باريس | كما كان متوقعاً، أدت جلسة الاستنطاق التي استدعي إليها رئيس شركة «لافارج» السابق، برينو لافون، صباح أمس، إلى وضعه رهن السجن الاحتياطي، تمهيداً لعرضه أمام قاضي التحقيق، غداً الجمعة، لتوجيه التهم القضائية ضده رسمياً، على خلفية فضيحة «لافارج» المتعلقة بشبهات تمويل الإرهاب من خلال دفع أموال غير شرعية لـ«جبهة النصرة» ثم لـ«داعش»، لضمان عدم تعرض المتطرفين لمصنع الإسمنت التابع للشركة قرب مدينة الرقة.
المفاجأة التي جاءت بها جلسة الاستنطاق أمس تمثلت في إدانة مسؤولين كبيرين آخرين، من مساعدي برينو لافون المقربين، وهما المدير العام السابق لـ«لافارج»، إيريك أولسن، والمدير العام المساعد، كريستيان هيرو. تزامن هذه الاعتقالات يشير إلى أن المحققين باتوا متأكدين أن قرار الإبقاء على مصنع «لافارج» في الرقة مفتوحاً، ودفع أموال لمتطرفي «جبهة النصرة» و«داعش» لضمان عدم التعرّض له، لم يكن قراراً فردياً اتخذه مديرو المصنع أو المسؤولون «المحلّلين» عن أمن العاملين فيه.
وكان سبق لرئيس «لافارج» أن استدعاه القضاء، في بداية التحقيقات، خلال شهر فبراير/ شباط الماضي. لكنه خرج حرّاً من مكتب قاضي التحقيق، إذ زعم آنذاك أنه لم يكن على علم بدفع أي أموال لـ«داعش»، قائلاً: «بالنسبة إلي، كان كل شيء تحت السيطرة. وقد تعاملت مع الأمور من منطلق أنه ما دمتُ لم أُبلَّغ بأي شيء من هذا القبيل، فمعنى ذلك أن شيئاً من ذلك لم يحدث فعلياً».
لكن تسارع التحقيقات، على أثر عملية المداهمة التي جرت في مقر «لافارج» في باريس، منتصف الشهر الماضي، وحجز وثائق أدت إلى وضع ثلاثة مديرين تنفيذيين سابقين للشركة رهن السجن الاحتياطي، خلال الأسبوع الماضي، دفعا المحققين إلى إعادة استدعاء برينو لافون مجدداً. ووفقاً لتسريبات الصحافة الفرنسية، فإن استنطاق المديرين الثلاثة الذين اعتقلوا الأسبوع الماضي أدى إلى اعترافات دحضت مزاعم برينو لافون بأنه لم يكن على علم بالممارسات غير الشرعية الهادفة إلى ضمان بقاء مصنع الرقة مفتوحاً.
وأشارت تلك التسريبات بنحو أخص إلى أقوال أدلى بها أمام قاضي التحقيق، يوم الجمعة الماضي، جان جلود فيار، المدير التنفيذي المكلف الشؤون الأمنية لدى «لافارج». أقوال أثبتت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن قيادة «لافارج»، ممثلة برئيسها ومديريها العامين، كانت على علم تام بما اتُّخذ من «احتياطات» لتأمين مصنع الرقة من هجمات المتطرفين.
جلسة استنطاق رئيس «لافارج» ومديريها العامين من قبل محققي «مديرية التحقيقات القضائية الجمركية» التي أوكلت إليها القضية من قبل قاضي التحقيق، رينو فان رامبيك، كانت مناسبة لمواجهة بيرنو لافون وإيريك أولسن وكريستيان هيرو باعترافات مرؤوسيهم الذين اعتقلوا الأسبوع الماضي. وحسب تسريبات نشرتها صحيفة «لوموند»، ظهر أمس، نقلاً عن مصادر مقربة من التحقيق، اعترف كريستيان هيرو، خلال استنطاقه، بأن القيادة العليا لـ«لافارج» كانت على علم بما كان يحدث بخصوص مصنع الرقة، إذ قال: «كان علينا أن نقبل (الابتزاز المالي) أو أن نقرر المغادرة، وأن نضع خطة لترحيل عمال المصنع». وأضاف أنه كانت له في هذا الخصوص «محادثات عدة مع رئيس الشركة برينو لافون».
في ضوء هذ التعريفات الجديدة، كتبت «مديرية التحقيقات القضائية الجمركية» في قرار وضع رئيس «لافارج» ومديريها العامين رهن السجن الاحتياطي، تمهيداً لإحالتهما على قاضي التحقيق: «من المستبعد تماماً ألا يكون بيرنو لافون قد طلب من مديري الشركة تقارير مفصلة بخصوص الوضع الأمني لمصنع يقع في منطقة تشهد حرباً طاحنة»، و«لا شك في أنّ مالكي أسهم الشركة طالبوه بذلك».
من جهتها، اعتبرت الجمعيات غير الحكومية التي حركت الدعوى القضائية ضد «لافارج»، وفي مقدمتها جمعية Sherpa المتخصصة في محاربة الفساد المالي، سجن رئيس «لافارج» ومديريها العامين، «انتصاراً للطرف المدني (رافع الدعوى) الذي كان يناضل منذ بداية التحقيق من أجل إثبات مسؤولية قيادة الشركة وعلمها الكامل بما كان يحدث». وقالت Sherpa إن المحققين «مطالبون الآن بالتثبت من مدى مسؤولية الحكومة الفرنسية وعلمها المسبق بما كانت تقوم به إدارة لافارج لتأمين مصنعها في الرقة».
يذكر أن المحققين كانوا قد استدعوا، في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، لوران فابيوس، وسفيري فرنسيين سابقين في سوريا، هما إيريك شوفالييه وفرانك جيليه. لكن الثلاثة استجوبوا فقط بوصفهم «شهوداً»، ولم توجه إليه أي تهم. لكن الاعتقالات التي جرت أمس ستفضي، على الأرجح، إلى استدعائهم مجدداً، وخاصة أن اسم أحد المديرين المعتقلين أمس، كريستيان هيرو، ورد في الوثائق المصادرة التي كانت سبباً مباشراً في استدعاء فابيوس والسفيرين، إذ جاء في تلك الوثائق أن هيرو كان يجتمع شخصياً، كل ستة أشهر، بالسفير الفرنسي المكلف الملف السوري، للتشاور معه بخصوص مستقبل مصنع الشركة في الرقة.