الاقتباس شائع في مجالات الفن كافة، لا سيّما على صعيدي السينما والمسلسلات، فيما تتباين الآراء حول معاييره وطبيعته وأصول تطبيقه. يعجّ أرشيف الدراما العربية بأمثلة عن أعمال مقتبسة عن نصوص أدبية، أو نسخ من مسلسلات سابقة، أجنبية في معظمها. لكن الملاحظ أنّ الاقتباس أو التعريب، سواء كان أميناً للأصل أو ينطلق من الخطوط العامة لحياكة حبكة وشخصيات وقصص مختلفة، تحوّل في السنوات الماضية إلى «موضة» أو «وصفة سحرية» تلبّي حاجات المنتجين والشاشات العارضة.
سُجّل الانتشار الجديد لهذه الظاهرة مع ولادة مشاريع الدراما العربية المشتركة مع بدء عرض «روبي» (2012) من بطولة سيرين عبد النور ومكسيم خليل وأمير كرارة... على مدى 90 حلقة، عرّبت كلوديا مرشليان المسلسل المكسيكي «روبي» (2004) لتنجز نسخة عربية من إخراج رامي حنّا، بناء على اتفاق بين mbc والمنتج السوري الراحل أديب خير (سامة للإنتاج). ثمّ كرّت سبحة مسلسلات الـ «بان أراب»، لنشاهد «لعبة الموت» (2013 ــ كتابة ريم حنا وإخراج الليث حجو) الذي يستند إلى فيلم Sleeping With The Enemy (1991 ــ إخراج جوزف روبن) المقتبس بدوره عن رواية بالعنوان نفسه لنانسي برايس. في 2014، كان الموعد مع «لو» (إعداد بلال شحادات ونادين جابر، وإخراج سامر البرقاوي) الذي اعتمد على القصة الرئيسية للفيلم الأميركي unfaithful (خائنة) للمخرج أدريان لين، تبعه «تشيللو» (كتابة نجيب نصير وإخراج سامر برقاوي) في السنة التالية عن فيلم Indecent Proposal (عرض غير لائق ــ 1993/ إخراج أدريان لين)، ثم «نص يوم» (2016 ــ سيناريو وحوار باسم السلكا، وإعداد وإخراج سامر البرقاوي) عن فيلم original sin (الخطيئة الأصلية ــ 2001/ إخراج مايكل كريستوفر)، فـ «الهيبة» (كتابة هوزان عكّو وإخراج سامر البرقاوي) في رمضان الماضي الذي ولّد «حمّى» في أوساط المشاهدين. رغم النجاح الجماهيري الذي حظيت به غالبية هذه المسلسلات، إلا أنّها قوبلت بوابل من الانتقادات على خلفية افتقار خلطة الجنسيات للتداخل الطبيعي وغرقها في الافتعال من دون مبرّرات منطقية، إضافة إلى الشخصيات والأحداث البعيدة عن الواقع. وكلّ ذلك طبعاً لغايات تسويقية!
في هذه الفترة، كانت مصر تنتج مشاريع درامية مقتسبة أيضاً، منها «حلاوة الدنيا» (2017 ــ تأليف سما أحمد وإنجي القاسم تحت إشراف السيناريست تامر حبيب) المأخوذ عن نسخة مكسيكية بعنوان Terminales (عام 2008) تبعتها أخرى أميركية في 2014 و2015 باسم Chasing Life. قبل ذلك، كان هناك «هبة رجل الغراب» (2014) عن مسلسل Ugly Betty، و«طريقي» (2015 ــ تأليف تامر حبيب، وإخراج محمد شاكر خضير) المقتبس عن مسلسل فنزويلي، و«عفاريت عدلي علّام» (ﺗﺄﻟﻴﻒ يوسف معاطي وﺇﺧﺮاﺝ رامي إمام) لعادل إمام المأخوذ عن فيلم The Others (عام 2001 ــ إخراج أليخاندرو آمينابار)، و«غراند أوتيل» (2016 ــ (تأليف تامر حبيب، وإخراج محمد شاكر خضير) الذي يستند إلى نسخة إسبانية.

ذوق الجمهور والقائمون
على المحطات يكرّس
الأعمال المقتبسة؟

المشهد لبنانياً لا يختلف إطلاقاً، لا سيّما في المستقبل القريب. فالشاشة الصغيرة تشهد عودة قوّية للأعمال المقتبسة، خصوصاً في ظل تكرّس الدراما المحلية لاعباً أساسياً في المشهد الإعلامي. حتّى أنّ رئيس مجلس إدارة «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، بيار الضاهر، أعلن في أيّار (مايو) الماضي عن بدء «مرحلة جديدة في الإنتاجات الدرامية اللبنانية لن تقل مدّتها عن عقد، ستقدّم وتنتج خلاله lbci مسلسلات محلية». هذا الرأي، سرعان ما ترجم في «الحب الحقيقي» (إخراج جوليان معلوف، كتابة باسكال حرفوش ولمى مرعشلي) الذي بدأ عرضه في بداية تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، وهو من إنتاج مي أبي رعد وlbci، وعبارة عن نسخة ملبننة عن مسلسل مكسيكي تدور حول قصص الحب والغرام.
قبل ذلك، كانت نسب المشاهدة العالية من نصيب «متل القمر» (كتابة كريستين بطرس وإخراج سيزار حاج خليل ــ إنتاح «مروى غروب») المستمد من المسلسل المكسيكي «ماريمار»، الذي عُرض أوّلاً في رمضان 2016، ليُبصر الجزء الثاني منه النور بعد أشهر. تجري الأحداث قصة فتاة فقيرة تعيش في كوخ على الشاطئ، تقع في غرام ابن مزارع غني.
وحالياً، يتابع الناس الجزء الثاني من «بلحظة» (كتابة ندين جابر، وإخراج أسامة الحمد، وإنتاج «الصدى») على «الجديد»، بعدما شاهدوه في رمضان 2017 على المحطة نفسها. تطغى أجواء المافيات وتجارة المخدّرات على العمل المستوحى من قصص أجنبية، ويدخل في عالم الثأر، والمصاهرة بهدف الحدّ من سفك الدماء والنزاعات. علماً بأنّ الخطوط العريضة لـ«بلحظة» تتطابق مع المسلسل التركي «عشق وجزاء» (2010). كوميدياً، شارك أيضاً في السباق الدرامي «كاراميل» (2017) (كتابة مازن طه وإخراج إيلي ف. حبيب) الذي يستند إلى مسلسل Karamel الروسي.
الأمثلة على هذا النوع من المسلسلات كثيرة، غير أنّه رغم رهان القنوات والمنتجين اللبنانيين عليها، خرجت أعمال حاولت محاكاة الواقع المحلي الخصب جداً بغض النظر عن مستواها الفنّي، أبرزها «قلبي دق» (2015 ــ إخراج غادة دغفل ونبيل لبّس) و«مش أنا» (2016 ــ إخراج جوليان معلوف) و«لآخر نفس» (2017 ــ إخراج أسد فولادكار) التي كتبتها كارين رزق الله، سبقها «وجع الروح» (2014 ــ كتابة طارق سويد، وإخراج دافيد أوريان)، و«كفى» (كتابة طارق سويد، وإخراج سيزار خليل) الذي يتناول قصص لبنانيات معنّفات...
لكن ما سبب فتح شهية صنّاع الدراما والقائمين على المحطات اليوم على المسلسلات الملبننة؟ تؤكد مي أبي رعد لـ «الأخبار» أنّ القرار حول ماهية الأعمال التي تُعرض على الشاشة «لا يعود لنا كمنتجين. حسم الموضوع متعلّق بالمحطات وذوق الجمهور». وتشير صاحبة شركة «M&M برودكشن» (مع زوجها ميلاد أبي رعد) إلى أنّ أحد أوجه المشكلة يتمثّل بأنّ «جزءاً من الممسكين بسوق الإنتاج في لبنان غير متخصصين»، مشددةً على أنّ «مكتبتي مليئة بالأعمال المنوّعة المستمدة من الواقع، لكن الخيار بات يقع على المسلسلات السهلة وقصص الحب البسيطة القريبة من الناس».
تتفق الكاتبة نادين جابر مع أبي رعد لناحية أنّ الحسم في يد التلفزيونات: «بات هؤلاء يبحثون عن المسلسلات الأجنبية الناجحة ويتفقون مع المنتجين على إنجاز مسلسلات لبنانية ضمن هذه الأجواء... ربّما لا يريدون المخاطرة، كما أنّ الناس يميلون إلى المسلسلات الطويلة». هذا الميل إلى «الاستسهال» ترجعه جابر إلى أسباب متعلقة بضمان «نسب المشاهدة وفرص الترويج والإعلانات. قصص الحب تضمن ارتفاع الـ «رايتينغ»»، لافتة في الوقت نفسه إلى أنّ «الاقتباس ليس سهلاً فهو أشبه بترميم بيت قديم... البناء على أساسات جديدة أسهل بكثير». من جهته، يعتبر المنتج مروان حدّاد (مروى غروب) أنّ الشعوب التي تعيش حروباً «غالباً ما تريد نسيان واقعها، فتفضّل المسلسلات التي تخلق نصوص عالم ثانٍ تنقل المشاهد من مكان إلى آخر». حدّاد الذي يقول إنّ الأعمال الواقعية «ما حدا بيحضرها»، أمل أنّ يتغيّر الموضوع «مع حلول الاستقرار».