بيان المثقفين الفلسطينيين حول القدس الذي تسرّع بالتوقيع عليه مثقفون عرب، يغرف من «شوربة» أوسلو ليطعم الناس وجبة انتهت صلاحية كل مكوناتها. ولم أكن أحسب أني أعيش إلى زمن يروض فيه مثقفونا وجدانهم بحيث يمسكون بدل الأقلام مقصات تفصّل حجم الوطن على مقاس قدرات موظفين سياسيين عابرين في فترة موحلة.
الوطن ليس قدرات المتفاوضين باسمه مهما كان فيهم من ذكاء أو غباء، والمواطن السوي والمثقف السوي لا يعرّف وطنه بلغة سياسيّ مصاب بوباء إرضاء العدو و«المجتمع الدولي» والدول المانحة ويطالبك بخبثٍ مدروس أن تكون واقعياً، كأن الشهداء والجرحى والأسرى ليسوا واقعاً وكأن الوجع، والصبر، ونفاد الصبر، والتحمّل، والخذلان والتواطؤ ليست واقعاً، وكأن مدهشات الأجيال وممكناتها ومفاجآتها ليست واقعاً. أيها المؤيدون لأوسلو والمستفيدون منها والساكتون عليها طوال ربع قرن، القدس لم يتم احتلالها عام 1967 بل عام 1948 وبعده عام 1967 وهذا ليس رأياً بل رزنامة.
هذا بيان ساكت. يتجنب توجيه أي انتقاد للسياسات والخيارات والقرارات التي طلبت من شعبنا السير خلفها لتحقيق النصر عبر التفاوض ولم تخبره أبداً ماذا ستفعل إن فشلت، وها هو الفشل الساطع آتٍ من كل طريق دون أن يطالب أحدٌ أحداً حتى بالاعتذار.
‏ لا أعرف من صاغ هذا البيان لكني أحترم كثيراً من الأسماء التي يبدو أنها وقعت على عنوانه دون أن تتمعن في تفاصيله بل إن فيهم كتاباً وشعراء وروائيين أعدهم من الأصدقاء والمحبين ولهؤلاء، فلسطينيين وعرباً، أكتب معاتباً لا مهاجماً، راجياً منهم أن يسحبوا توقيعاتهم على هذا البيان. فهم بالتأكيد، بتاريخهم الأدبي والنضالي، قلوبهم في مكان وتوقيعاتهم في مكان آخر.
‏ المثقف هو ابن الحقيقة الباقية. والسياسيّ هو ابن التعليمات والأوامر والوشوشات والتقلبات والتغيرات وموازين القوى. والحقيقة أن فلسطين هي كل فلسطين وأن القدس هي كل القدس.
* شاعر فلسطيني