دخلت الجبهات اليمنية، منذ حوالى أربعة أيام، طوراً جديداً من التصعيد، بعدما شهدت خلال الأسابيع الماضية هدوءاً ملحوظاً انعكس انخفاضاً في مستوى التحشيد. هذا التصعيد يبدو أنه يأتي ترجمة للتصريحات الأخيرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي حدّد، دون مواربة، أهدافه من الحرب، والتي يظن أن بمقدوره تحقيقها من خلال تكثيف الضغوط على «أنصار الله»، بالاستفادة من الخلاف الحاصل بين الأخيرة والرئيس السابق علي عبدالله صالح.
من هنا، تتتابع الهجمات الشرسة التي تشنّها القوات الموالية للرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، في منطقة نهم، تحت غطاء جوي كثيف من طائرات «التحالف»، والتي تجهد من خلالها لتحقيق خروقات وازنة، لكن بخسائر كبيرة إلى الآن، وصلت حدّ مقتل أحد قيادييها، وهو قائد «المقاومة الشعبية» في نهم.
يوم أمس، بلغت تلك الهجمات ذروتها بإطلاق القوات الموالية لهادي أكثر من ثمانية زحوفات من محاور مختلفة، اندلعت على إثرها اشتباكات عنيفة مع مقاتلي «أنصار الله» أدت إلى مقتل القيادي في حزب «الإصلاح»، قائد «المقاومة الشعبية» في نهم، ضيف الله عامر. وفيما ذكرت قوات هادي أنها تمكنت من السيطرة على آخر القرى الواقعة شمالي المديرية، إلى جانب قرية بيت البوري الواقعة جنوبيها، قالت «أنصار الله» إن الجيش واللجان الشعبية تصدّيا لهذه الزحوفات، وأرجعا القوات المهاجِمة إلى مواقعها. ترافق ذلك مع الدفع بمئات المقاتلين من محافظتي عمران وصعدة باتجاه نهم، التي كانت شهدت فتوراً إثر تراجع هجمات قوات هادي على «تبابها».
وجاء هجوم أمس، الذي يُعدّ الأعنف من بين الهجمات الأخيرة، عقب يوم واحد من زيارة قام بها نائب هادي، الجنرال علي محسن الأحمر، إلى جبهة نهم، حيث اجتمع بقيادة المنطقة العسكرية السابعة وعدد من قيادات «المقاومة» في المنطقة. ووفق المعلومات الواردة من هناك، فإن الأحمر استحثّ تلك القيادات على الاستفادة ممّا سمّاها «الفرصة الأخيرة»، واعداً إياهم بتعزيزات قادمة من مأرب ومن السعودية، ومُوزِّعاً المهمات القتالية على كلّ منهم.
وكانت قوات هادي قد بدأت محاولاتها التقدم في نهم منذ فجر الأحد، حيث شنّت، بمساندة طائرات «التحالف»، هجمات متزامنة من أربعة محاور، قالت «أنصار الله» إنها تمكّنت من «كسرها»، موقِعة خسائر بشرية ومادية في صفوف القوات المهاجِمة. وصاحبت الهجمات في نهم محاولات تقدم مماثلة في مديرية صرواح في محافظة مأرب، حيث أغارت القوات الموالية لهادي على مواقع «أنصار الله» في أسفل تبة المطار، بالتزامن مع غارات من جهة العطيف صوب فرع العرقوب والمشجح.

زار علي محسن
الأحمر الجبهة،
وتحدث أمام قادتها عن الفرصة الأخيرة

ويبدو، من خلال استماتة قوات هادي في كلّ من نهم وصرواح على الرغم من ارتفاع الخسائر البشرية في صفوفها، أنها تتعرض لضغوط كبيرة من قبل «التحالف»، الذي يُقدّر مراقبون أن يكون الهدف من تحركاته الجديدة الوصول إلى أطراف صنعاء، لإرغام «أنصار الله» على القبول بشروطه والوصول إلى تسوية كيفما كان. هدف يتطلّع إليه «التحالف»، أيضاً، من خلال خطة مستحدثة، حصلت عليها «أنصار الله»، لـ«تحرير» مديرية خب والشعف في محافظة الجوف، ونقل المعركة إلى محافظة عمران، والسيطرة على مناطق حدودية مع السعودية. ووفق مصادر الحركة، فإن الخطة التي أعدّتها قوات هادي في مأرب، واستحصلت على موافقة «التحالف»، وكُلّف بقيادتها قائد المنطقة العسكرية الثالثة اللواء أمين الوائلي، تم إحباطها قبل انطلاقها.
لكنه ليس معلوماً إن كانت ضغوط «التحالف» على القوات الموالية لهادي ستؤتي ثمارها، على الرغم من تشديد الجنرال الأحمر على «استمرار السير والتقدم» وفق الخطط المرسومة، وتأكيد الناطق باسم تلك القوات، العميد الركن عبده مجلي، أن «التصعيد العسكري في جبهات نهم سوف يستمر، مهما كلف ذلك من ثمن، حتى الوصول إلى صنعاء»، إذ إن المصادر المقرّبة من «المقاومة» لا تخفي امتعاض الأخيرة من الزج بمئات المقاتلين في مناطق مكشوفة من الخلف، واصفة ذلك بـ«الانتحار»، ومؤكدة «تلقّي المقاومة رسائل تهديد من التحالف بالتصفية بواسطة الطائرات في حال تراجعها».
كذلك لا تخفي مصادر «المقاومة» تململها من ارتفاع الخسائر البشرية في صفوفها بسبب صعوبة المعركة في نهم، التي تساعد تضاريسها الشديدة الوعورة «أنصار الله» على صدّ الهجمات المتكررة على مواقعها. وتشكو تلك المصادر، فضلاً عن ذلك، حرمان عناصر «المقاومة» من مستحقاتهم، بسبب عمليات الفساد الواسعة المتفشّية في صفوف «الشرعية».
على خطّ مواز، تتالت أمس ردود الفعل المندّدة بالمجزرة التي ارتكبتها طائرات «التحالف»، أول من أمس، في محافظة صعدة، والتي أودت بحياة ما لا يقل عن 29 مدنياً. ودان مجلس النواب والمكتب السياسي لـ«أنصار الله» المجزرة، معتبرَين إياها دليلاً على «إفلاس العدوان وفشله الذريع وتخبّطه الواضح». وكانت الأمم المتحدة قد أعربت عن قلقها إزاء ما سمّتها «تقارير» عن سقوط مدنيين بضربة لـ«التحالف» في صعدة، فيما أعلنت السعودية أنها ستحقق في ما وصفتها بـ«الادعاءات» في هذا الشأن، مكرّرة لوازمها بشأن «التزامها قواعد القانون الدولي الإنساني» في عملياتها في اليمن. وأغارت طائرات «التحالف»، الأربعاء، على سوق شعبية في مديرية سحار، ما أدى إلى مقتل 29 مدنياً، وجرح 28 آخرين.
(الأخبار)