باريس | عن 92 عاماً، غيب الموت الروائي جان دورموسون، أحد أبرز أعضاء الأكاديمية الفرنسية. فاز صاحب «مجد الإمبراطورية» بالجائزة الكبرى لهذه المؤسسة العريقة، عام 1971، ثم أحدث مفاجأة كبيرة، حين فاز بعضويتها، بعدها بعامين فقط، ليكون أحد أعضاء الأكاديمية الأصغر سناً. وبالرغم من أنه اشتهر آنذاك بوصفه «المثقف اليميني الوحيد في موطن سارتر»، الا أنه لعب دوراً مركزياً في عصرنة الأكاديمية العتيدة، ونفض الغبار عنها، بعدما كانت «قلعة للفكر المحافظ».
عام 1980، نجح دورموسون في «إرغام» الأكاديمية على فتح أبوابها للنساء، للمرة الأولى، بقبول عضوية الروائية مارغريت يورسينار، عام 1980. وبعد ذلك التاريخ بثلاثة عقود، ألقى جان دورموسون خطابه الشهير والمؤثر في الأكاديمية، خلال مراسيم الترحيب بعضوية المناضلة النسائية الكبيرة، سيمون فاي.
انتصاره لنضالات النساء والنفس «الإنساني} الذي اتسمت به كتاباته الأدبية والصحافية، اغتفرا لدى الانتلجنسيا الثقافية الفرنسية، التي ضمّت بعض الرموز اليسارية الهامة، الانتماءات السياسية اليمينية لصاحب «وأنت يا قلبي لمن تنبض». بالرغم من أنه أصبح حامل لواء العداء للشيوعية والعالم ثالثية، في الفترة الموالية لانتفاضة مايو 1968، وتولى إدارة صحيفة «لوفيغارو» اليمينية، ثم أصبح أحد أبرز كتاب الافتتاحيات فيها على مدى أربعين عاماً، الا أن الرئيس ميتران اختاره، دوناً عن كل مريديه من كُتّاب اليسار، لتناول آخر وجبة إفطار معه في قصر الإليزيه، قبل مغادرته الحكم، عام 1995!
بعد ذلك التاريخ بست سنوات، فاجأ عراب «الموجة الجديدة» السينمائية، التي خرجت من رحم الانتفاضة الستينية، جان لوك غودار، جمهوره باختياره «كاتباً رجعياً» مثل دورموسون لتقمص أحد الأدوار الرئيسيّة في فيلمه «في مديح الحب». تجربة فاخر بها دورموسون طويلاً، كونها سلطت الضوء على نظرته الرومانسية الى الكتابة والحياة، وهو الذي ظل يحلم بأن يكون «شاتوبريان عصره».
جدد دورموسون تجربة التمثيل، عام 2012، بتقمصه دور رئيس الجمهورية في فيلم «نكهة القصر» لكريستيان فانسون. وكان منطلقه لخوض هذه التجارب فضوله الجارف لاكتشاف كل جديد، وحرصه الدائم على كسر الصورة النمطية لأعضاء الأكاديمية الفرنسية بوصفهم «أشخاصاً وقورين وجديين فوق اللزوم»، كما كان يقول.
لكن شعبية دورموسون الأدبية، وروح الفكاهة التي يشتهر بها، وتفتحه الفكري الذي جعله يرتبط بعلاقات صداقة وثيقة، حتى مع خصومه السياسيين، أمثال فرانسوا ميتران وجاك لانغ، وجان لوك ميلانشون، لن تمحو من الاذهان تأييده المعلن لليمين في مختلف المعتركات الانتخابية الفرنسية، من وقوفه الى جانب جيسكار ديستان، عام 1981، الى دعمه نيكولا ساركوزي عام 2007، وصولاً الى مباركته الماكرونية العام الماضي. كما لن يمحو ذلك تأييده الشديد لإسرائيل ومواقفه المعادية للقضية الفلسطينية والموالية للسياسة الأميركية.