفقات كافة هو الأقساط المدرسية، مع ضابط وحيد سمح بخفض مجموع هذه النفقات هو المنح التي يستفيد منها أولياء الأولاد المعفيين من القسط المدرسي من مصدرٍ آخر غير المدرسة والذين يتوجب عليهم، بحسب القانون 515/1996، التصريح عنها، ودفعها للمدرسة التي عليها بدورها حسمها من باب نفقات الموازنة، ما يخفض هذا الباب ومعه القسط المدرسي.

مراقبة الموازنات إلزامية

ثمة طرق وآليات نص عليها القانون وتسمح للأهالي بمراقبة الموازنات المدرسية وبالتالي الأقساط لتحصيل حقوقهم وحمايتها من الإجراءات التعسفية للمدارس. فقد ألزم القانون 515 في مادته 3 الإدارات إيداع موازناتها مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية في مدة لا تتعدى آخر كانون الثاني موقعة من مدير المدرسة ومن لجنة الأهل ممثلة برئيسها أو مندوبي اللجنة في الهيئة المالية. وهنا يكون توقيع ممثلي الأهالي على الموازنة من الإجراءات الإلزامية لصحتها، وإن افتقار الموازنة إلى هذا التوقيع يجعل منها باطلة أو على الأقل غير مستوفية الشروط، وعلى وزارة التربية عدم قبول هذا الإيداع لمخالفته الصريحة للنص القانوني. وبناءً عليه، لا يحق للمدرسة استيفاء الزيادات على الأقساط بالاستناد إلى موازنة غير نظامية وغير مودعة أصولاً إلا بعد صدور قرار عن وزير التربية إما باعتبار الموازنة أصولية والسماح للمدرسة باستيفاء القسط وفقاً لها وإما اعتبار الموازنة غير نظامية أو مبالغ بها، ويقوم بالتالي هو بتحديد القسط وعلى المدرسة التزام قرار الوزير، وإلا قام بإحالتها إلى مجلس التحكيم التربوي المختص بالنزاعات بين الأهالي والمدارس. وهنا يكون القانون قد أعطى الأهالي وممثليهم وبصورة تبعية وزارة التربية صلاحيات كبيرة لمراقبة الموازنات والأقساط التي لو طبقت لامتنع الكثير من المدارس عن تقديم موازنات مضخمة تضر بمصالح الأهالي وحقوقهم المشروعة.

لجان الأهل تدقق في الموازنة والقيود

إلى ذلك، فرض القانون في المادة 10 على ممثلي المدرسة عرض مشروع الموازنة على أعضاء الهيئة المالية لدرسها وإنجازها خلال مهلة 10 أيام يصار من بعدها إلى عرضها على لجنة الأهل التي تتخذ الموقف النهائي، إما بالتوقيع أو بعدم التوقيع خلال مهلة 15 يوماً من تاريخ تقرير مندوبي اللجنة المالية. وهنا لا بد لنا من التوقف عند أمرين هامين: الأول متعلق بالنص الذي يخلق بعض الإشكاليات، والثاني متصل بالضوابط التي تسمح للأهالي بمراقبة الموازنات بشكل أفضل وإقرارها عند اللزوم بصورة مستنيرة.
الإبهام الوارد في نص القانون يقع في عبارة «عرض مشروع الموازنة» والذي تستند إليه بعض المدارس لحجب نسخ الموازنات عن لجان الأهل ومنعها من دراستها، وإن كنا من القائلين إن حق الاطلاع يشمل حق الحصول على نسخ وإن القانون 11/81 الخاص بالموازنة المدرسية ألزم المدارس صراحةً تسليمها إلى ممثلي الأهالي، كما أجاز لهؤلاء الحصول على كل المستندات المحاسبية التي تسمح لهم ممارسة مهامهم الرقابية، إلا أن المشترع والسلطة التنفيذية مدعوان لإصدار تشريعات وقرارات تفسيرية تؤكد حق لجان الأهل بالحصول على نسخ من مشاريع الموازنات وإلزام المدارس تسليمها إليهم باعتباره موجباً جوهرياً. كذلك ينبغي إلزام الإدارات تسليم اللجان قطع حساب مدقق للسنة المالية السابقة لسنة الموازنة وكل الفواتير والمستندات الحسابية وجداول الضمان الاجتماعي وتلك المسلمة إلى صندوق التعويضات عملاً بروح القوانين المرعية الإجراء ولا سيما القانون 11/81 ومرسومه التطبيقي وذلك لكي يتسنى لها مراقبة الأرقام المدرجة في الموازنة بصورة شفافة. يذكر هنا أن هيئة التشريع والاستشارات أصدرت رأياً في عام 2015 أكدت فيه حق لجان الأهل بالاطلاع على قيود المدرسة، واعتبرت أنّ رسم فتح الملف يجب أن يندرج ضمن القسط. ينبغي أيضاً إلزام المدارس تسليم الوزارة ميزانياتها المدققة في بداية كل عام دراسي ووضعها في تصرف لجان الأهل للاطلاع عليها والحصول على نسخ عنها لمراقبة النتائج المالية للسنوات السابقة، فضلاً عن إصدار تشريعات تلزم المدارس تدوير الفائض في الميزانيات المدققة بالمقارنة مع الموازنات المودعة على السنة اللاحقة بحيث يحسب هذا الفائض من بين الإيرادات ما يسمح بتخفيض القسط المدرسي بصورة قانونية وعادلة.

* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]