لطالما كان النائب ميشال المر الزعيم الأوحد لغالبية رؤساء بلديات المتن الشمالي. حتى في ذروة دخول التيار الوطني الحر إلى القضاء قبل نحو 11 عاماً، لم يتمكن العونيون من ليّ ذراع المر، ولا استطاعوا خرق شبكة «ريّاسه» ومخاتيره التي حافظ عليها في كل الاستحقاقات البلدية بعد 2005. ولطالما شكل هؤلاء «الريّاس» والمخاتير ماكينة النائب الأرثوذكسي الانتخابية التي كانت تصنع منه «حزباً» ينافس بقية الأحزاب المسيحية.
كل ذلك يبدو اليوم من الماضي. عقب إقرار القانون النسبي وآلية الاقتراع بحسب الصوت التفضيلي، اهتزت إمبراطورية المر للمرة الأولى. وبعدما كانت الأحزاب تلهث وراء انضمام «زعيم العمارة» إلى لائحتها، بات الأخير عبئاً ثقيلاً على أي لائحة حزبية. فيما لا قيمة فعلية بعد الآن لشبكة رؤساء البلدية الذين كان باستطاعتهم المونة على ناخبهم بتشطيب أحد الأسماء مقابل وضع اسم المر مكانه. ولا قدرة لهم على التأثير كثيراً في النتيجة كما في السابق، إذ بات يفترض بهم حسم خيارهم بوضوح بعد أن وضع الناخب أمام خيار صعب يجبره على انتخاب لائحة والتقيد بها، فانتفت نقطة قوة المر التي كانت تتمثل بالناخبين الملونين: «كتائب مر» و«قوات مر» و«تيار مر». إذ سيعود هؤلاء في نهاية المطاف إلى أحزابهم عند تخييرهم بين وهب صوتهم التفضيلي للحزب أو للنائب ميشال المر.
في الميزان الانتخابي، كل اللوائح لا تريد «أبو الياس». فالكتائب الذي يسعى جاهداً لطرق باب المجتمع المدني، لم تعد تناسبه صورة المر إلى جانبه، وحزب القوات غير قادر فعلياً على تأمين الحاصل الانتخابي ويخشى في حال تأمينه عبر ضمّ المر إليه، أن يفوز المر بفارق الأصوات التفضيلية ويسقط مرشحه الخاص. أما التيار الوطني الحر، فلديه مرشحه الخاص عن المقعد الأرثوذكسي، ويفضل إن أراد إنجاح مرشح أن يكون حزبياً أو ينضم إلى تكتل التغيير والإصلاح، وهو ما لا ينطبق على وضع المر. فيما يعجز الطاشناق، هذه المرة، عن منح ولو صوتاً واحداً لحليفه التاريخي، نظراً إلى حاجته لصبّ كل أصواته في مصلحة مرشحه الخاص. لذلك لا أفق اليوم للنائب البتغريني سوى تشكيل لائحة مستقلة والعمل جاهداً على التحالف مع مرشحين يضيفون إلى رصيده رصيداً كي ينال الحاصل الانتخابي.

بإمكان التيار تجريد
المر من آخر أسلحته، أي رؤساء البلديات باسم العهد القوي

من جهة أخرى، بات المر يفتقد عناصر قوته السابقة: السلطة، رؤساء البلديات والمخاتير. فبعد أن كان يسيطر على كل مؤسسات المتن العامة وإداراته وقائمقاميته، قضت التشكيلات الأخيرة على رجاله، ولم يبق له سوى اتحاد بلديات القضاء الذي ترأسه ابنته ميرنا ورئيس التنظيم المدني ميشال المر الذي يتشاركه والتيار. كذلك خسر أخيراً الموقع الرئيسي له في وزارة الداخلية، المتمثل برئيسة دائرة الأحوال الشخصية سوزان خوري، بعد أن حل مكانها العميد الياس خوري. وأهمية هذا الموقع تكمن في قدرة التأثير بالمخافر وقوى الأمن. وهو خسر قضائياً مع دخول الأحزاب المسيحية إلى السلطة وانتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً وما رافق ذلك من تشكيلات قضت على جزء كبير من نفوذ المر. على المقلب البلدي، إذا رغب التيار الوطني الحر في خوض معركة شرسة في القضاء (وهو ما يتوقع أن يفعله)، فإنه سيجرد المر من آخر أسلحته، أي رؤساء البلديات الذين يدركون جيداً معنى أن يكون رئيس التيار الوطني الحر السابق ميشال عون رئيساً للجمهورية ومدى ارتباط موقعهم ومصالحهم بالعهد. أما المخاتير، فما عادوا يخضعون لهيبة المر بعد أن كان يديرهم بواسطة مأموري النفوس. فهؤلاء خرجوا من دائرة نفوذه، وآخر مأمورة نفوس من أنصاره في بلدة الجديدة أحيلت منذ مدة على التقاعد وحلّ مكانها مأمور ينتمي إلى التيار الوطني الحر.
رغم كل ما سبق، يجمع خبراء الاستطلاع على أن قوة المر الفردية تراوح بين 2500 و3000 صوت، إذ إن هناك من لا يزال يؤمن بزعامة المر وإرث الأربعين عاماً الذي راكمه طوال وجوده في السلطة. وهذه الأصوات، على ما تقول مصادر متنية، هي أصواته الخاصة التي لا يتشاركها مع أحد. أضف إلى ذلك أن معركة الصوت التفضيلي المقبلة ستكون مذهبية صرفاً، ما يعني حصر الصوت الأرثوذكسي بالمرشح الأرثوذكسي فقط. وهو ما سيؤمن للمر عدداً لا يستهان به من الأصوات نتيجة عدم وجود منافسة فعلية على المقعدين الأرثوذكسيين اللذين يترشح عليهما اليوم الوزير السابق الياس بو صعب وهو. ولكن حتى إن صح ذلك، فلا قيمة للصوت التفضيلي بغياب لائحة تؤمن للمر الحاصل الانتخابي للفوز بمقعد، ما يجعل معركته الرئيسية اليوم هي البحث عن داعم أو تشكيل لائحة يتمكن أعضاؤها من إفادة المر لا الاستفادة منه.