قبل يومين، رفعت الكاتبة والمخرجة السورية ديانا فارس (الصورة) صوتها عالياً، موجّهة خطاب شكوى للرئيس السوري بشار الأسد عبر صفحتها على الفايسبوك، على خلفية ما تتعرّض له وفق قالت من «إهانات وأذية على يد وزير الثقافة محمد الأحمد وسكرتيرته ديانا باكير». يأتي ذلك بعد نقلها إلى «مكتبة الأسد» وتكليفها بتوجيه من سكرتيرة الوزير، العمل في أرشفة مجموعة كبيرة من المخطوطات والكتب، ورمي اختصاصها الدرامي جانباً، والتغاضي عن أي منجز لها باستثناء عملها في الرقابة والتفتيش ضمن «مؤسسة السينما» وهو السبب الحقيقي من وجهة نظرها وراء السلوك العدائي لها، على اعتبار أن الوزير كان مديراً عاماً للمؤسسة حينها.
وأوضحت فارس أنّ السكرتيرة «محالة لمحاكمات عدّة وقد تم الحجز على أموالها في ذلك العهد». أريد للرسالة أن تكون تنبيهاً بسيطاً للتصفيات التي تنتهجها الوزارة بحق من يتجرّأ على «أسياده» من المسؤولين ويرفض أساليب عملهم. فسرعان ما وصل البلل إلى ذقن الصحافيين، وأطيح بالصحافي السوري بديع صنيج من منصبه كأمين تحرير للشؤون الثقافية في جريدة «تشرين» الحكومية، وهو ما ربطه المتابعون بمعركته الأخيرة مع «المؤسسة العامة للسينما» بعدما كتب مقالاً سخر فيه من المهرجانات البائسة التي تقيمها، قائلاً: «برامج تلك المهرجانات موجودة في معظمها على الورق فقط، وكثيراً ما حضر بعض تلك الأفلام شخصان أو ثلاثة، والأهم أن جُلَّ الشرائط المعروضة ما هي إلا ملفات «تورنت» مُحمَّلة عبر القرصنة الإلكترونية، أو بأفضل الحالات أقراص «دي في دي» موصولة على جهاز إسقاط، كأن شعار القائمين على تلك المهرجانات «بلا 35 ملم وبلا بطيخ»، (...) المهم إحياء المهرجانات لأجل المهرجانات». ليأتيه الرد الرسمي الذي تعيد غالبية مؤسسات الدولة ترتيب مفرداته المحنطة ذاتها وقالت فيه: «سوريا ليس فيها صحافة صفراء، تقاليد العمل الصحافي فيها جدية وصارمة وبعيدة عن هذا النوع من الإعلام الابتزازي الفضائحي، لكن بين حين وآخر يبرز هنا أو هناك صحافي يتوق لاستيراد هذا النوع من الصحافة وزرعه في جرائد... نتمنى أن نتكاتف جميعاً للحيلولة دون ذلك».
وما هي إلا أيّام حتى طار الصحافي من مكانه وظلت المؤسسة على حالها، وهي التي تواجه حرباً نقدية إعلامية، فيما يعتبر المسؤولون في المؤسسة أن القائمين عليها يصفّون خلافات شخصية نتيجة مصالح فردية. فعلياً، لا تبدو «وزارة الثقافة» أحسن حالاً من غالبية القطاعات السورية، لكن الخيبة هنا تصل إلى ذروتها، خصوصاً أن الآمال تعلّق على أصحاب قرار هم بالأصل فنّانون وكتاب ونقّاد، إلا أنّهم بمجرّد أن يصلوا خلف المكاتب الأنيقة، حتى يطيحوا بمنجزهم، ويرموا نظرياتهم، ويحيلوا أصواتهم النضالية بمواجهة كل من يعارضهم. ببساطة، هم يمتثلون للفعل الدرامي التقليدي في المسلسلات السورية الساخرة مثل «مرايا» و«بقعة ضوء»، وهي ربما أكثر الأعمال التي تؤثر فيهم، فيصدرون قرارات بنقل من يريدون تصفيته المعنوية إلى الأرشيف، وينزلون شارة النهاية الرديئة، من دون أن يسمحوا لغير أسمائهم بالمرور!