«الفكرة بنت وقتها»، تقول زينب مقلد رئيسة «جمعية نداء الأرض». «كما كان فرز النفايات من المنزل حاجة قبل عقدين، فإننا اليوم بحاجة إلى إيجاد حلول لمشكلة النفايات من مصدرها». «أم ناصر» ليست وزيرة البيئة أو مستشارة مدفوعة الأجر في البرامج الدولية المعنية. معالجة أزمة النفايات جزء من مسار مواطني طويل مارسته أول معلّمة في بلدتها عربصاليم (قضاء النبطية).
من نيلها شهادة السرتفيكا عام 1949 إلى نيلها إجازة جامعية في 1970، مروراً بنضالها العروبي والقومي. في كل تلك المراحل، كان شعار الأم لستة أبناء «إجادة استخدام الوقت والموارد البشرية والطبيعية»، حتى غدت قدوة نسوية في إقليم التفاح.
عام 1995، أسست مقلد «جمعية نداء الأرض» المعنية بالبيئة وشؤونها. قبلها، في السبعينيات، أسست «جمعية المرأة العاملة» ومستوصفاً مع الشهيد حكمت الأمين ونظّمت دورات إسعافات اولية في ظل الإحتلال الإسرائيلي والحرب الأهلية. الشعور بالمسؤولية الإجتماعية، دفعها مع رفيقات إلى مواجهة تداعيات حل البلدية في التسعينيات وما نتج عنها من أزمات من بينها تراكم النفايات. تقاعدها من التعليم عام 2000، ساعدها على التفرغ للشأن العام.
مشروع «فرز النفايات من المصدر» شكّل خطوة سباقة، خصوصاً في قرية ترزح تحت الإحتلال. لم تحتمل «أم ناصر» (71 عاماً) أن تملأ النفايات أحياء عربصاليم الجميلة في سفح جبل صافي.

المرأة هي نقطة الارتكاز في المشروع فالولد يقلد أمه وهي المؤثر الأول في المنزل


عرضت فكرتها غير المألوفة على عدد من نساء البلدة، فلقيت تجاوباً من نحو عشرين منهن. بعد مشاورات واجتماعات عدة، تأسّس «تجمّع نساء عربصاليم» الذي تحوّل في ما بعد الى «جمعية نداء الأرض». كان همّ الجمعية «العمل على تعميم ثقافة فرز النفايات الصلبة من بلاستيك وزجاج ومعادن عن النفايات العضوية في عربصاليم والجوار». منذ ذلك الحين، لعبت دوراً فاعلاً في حل أزمة النفايات التي عانت منها البلدة، حتى باتت مرجعاً بيئياً للجمعيات التي أنشئت لاحقاً.
الخطوة السباقة الجديدة، إنتاج سماد عضوي من الديدان. المشروع الذي لا يزال في طور التجربة، بدأ منذ أكثر من ستة أشهر بمبادرة من الناشطة البيئية من أصول فرنسية جيرالدين حمدان ضمن مشروع «أفكار صديقة للبيئة»، التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
تعتمد الآلية على دودة الأرض ذات اللون الزهري أو الحمراوي التي تعيش على سطح التراب على مخلفات النباتات وأكوام الزبل والنفايات. تأكل النفايات العضوية (بقايا النباتات والقشور ومخلفات المطبخ...) وتحولها إلى سماد بمعدل نصف وزنها يومياً. «يستضيف» المنضوون في المشروع الدود في حاويات نفايات واسعة وصغيرة مثقوبة لتوفير التهوئة وتصريف السماد المنتج.
المرأة محور المشروع، وهي من يجب أن تستهدفها الجمعيات البيئية للتوعية حوله وإشراكها فيه. لذلك تتوجه «جمعية نداء الأرض» الى ربّات البيوت. «الولد يقلّد أمه، وهي المؤثر الأول في المنزل»، تقول «أم ناصر». وما يساعد عربصاليم كبلدة على تبنّي مشروع كهذا هو المساحات الخضراء التي تحيط بمنازلها، وميل نسائها إلى تزيين حدائقهن والإستفادة من ثمارها، بحسب فرحات التي تخوض تجربة تحليل النفايات عبر الديدان في حديقتها الخاصة.
التجربة بدأت بثلاثة عشر مستوعباً، على أن تعمّم على الأهالي في ما بعد. «العملية بحاجة الى نيّات جدية ومحبّة للبيئة، كما تتطلب مراقبة يومية للمستوعب»، تقول خديجة فرحات إحدى أعضاء الجمعية.
رغم الوقت الطويل الذي تستهلكه الديدان لإنتاج كمية قليلة من الفضلات، تؤكد نائبة رئيسة الجمعية، الصيدلانية نجاة فرحات، إيمانها به. «يمكنه أن يأخذ مكانه في كل منزل بحيث تستطيع كل سيدة أن تحلل بقايا وفتات طعام العائلة الى سماد عضوي وعصارة من المعادن يفيدان حديقتها الخاصة». هذا الحل قد يوفر على الجمعية تجميع النفايات العضوية والعمل عليها في مركز الجمعية، ما يتطلب جهداً ومكاناً ومستوعبات كبيرة، كذلك فإن نقل العملية الى مصدر النفايات نفسه، وهو المنزل، يقلل من كمية النفايات التي فاضت بها المكبات في المناطق.
تشيد «أم ناصر» بالجهد النسائي الذي لولاه لما استمر عمل الجمعية: «الواجب تجاه البلد هو ما يحرّك السيدات». تجربتها الخاصة تعود عليها بالرضا الممزوج بنوع من الألم، بسبب «الإستهتار الوقح بالشعب ومطالبه من قبل الدولة». تشدد على أهمية دور الجمعيات البيئية رغم الصعوبات التي تواجهها بسبب غياب دعم الدولة، ما يؤدي الى حلّها واحدة بعد الأخرى، إلا ما ندر.
الجمعية تستمر بمنح من برامج الأمم المتحدة والبرامج البيئية لعدد من السفارات الأوروبية، من دون أي دعم مادي أو معنوي من الدولة. وهي تقوم على خمس عشرة سيدة، منهن من تسلّمنَ مكان أمهاتهن المؤسِّسات، إضافة إلى سائق للشاحنة التي تجمع النفايات الصلبة من المنازل لتمريرها على ماكينات الكبس أو الفرم، ومن ثم تسليمها الى معامل إعادة التدوير النادر وجودها في لبنان. برامجها مليئة بالورش والإستشارات البيئية، رغم أنها في عجز مالي دائم. رغم ذلك تردّد «أم ناصر»: «علينا جميعاً أن نسمع نداء الأرض، فنصونها لكي تصوننا».