خلال الأسابيع الماضية عانى المسافرون عبر مطار بيروت الدولي، وخصوصاً على رحلات الميدل إيست، تأخّراً غير مبرّر في مواعيد رحلاتهم وصل إلى ساعات من دون أن تصلهم أي توضيحات عن الأسباب. وقد أطلق هذا الأمر موجة من التحليلات عن سلوك مقصود لتبرير الحديث عن توسعة المطار وإنفاق بضعة ملايين من الدولارات عليه، فيما برّرت شركة الميدل إيست الأمر بأنها اضطرت إلى نقل 5 آلاف حاج خلال 60 ساعة، ما أخّر جدول رحلاتها، وهو أمر يضاف إلى الإرباكات الموجودة أصلاً في مطار بيروت.
أحد المسافرين عبر شركة طيران الشرق الأوسط كان قد وصل إلى اليونان حيث أمضى إجازته، إلا أنه فوجئ بتأخير غير مبرّر في رحلة العودة إلى بيروت من دون تقديم موعد محدّد للموعد الجديد. دفعه هذا الأمر إلى الاستغناء عن تذكرة السفر وشراء تذكرة بديلة على شركة طيران أجنبية وصلت إلى لبنان بحسب الوقت المحدّد لها. البحث عن سبب الفرق في التزام مواعيد الرحلات أدى إلى استنتاج مفاده أن المشكلة لا تقع في مطار بيروت، رغم كل الحديث عن تأخير كبير في المطار وقدرة استيعابية ضعيفة وغيرها من المبررات التي حكي عنها، بل المشكلة تكمن في شركة ميدل إيست نفسها. مصادر الشركة لم تنكر هذا الأمر، بل قالت إن ما حصل كان أمراً اضطرارياً، إذ كان «علينا نقل 5 آلاف راكب إلى الحجّ خلال 60 ساعة فقط، وقد أعطيناهم الأولوية ونقلناهم، ونحن فخورون بهذا الأمر رغم ما ترتب من تداعيات لجهة تأخير بعض الرحلات».

التأخير إن لم يحصل بسبب الحجاج الطارئين، فإنه سيحصل
لأسباب أخرى

نقل هذا العدد الكبير من الركاب يتطلب 20 رحلة في حدّ أقصى خلال يومين ونصف يوم، أي 8 رحلات يومياً. تفريغ أسطول طائرات الميدل إيست بكامله لهذه المهمة لا يكفي، ما يعني ــ حُكماً ــ أن الأمر يتطلب تأخيراً في الرحلات الأخرى، ولا سيما تلك الذاهبة إلى أوروبا وأفريقيا، وحتى إلى بعض الدول القريبة. لكن المشكلة لا تكمن في هذا الحدث الاضطراري بحدّ ذاته، بل إن هذا الحدث يأتي فوق مجموعة من الأوضاع الشاذة المتفاقمة في مطار بيروت الدولي، أي إن التأخير إن لم يحصل بسبب الحجاج الطارئين، فإنه سيحصل لأسباب أخرى متعلقة بالإجراءات في مطار بيروت وبقدرته الاستيعابية.
يقول مصدر مطلع إنه منذ مطلع الصيف انتشرت روايات وصور ومقاطع فيديو عن طوابير من المسافرين الواقفين في انتظار التفتيش الأمني أو على كونتوارات تسلُّم الحقائب. في بعض المراحل تطلب الأمر الحضور إلى المطار قبل أكثر من 5 ساعات لضمان الوصول في الوقت المحدد إلى باب الصعود إلى الطائرة. هذه الرواية عما حصل ويحصل هي دقيقة جداً لتوصيف المشهد، وقد استعملت لتبرير الحديث عن توسعة المطار وتوقيع عقود مع الشركات وإنفاق بضعة ملايين من الدولارات، من دون أن يكون المبرر الفعلي قد نوقش بنحو علمي ومناسب. فهذه الرواية الدقيقة تبقى عاجزة عن التقاط أسباب الزحمة. فالمعروف أن مطار بيروت الدولي لم يكن في أفضل حالاته منذ سنوات عديدة. الازدحام مشكلة قديمة، وعلاجها قد لا يكون التوسعة التي يحكى عنها، رغم أن مرفقاً مثل المطار يتطلب رؤية بعيدة الأمد تنظر إلى نموّه وحاجاته في ضوء الفترة المقبلة لا الفترة الحالية فقط. فهل التوسعة المشار إليها، التي خصص لها رئيس الحكومة سعد الحريري اجتماعاً في الأسبوع الماضي كفيلة بأن تزيل مشكلة المطار؟ هل صحيح أن المطار لا يستطيع استيعاب عدد الركاب البالغ 9 ملايين مسافر، وأنه مخصّص لنحو 6 ملايين بالحدّ الأقصى؟ هل الزحمة تظهر في أوقات معيّنة خلال الموسم وتختفي في أوقات أخرى من الموسم نفسه؟
في الواقع، إن الاستثمار في المطار لا يتطلب التوسعة الشاملة التي يحكى عنها، بل يتطلب بضعة استثمارات، أو إنفاق بضعة ملايين من الدولارات على الإجراءات الأمنية وعلى بعض التجهيزات اللوجستية. ففي الفترة التي كان فيها ضغط على رحلات طيران الميدل إيست من أجل نقل الحجاج الـ5 آلاف، تعطّل نظام جرّ الحقائب، ما دفع إدارة المطار إلى الاستعانة بالعمال لنقل الحقائب على أكتافهم. «طلعت براس» عتالي المطار المقهورين والمظلومين الذين يعملون مياومين غبّ الطلب... القصّة بدأت بجرّ الحقائب وانتهت بقضية عمال يسعون إلى تحسين دخلهم.
في رأي بعض المصادر، إن تحسين الإجراءات يخفف ضغطاً يساوي مليون مسافر سنوياً، لكن يجب الأخذ في الاعتبار السنوات المقبلة ونموّ عدد المسافرين. لا يجب أن يغرق المطار بالزحمة، ولا يجب أن تغرق الخزينة في الإنفاق.