فتحت عنوان الحصول على رخصة لتشييد منزل بمساحة 150 متراً مربعاً، مثلاً، يجري أحياناً حفر جبل بكامله ونقل صخوره وأتربته! وآخر الأمثلة على ذلك بلدات كروم عرب والحوشب والسويسة، حيث تُسحب الرمول تحت غطاء رخص بناء، وتُنقَل خلسةً إلى معمل شكا للترابة.
ويسهل فهم «الشهوة» لإنشاء هذه الكسارات أو «مناجم الذهب» عند معرفة أن هذه المواد محمية من قبل الدولة اللبنانية عبر زيادة الرسوم الجمركية بنسبة 80% على استيراد الاسمنت من خارج لبنان، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنحو ملحوظ، ويحقق بالتالي أرباحاً طائلة لأصحاب شركات الترابة، ويسبّب ضرراً بيئياً لا يمكن تعويضه، سواء في الجبال التي تُنهَش، والأحراج التي تُدمّر، أو في محيط المعامل.
واللافت أنه بالرغم من تحفظ القوى الأمنية عن السماح بالعمل وسعي قائد منطقة الشمال العقيد يوسف درويش عقب تسلمه مهماته إلى عدم إعطاء رخص لنقل الناتج، إلا أن صاحب العقار في بلدة الحوشب المدعو (ح، ع) والمدعوم من جهات سياسية نافذة، تمكن من الحصول على إحالة لنقل الأتربة إلى شكا، صادرة عن وزارة الداخلية والبلديات، التي عممت على القوى الأمنية ووحدات الدرك اعتماد العمل بالإحالة الثانية التي تجيز له حفر الناتج ونقله لمدة شهر من تاريخ مباشرة العمل.

الترخيص بنقل
الأتربة لشهر واحد «يتمدّد» فتتجاوز «صلاحيته» السنة

ببساطة، مهلة الشهر تطورت لتصبح سنة كاملة، إذ إن صاحب العقار استحصل على رخصة لبناء منزل بمساحة 150 متراً مربعاً في عام 2016، وذلك وفق الأصول القانونية اللازمة، حيث أجرى التنظيم المدني كشفاً، ووافق محافظ عكار عماد لبكي، ليصار بعدها إلى حفر الجبل!
وعقب أخذ ورد، وإقدام المحافظ لبكي على وقف العمل، تمكن صاحب العقار من الحصول ثلاث مرات متتالية على موافقات بنقل الناتج، وآخرها يوم أمس، إذ تبلغت القوى الأمنية من وزارة الداخلية والبلديات بالسماح له بالعمل بالإحالة الثانية التي تجيز له حفر الناتج ونقله.
وتفيد المعطيات بأن ما يجري يُعَدّ سابقة خطيرة لجهة ضرب عرض الحائط بكل القوانين، خصوصاً أن تقرير التنظيم المدني الذي كشف على العقار في شهر تشرين الثاني من عام 2016، وفقاً لإحالة من قبل المحافظ لبكي رقم 2249/2016، بيّن وجود أعمال حفريات وردميات مخالفة للقانون، حيث يجب على مالك العقار التقدم بطلب للحصول على تصريح رسمي واتباع الأصول القانونية اللازمة لأعمال الجرف واستصلاح أرض العقار. لذلك كله، أكد التنظيم المدني في كتابه «أن الكميات المستخرجة أكبر بكثير من الكميات المطلوب حفرها في موقع البناء، وطلب وقف الحفر ودوام المراقبة، مع وضع إشارة على صحيفة العقار رقم 48 منطقة الحوشب العقارية، واعتبارها ورشة موقوفة».
فإذا كان تقرير التنظيم المدني واضحاً، وإحالات المحافظ لبكي واضحة، فكيف جرى التواطؤ لحفر جبل بأكمله ونقله، وأين كانت السلطات الإدارية المكلفة المراقبة على الأرض؟
من هنا، ثمة من يقول إن الكثير من «المعتدين» على البيئة والعاملين في مجال الأتربة والكسارات يسعون إلى إيجاد مخرج لتأمين مصالحهم عبر الالتفاف على القانون والحصول على رخص، وهذه المرة مباشرة من وزارة الداخلية والبلديات، فلمصلحة من تجري هذه المخالفات؟ وهل يرضى وزير الداخلية نهاد المشنوق بما يجري؟