الأحاديث المتزايدة عن توسيع الجهاديين نشاطهم إلى دول جديدة لم تعد مجرّد كلام نظري. ثمة معلومات مؤكدة بدأت في التوافر أخيراً عن استعدادات تقوم بها بعض التنظيمات المتطرفة تمهيداً لبدء انتقالات منظّمة إلى «ثغور جديدة للجهاد». وفي خلال الشهر الأخير سُجّلت تحرّكات جديدة يقوم بها أويغور «الحزب الإسلامي التركستاني» داخل معظم مناطق سيطرته وانتشاره في أرياف محافظة إدلب على وجه الخصوص.
وخلافاً لكل ما دأب عليه التنظيم المتطرف منذ دخوله الحرب السوريّة، جاءت تحركاته الأخيرة غير آبهة للعلاقة مع سكّان تلك المناطق. تؤكد مصادر محليّة لـ«الأخبار» أنّ «الحزب الإسلامي التركستاني يبدو وكأنّه قد أخرج من حساباته ضرورة الحفاظ على علاقة طيبة ومستقرة مع السكان المحليين». وفيما كان مسلحو الأويغور المتطرفون قد حرصوا على امتداد العامين الماضيين على تجنب الاحتكاك بالسكان إلا للضرورات والاعتماد على وسطاء (غالباً ما كانوا من السوريين التركمان) للتعامل مع السكان إذا اقتضت الضرورة، اختلف الحال أخيراً ودخل عناصر من «الحزب الإسلامي التركستاني» في صدامات مباشرة مع الأهالي في غيرِ بلدة. تؤكد المصادر أن «أسباب تلك الصّدامات تتمحور حول استيلاء عناصر الحزب على ممتلكات خاصّة، ونهب ما يمكن نقله منها مثل معاصر الزيتون. علاوة على وضع أيديهم على أراضٍ زراعية وبيوت ومبانٍ ومطالبة أصحاب تلك الممتلكات بدفع مبالغ مالية كبيرة في مقابل ردّها إليهم، والتهديد بتخريبها في حال عدم الدفع».
وتأتي هذه السلوكيات لتكمّل سلوكيّات مماثلة كان التنظيم المتطرف قد قام بها في ما يخص الممتلكات العامة، التي تؤكد المصادر أنّه كثّف أيضاً عمله على نهبها في خلال الشهور الأخيرة.

يُراد تحصيل أكبر قدر من المكتسبات المالية قبل مغادرة مناطق انتشارهم
وبعدما كان التنظيم يحرص سابقاً على نهب تلك الممتلكات بهدوء، متوخيّاً عدم لفت الانتباه، لم يعد أخيراً يهتم بهذا التفصيل، وصار يمارس أعمال النهب علناً بوتيرة شديدة التسارع. وسُجلت في هذا الإطار أعمال تجريف «تل القرقور» الأثري الذي يقع جنوب جسر الشغور قرب المدخل الشمالي لسهل الغاب. وجاءت أعمال التجريف بهدف البحث عن كنوز ولُقى أثرية على ما يبدو. وتؤكد مصادر محليّة أنّ تلك الأعمال «جرت بإشراف أشخاص وفدوا بلباس مدني ولا تدلّ أشكالهم على أنهم من الأويغور، وهم في الوقت نفسه ليسوا سوريين». ومن المرجّح أن المشرفين المذكورين هم خبراء في أعمال التنقيب، وأنهم عقدوا اتفاقات مع «التركستاني» تتيح لهم التنقيب عن تلك الكنوز مقابل مبالغ مادية. وعلى نحو مماثل سُجّل قيام عناصر «الحزب الإسلامي» بعمليات نبش واسعة للمدافن المسيحية الموجودة في قرى يحضر فيها التنظيم المتطرّف مثل اليعقوبيّة والقنيّة. كذلك استكمل «الحزب التركستاني» أعمال تفكيك خطوط السكك الحديدية الواقعة في مناطق سيطرته، وأحدث العمليات تلك التي تجري حالياً بين قريتي الكفير وزيزون. ومن المرجّح أن تكثيف تلك الأعمال والقيام بها علناً يأتي بمثابة تمهيد لانسحاب يعتزم «التركستاني» تنفيذه من معظم تلك المناطق، وهو ما يفسّر عدم اكتراثه بتخريب العلاقة بينه وبين السكان بعد أن حرص على الحفاظ عليها سابقاً. وانصبّ اهتمام «التركستاني» أخيراً على تحصيل أكبر قدر ممكن من المكتسبات الماليّة قبل مغادرة مناطق انتشاره الحاليّة. ويعزز هذا السيناريو أن الأويغور نقلوا في الفترة الأخيرة قسماً من عائلاتهم التي كانت قد استقرّت في تلك المناطق طوال العامين الماضيين. وتشير معلومات مؤكدة إلى أن جزءاً كبيراً من العائلات الأويغورية المنتقلة قصدت عدداً من المناطق الحدودية مع تركيا. كذلك سُجلت في الفترة الأخيرة زيادة في أعداد العائلات الأويغورية الوافدة إلى مناطق سيطرة «درع الفرات» في الشمال السوري، وعلى وجه الخصوص مدينة جرابلس الحدوديّة. ويبدو أن هذه التطورات ترتبط بنحو وثيق بالتوافقات التي يعمل عليها الأتراك والروس في شأن مستقبل محافظة إدلب. وهي توافقات يُنتظر أن تفضي إلى خلق واقع جديد في أرياف المحافظة، ولا سيما تلك المحاذية لمحافظات أخرى مثل جسر الشغور القريبة من اللاذقية. في المقابل، يبدو الأتراك مطمئنين إلى سيطرتهم المستقرة في مناطق «درع الفرات» ومن بينها جرابلس، وهي مناطق صارت أشبه بـ«مناطق آمنة» لا يُسجل فيها أي نشاط عسكري أو عمليات قصف جوي، ما يجعلها خياراً مثاليّاً لاستقرار العائلات الأويغوريّة في المدى المنظور. في الوقت نفسه، لوحظَ تطور جديد في العلاقة بين «الحزب التركستاني» وتنظيم «جبهة النصرة». وبعد أن كانت العلاقة بين الطرفين مقتصرة على التنسيق العسكري في المعارك ضد الجيش السوري على بعض الجبهات، باتت في الشهور الأخيرة أقرب إلى علاقة ترابط عضوي. وكانت ملامح هذا التغيّر قد بدأت إبّان الاقتتال الذي اندلع في آب الماضي بين «النصرة» و«حركة أحرار الشام الإسلاميّة»، حيث تخلّى «التركستاني» عن «النأي بالنفس» الذي اعتاد التزامه في الخلافات السابقة بين المجموعات، وانخرط في القتال إلى جانب «النصرة» ضد «الأحرار». كذلك تبادل الطرفان السيطرة على بعض القرى باتفاقات ثنائية. وأخلى التركستان عدداً من مقارهم المحيطة بجبل الزاوية وسلّموها للنصرة، ولا سيما مقارهم في قرية بسنقول. وتؤكد مصادر جهادية موثوقة أنّ «الحزب التركستاني بدأ أخيراً بتسجيل أسماء بعض الشبان الأويغور الراغبين في مغادرة سوريا نهائياً والانتقال للجهاد في بلدان أخرى». ويحصل الشبّان الراغبون بالانخراط في هذه العمليّة على ضمانات تتعلّق بعائلاتهم ونقلها إلى مناطق مستقرة، إضافة إلى منح تلك العائلات مبالغ شهريّة ثابتة ومساكن مجانيّة في «المناطق الآمنة» الخاضعة لنفوذ أنقرة.