السادة الكرام،قبل التحيّة والسلام، نودّ الإشارة إلى أنّ هذه الرسالة مبادرةٌ شخصيّةٌ من الكاتبيْن أعلاه، ولا علمَ للمناضل جورج إبراهيم عبد الله، ولا لعائلتِه الكريمة، ولا «للحملة الدوليّة لإطلاق سراح جورج عبد الله» بها.

والآن، بعد التحيّة والسلام، نذكّركم بأنّ المواطن اللبنانيّ، والمناضل الفلسطينيّ العربيّ الأمميّ الكبير، جورج إبراهيم عبد الله، يقبع في سجون فرنسا منذ 33 عاماً، ويرفض أن يساومَ على مبادئه وتاريخه مقابل إطلاق سراحه.
جورج، المنسيّ، الوحيد، المغيَّب، الحاضر، الحيّ، رهينةٌ لدى الفرنسيين. وجورج لبنانيُّ المولد والمنشأ، من والديْن وأجدادٍ لبنانيّين منذ قرون. وجورج ليس من كوكب المرّيخ، بل من بلدة القبيّات، في عكّار، موطنِ المئات من شهداء الجيش اللبنانيّ والمقاومة الوطنيّة اللبنانيّة. فهل من حقّنا، لبنانيين وفلسطينيين، أن نطمعَ منكم بتفعيل المعادلة الذهبيّة اللبنانيّة (جيش ــــ شعب ـــ مقاومة) في حالته؟ أمْ أنّه خارج كلّ المعادلات اللبنانيّة؟
وهل من حقّنا، كلبنانيين وفلسطينيين، أن نطمعَ بأن يكون ردُّ فعل لبنان الرسميّ والمقاوِم غيرَ ردّ فعل منظمة التحرير الفلسطينيّة والمقاومة الفلسطينيّة؟
متى يتحرّك لبنانُ الرسميّ، ولبنانُ المقاوِم، من أجل اللبنانيّ العربيّ المقاوم جورج إبراهيم عبد الله؟
متى سيقول لبنانُ الرسميّ، ولبنانُ المقاوِم، كلمتَه الواضحةَ، الصادحةَ بالحقّ، في شأن رمزٍ لبنانيّ عربيّ مقاوم، لكنّه منسيّ؟
متى يَطلب لبنانُ الرسميّ، بشكلٍ واضح ومباشر، من الدولة الفرنسيّة الإفراجَ عن هذا المواطن اللبنانيّ، المخطوف (نعم المخطوف!)، حتى بعد انتهاء «عقوبته» بسبب الضغط الرسميّ الأميركيّ؟
وإذا رفضت الدولةُ الفرنسيّة الطلبَ اللبنانيّ، فما هي خطّةُ لبنان، الرسميّ والشعبيّ والمقاوم، لاسترداد ابنه، وأحدِ مصادر فَخَاره وكرامته، بعد كلّ هذا العذاب الطويل؟ أيدعو لبنانُ الشعبيُّ والمقاوِم، مثلاً، إلى مقاطعة منتوجات وشركات ومَعارض فرنسيّة بارزة لتكون بمثابة نوع من الضغط الشعبيّ والسياسيّ على فرنسا؟
أيّها السادة،
لقد تناهى إلينا، وإلى غيرنا، أنّ بعض ممثّلي الحكومة الفرنسيّة قالوا، في جلساتٍ خاصّةٍ أو مواربةً، إنّ حكومتَهم على استعداد لإطلاق سراح جورج «بمجرّد أن يتحرّكَ لبنانُ رسميّاً،» وتحديداً عبر رئاسة الجمهوريّة أو وزارة الخارجيّة اللبنانيّة. وهذا الموقفُ الفرنسيّ ذكره، بشكلٍ مباشر، الكاتبُ والصحفيّ والإعلاميُّ البارز سامي كليْب قبل نحو شهر، جازماً بأنّ مصدراً مهماً في وزارة الخارجيّة الفرنسيّة قال له حرفياً: «خلّي دولتكم تضْغط علينا!».
وقد تعلمون، أيّها السادة، أنّ قرارَ إصدار الحكم بالسجن مدى الحياة على جورج، في 28/2/1987، «أَدهش معظمَ الخبراء القانونيين» الفرنسيّين، بحسب مراسل نيويورك تايمز في باريس، ريتشارد بيرنستايْن، في 1/3/1987 نعم، إنّ أكثرَ التوقّعات تشاؤماً وسوداويّةً لم يكن ليتخيّل أن يتجاوزَ الحكمُ على جورج 10 سنوات إضافيّة من السجن!
أيّها السادة،
يؤسفنا أن نكون مضطرّين إلى تذكيركم بحقيقةٍ مُرّة: في 21 أكتوبر/ تشرين الاول القادم، أيْ بعد أسابيعَ قليلة، سيدخل جورج إبراهيم عبد الله عامَه الـ34 في سجون فرنسا، «صديقةِ» لبنان!
فما هو المسوِّغ القانونيّ الذي يَستند إليه الفرنسيون لإبقاء هذا المواطن اللبنانيّ، الفلسطينيّ الهوى، الأمميّ التوجّه، في السجون الفرنسيّة، وقد حُقَّ أن يَعرض نفسَه على محكمة للإفراج عنه (بكفالة) منذ عام 1999، أيْ بعد انقضاء 15 عاماً على صدور الحكم بسجنه مدى الحياة سنة 1984؛ علماً أنّه تقدّم باستئنافات عشرَ مرّات، ورُفض طلبُه؟!
إنّ جورج، أيّها السادة، رهينةٌ مختطفةٌ. وإنّ اعتقالَه كان، منذ البدء، خارج نطاق القانون والأحكام، لكون جورج لم يحظَ بمحاكمةٍ عادلة... ولو بالمقاييس الفرنسيّة نفسها (تصوّروا أنّ محاميه الفرنسيّ عمل لصالح المخابرات الفرنسيّة! أبشِرْ بصدْقِ نزاهةٍ يا مربعُ!).
والحقيقة التي باتت متداولةً بشدّة أنّ الولايات المتحدة، راعيةَ الصهيونيّة وداعمَها الأول، تدخّلتْ غيرَ مرّة لمنع إطلاق سراح جورج؛ وأنّ هيلاري كلينتون شخصيّاً تدخّلتْ في هذا الشأن. ومنذ عام 1999، أيْ مذ صار في وسع جورج أن يتقدّم بطلب الإفراج عنه وإبعادِه إلى وطنه الأصليّ، يجري تعطيلُ هذا الإفراج بذريعةٍ معلنةٍ هي «الإرهاب»؛ أما في السرّ فيردّد الخاطفون الفرنسيون كما ذكرنا: «فلتسألْنا عنه حكومتُه اللبنانيّة!» ونحن بدورنا نسأل من جديد: أين مسؤوليّة الدولة اللبنانيّة؟ بل أين مسؤوليّتنا كلبنانيين، دولةً وشعباً ومقاومةً؟
أيّها السادة الكرام،
جورج عبد الله كان، ويبقى، جاهزاً للدفاع عن لبنان وفلسطين في وجه «إسرائيل». وهو لم، ولن، يتراجعَ قيدَ أنملة عن مبادئه ومواقفه النبيلة والشجاعة وانحيازه إلى شعبيْنا. فهل كثيرٌ أن نطلب إليكم أن تبذلوا قصارى جهدكم ليعودَ إلى أهله وشعبه بعد هذه العقود الطويلة والظلم المتمادي؟
إنّ قضيّة جورج ليست قضيّةً شخصيّة؛ إنّها قضيّةُ شعبٍ وأمّة، بل قضيّةُ آلاف الأحرار في العالم. ولعلّكم تعرفون أنّ هناك حملةً لبنانيّة وعربيّة ودوليّة، تشارك فيها عشراتُ المنظّمات والمؤسّسات والقوى الصديقة في العالم (في تونس وأثينا وباريس وبروكسل وتولوز...) من أجل إطلاق سراحه. وقد يهمّكم أن تعلموا أنّ ثمّة دعوةً دوليّةً، أطلقتْها «حملةُ التضامن مع جورج عبد الله» في فرنسا و«شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى» بين 14 و24 أكتوبر (تشرين الأوّل) القادم. وهذه فرصة ليتحرّكَ الجميع... وتحديداً مَن يهمّهم الأمرُ حقّاً!
ولكنّ ذلك كلّه لم يشكّلْ ما يكفي من الضغط على الدولة الفرنسيّة لإطلاق سراحه. فلماذا يظل العبءُ الأكبر من الصمود على كاهل جورج عبد الله وحده؟ ألأنّه لا يشكو مثلاً؟ ألأنّه لا يطلب منكم ذلك؟ ألأنّه ليس «محسوباً» على طائفةٍ أو قبيلة؟ ألأنه ليس الشيخ ابن الشيخ، أو البيك ابن البيك؟ أننساه ونهمله هكذا ونقول: لقد تحرّر لبنان، وصار سيّداً كريماً، ولم يعد هناك أسيرٌ لبنانيّ في سجون الأعداء؟
اسمحوا لنا يا سادة: ستبقى سيادتُنا وحريّتُنا وكرامتُنا منقوصةً ما دام مواطنٌ وبطلٌ في حجم جورج عبد الله في السجن!
إنّ جورج مختطف وبعيد عن أهله وشعبه. لكنّنا نعرف أين هو الآن: إنّه في سجن لانميزان الفرنسيّ. ونعرف أنّ قلبه ينبض كلَّ يوم بعشق لبنان ومقاومته، وبعشق فلسطين وقضيّتها. ونعرف أنّ شعاره المرفوع لن يتغيّر: «لن أساوم. معاً ننتصر، ولن ننتصر إلّا معاً!»
أيّها السادة،
الوقت من عذابٍ ودم. والمسؤوليّة تاريخيّة.