="" title="" class="imagecache-250img" />
تصميم سنان عيسى | للصورة المكبرة انقر هنا

أربعون كيلومتراً فقط من الساحل اللبناني البالغ طوله 220 كيلومتراً لا تزال متاحة أمام اللبنانيين، ما يعني أن هؤلاء ممنوعون من ارتياد 80% من الشاطئ. الأسوأ من ذلك أن هناك مشاريع استثمارية «على النار» تهدّد ما تبقّى للبنانيين من شاطئهم.
هذه بعض المعطيات التي جاءت في بحث أعدّه المُخطّط المدني سيباستيان لامي والمهندسة المعمارية سينتيا بوعون، تحت إشراف المعماري سيرج يازجي، وصدر عن «المرصد الجامعي للإعمار وإعادة الإعمار» التابع للأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (جامعة البلمند). وقد عُرض هذا البحث وغيره في مؤتمر «الشاطئ اللبناني والخطة الشاملة لترتيب الأراضي»، الذي نظّمته نقابة المهندسين في بيروت على مدى يومين في مبنى النقابة، برعاية وزير الأشغال يوسف فنيانوس.
النقاش حول «التحولات على الساحل اللبناني»، خلال المؤتمر، كشف عن تداعيات المشاريع المزمع تنفيذها في مناطق عدة على ما تبقى من الشواطئ المفتوحة، وعلى خصوصيتها التراثية والأثرية، وعلى طبيعة استخدامها من قبل العموم.

وتتهدّد هذه المشاريع، القائمة على مبدأ السطو على الملك العام البحري، مواقع عدلون (جنوب) وأنفه وكفرعبيدا والميناء (شمال)، في ظلّ غياب الإرادة السياسية والتشريعية لحماية الشاطئ المتآكل.

تواطؤ التشريعات

ولفتت بوعون إلى أنه ليس هناك قانون حقيقي وعملي وواقعي لحماية الشاطئ اللبناني، «وحتى قرار تحديد الأملاك العمومية (رقم 144/S الصادر في 1925/6/10)، لم ينص على حماية الشاطئ، واقتصر على تحديد الأملاك العمومية البحرية فقط». وأشارت إلى أن الخطة الشاملة لترتيب الأراضي «أُفرغت من مضمونها بسبب مرسوم تصديقها»، إذ لم ينصّ هذا المرسوم (رقم 2366/ 20/6/2009) على حماية الشاطئ، باستثناء المادة التاسعة منه التي ذكرت «عمل الإدارة اللبنانية في إطار القوانين والأنظمة المرعية الإجراء على الحفاظ على المعالم الطبيعية والتراثية للمواقع القائمة على امتداد الشاطئ اللبناني (...)». وأوضحت بوعون أن الخطة الشاملة تضمّنت عشرات الخرائط التي تظهر المواقع الواجب حمايتها، فيما اقتصر المرسوم على إدراج ثلاث خرائط فقط، «وبذلك، مثلاً، يفقد موقع شاطئ كفرعبيدا إمكانية حمايته لعدم إدراجه ضمن الخرائط».
وهذا ما يوافق عليه المدير العام للتنظيم المدني الياس الطويل، مشيراً إلى أن الخطة الشاملة لترتيب الأراضي «تقتصر على توجهات عامة وغير محددة، ولا يمكن اعتبارها نظاماً تفصيلياً يشمل كل المواقع على الشاطئ». وشدّد على ضرورة إعادة النظر في مرسوم إشغال الأملاك العمومية البحرية المعمول به حالياً (رقم 4810 الصادر في 24 أيلول 1962)، إذ إن هذا المرسوم «ليس له سند قانوني لأنه يستند الى قوانين قديمة، ويتضمن الكثير من الشوائب»، لافتاً الى أن مشروع مرسوم جديد يتعلّق بإشغال الملك العام البحري «سيسعى الوزير فنيانوس الى عرضه قريباً على مجلس الوزراء لتصديقه».
منذ عام 2009 صدر أكثر من 100 مرسوم يتعلّق بتصديق مخططات توجيهية. وتقول الباحثة المدينية عبير سقسوق إن «مرسوماً واحداً فقط منها ذكر الخطة الشاملة لترتيب الأراضي واستند الى توجهاتها»، ما يعكس غياب الرؤية والإرادة لحماية الملك العام.
وفيما كان منتظراً من قانون معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية أن يعيد الملك العام المسلوب عبر إزالة المخالفات وإرساء حق العموم بالولوج الحر الى الشاطئ والحفاظ عليه كوحدة متكاملة لا تتجزأ، أتى هذا القانون «ليكرّس الاعتداءات وليعفو عن المعتدين»، على حدّ تعبير المدير التنفيذي لـ«المُفكّرة القانونية» نزار صاغية. ولفت الى أنه خلال مناقشة قانون الموازنة عام 1990، كان هناك توجّه جدي لإبطال كل التراخيص التي أُعطيت للمنتجعات خلال الحرب، «في حين ان نقاش موازنة 2017 تضمّن قانوناً عفا عن كل المخالفين الذين اعتدوا على الملك العام»!

الطمع بالبحر تاريخي!

تتمثّل رؤية السلطة للشاطئ اللبناني باعتباره وسيلة «لتنفيع المُستثمرين». وهذه الرؤية «تاريخية»، بحسب سقسوق التي تُشير الى نموذج إسقاط 150 ألف متر من أملاك عامة بحرية في صيدا، بمرسوم صدر عام 1948. حينها، قضى هذا المرسوم الذي يحمل الرقم 10830 بتحويل أملاك عامة بحرية الى أملاك بلدية خاصة، ما سمح لبلدية صيدا في ما بعد بتأجير هذه الأملاك وبناء فندق «صيدون». واللافت، وفق سقسوق، أن مناطق لبنانية كثيرة لا تحكمها مراسيم تنظيمية، وتستغلّ السلطة هذا الواقع «الفوضوي» لتشرعن البناء المخالف والتعديات، سواء على الأملاك البحرية أو غيرها، بحجة غياب التنظيم!




بيروت محرومة من البحر

تقول أستاذة التخطيط المُدني في الجامعة الأميركية في بيروت منى فواز إن نتائج دراسة ميدانية ستصدر قريباً عن الجامعة تخلص الى أن أكثر من 50% من المناطق المختلفة في بيروت لا يمكن رؤية البحر فيها، «علماً أن القوانين لا تسمح للمطورين العقاريين بارتفاع المباني المُشيدة بالقرب من الشاطئ أكثر من مترين»!




التلوّث حمى شاطئ المنية ــ عكّار!

تبلغ مساحة شاطئ المنية ــــ عكّار نحو 22 كلم مربع، أي نحو 10% من مجمل مساحة الشاطئ اللبناني. وحذّر الاستاذ في جامعة بيروت العربية المهندس زكريا الزعبي من أن هذا الشاطئ مهدد بفعل التلوث والإهمال المتعمّد، مشيراً الى أن مياه الصرف الصحي لأكثر من 25 بلدة موجّهة نحو هذا الشاطئ. لكن إذا كان من «حسنات» لهذا الاهمال، فهي أنه «حمى الشاطئ من المُستثمرين حتى الآن». علماً أن هذه المنطقة تشهد عمليات شفط رمول مستمرة فضلا عن الصيد العشوائي.