مع دخول التكنولوجيا حياتنا بشكل كامل، وتطوّر أساليب الاختراق والقرصنة، بات لا بد من حماية أجهزتنا بما يجاري التطوّر الحاصل. على مدى فترة طويلة، كانت كلمات المرور (passwords) الوسيلة الأكثر انتشاراً لحماية حساباتنا وأجهزتنا. لاحقاً، انتشرت وسائل الأمن البيومتري مثل بصمة الإصبع عوض كلمات المرور، لتظهر في السنوات الأخيرة تقنية التعرف إلى الوجه، فباتت هواتفنا تفتح عند رؤية وجوهنا. مستقبلاً، سيتخطى الأمر البصمات والوجوه.
إذ ستصبح الأجهزة الإلكترونية تفتح مع دقات القلب؛ وعندما نقول مستقبلاً نتحدث عن موعد توفّر التقنية للعموم لأن هذه التقنية باتت واقعاً حققته مجموعة من علماء الكمبيوتر في جامعة بافالو في نيويورك، حيث تم تطوير نظام أمن حاسوبي يستخدم مقاييس القلب للتعرّف إلى الأشخاص. يعمل نظام المصادقة عن طريق المسح الضوئي للقلب، فيستخدم شكل القلب وحجمه كسمات بيومترية فريدة من نوعها لتحديد هوية الشخص وإعطائه إذن الدخول إلى جهازه. عملياً، يعني هذا الأمر أن جهازك سيكون قادراً على التعرف إليك عندما تجلس أمامه أو تقترب منه، وبالتالي يعطيك إذناً بالدخول، وعند الابتعاد عن الجهاز يتم تلقائياً تسجيل الخروج.

يشكّل النظام بديلاً آمناً وربما أكثر فعالية من كلمات السر وغيرها من المعرفات البيومترية

تشرح الجامعة في بيانها أنّ النظام يستخدم رادار دوبلر منخفض المستوى لقياس القلب، ثم يراقب القلب باستمرار للتأكد من عدم تدخل أي شخص آخر لتشغيل الكمبيوتر. يحتاج النظام إلى حوالى 8 ثوان لمسح القلب في المرة الأولى، وبعد ذلك بإمكان الشاشة التعرف باستمرار إلى القلب. يستخدم النظام هندسة القلب من شكله وحجمه وكيفية تحركه لتحديد الهوية. ويقول الباحث ونياو شو، المؤلف الرئيسي للدراسة، والأستاذ المساعد في قسم علوم الحاسوب والهندسة في كلية الهندسة والهندسة التطبيقية في جامعة كاليفورنيا، إنه لا يوجد شخصان يمتلكان قلبين متطابقين، وبالتالي فإن نظام المصادقة المرتكز على القلب لا يمكن خداعه من قبل شخص آخر، ما يجعله وسيلة موثوقة لحماية الأجهزة.
استخدمت نظم القياس الحيوية القائمة على القلب منذ ما يقرب من عقد من الزمن، باستخدام الأقطاب الكهربائية التي تقيس إشارات الكهرباء في القلب. ولكن لم يستطع أحد أن يحدد الصفات الهندسية للقلب عن بعد، من دون أي لمس للجسد، وهو ما استطاع العلماء تحقيقه، وفق بيان الجامعة. وقد أجرى الباحثون دراسة على 78 شخصاً، ووجدوا أن نظام مسح القلب سجل دقة متوازنة بنسبة 98.61% مع معدل خطأ متساو بنسبة 4.42%.
ويوضح شو أن «للنظام الجديد مزايا عدة يتفوق بها على أدوات القياس الحيوية الحالية مثل بصمات الأصابع وعمليات المسح الشبكية. فالمستخدمون لا يحتاجون إلى لمس الجهاز أو التحديق به ليفتح، كما أن النظام يراقب المستخدمين باستمرار، وهذا يعني أن الكمبيوتر لن يعمل إذا كان شخص آخر أمامه، لذلك، لا ضرورة لتسجيل الخروج. إذ بمجرد ابتعاد الشخص عن الجهاز يتم إغلاقه».
لكن هل يمكن أن يؤثر هذا المسح الضوئي المستمر للقلب على صحة المستخدم؟ يجيب شو بأنّ «قوة إشارة رادار النظام أقل بكثير من شبكة الـ wifi، وبالتالي لا تشكل أي تهديد صحي. فنحن نعيش في بيئة تنتشر فيها إشارات الـ wifi بشكل كامل، والنظام الجديد آمن مثل تلك الأجهزة. تبلغ قوة الجهاز القارئ لدقات القلب حوالى 5 ميلي واط، أي أقل من 1% من الطاقة الناتجة من الهواتف الذكية».
وسيقدم الباحثون ورقتهم التي تحمل عنوان «فحص القلب: نظام مصادقة قلب المستخدم غير المتصل والمستمر» في مؤتمر «موبيكوم» الذي ينعقد الشهر الجاري، آملين أن يتم استخدام هذه التقنية في جميع الكمبيوترات «لأن الجميع يحتاج إلى الخصوصية». وفي رأيهم، يشكّل النظام بديلاً آمناً وربما أكثر فعالية من كلمات السر وغيرها من المعرفات البيومترية، ويمكن في نهاية المطاف أن تستخدم للهواتف الذكية وفي نقاط التفتيش في المطار.