لم يكن الضجيج في قصر آل سعود، واصطدام أحد عشر أميراً بـ«قوة السيف الأجرب»، بعدما تجمهروا في قصر محمد بن سلمان في الرياض السبت الماضي، واقتيادهم مكبلين إلى سجن الحائر، حالة عابرة في ضوء الصراع الذي اشتد احتدامه خلال السنوات الثلاث الأخيرة منذ أن تولى الملك سلمان الحكم في 23 كانون الثاني/ يناير عام 2015. هي بداية لمرحلة جديدة من الصراع، تتوج سنوات من التراكمات، وتطرد السكون الذي حافظ عليه محمد بن سلمان في «قصر الحكم»، حتى في ليلة الانقلاب الأبيض التي نفذها في طريقه نحو ولاية العهد، وقد لا تنتهي بموت الملك الذي ناهز عمره 83 عاماً.
رواية السلطة تثبت عكسها

رواية النيابة العامة بأن الأمراء تجمهروا اعتراضاً على الأمر الملكي الخاص بوقف سداد الكهرباء والمياه عن الأمراء، والتعويض المادي عن حكم القصاص الذي صدر بحق أحد أبناء عمومتهم، لا تتقاطع مع الواقع، خصوصاً أن مخصصات الأمراء، تؤكد أن ما من سبب يدفعهم إلى التجمهر وتعريض أنفسهم للخطر، غير خلافهم مع ابن سلمان المستأثر بالسلطة، إذ يحصل هؤلاء (أبناء أحفاد الملك المؤسس)، على مرتبات تبدأ منذ الولادة، بنحو 13000 دولار شهرياً، وتصل بعضها من 200 ألف دولار إلى 270 ألف دولار شهرياً، وفقاً لوثائق نشرها موقع «ويكيليكس» في عام 2011، من بينها وثيقة بعنوان «ثروة العائلة المالكة السعودية: من أين لهم كل هذه الأموال؟» الصادرة في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1996، نقلاً عن وزارة المالية، أو «مكتب القرارات والقواعد»، الذي يعمل بمثابة مكتب الرفاهية لأفراد الأسرة الحاكمة. وللمفارقة، كان الملك سلمان، الذي يقلّل اليوم من مخصصات الأمراء، قد عارض بشدة حينما كان أميراً للرياض، إلى جانب نايف، وزير الداخلية، قرارات للملك عبد الله في عام 2007، من شأنها تخفيف مظاهر بذخ الأمراء وإسرافهم، وفقاً لبرقية أخرى، بعدما قطع الأخير خدمة الهاتف الجوال عن «الآلاف من الأمراء والأميرات»، وألغى حجوزات الأجنحة الفندقية لهم، وتذاكر الطيران المجانية، وحدّ بشكل كبير من ممارسة نقل الأراضي العامة إلى أفراد مفضلين.

شراسة ابن سلمان تشي بأنه يخشى إرثي محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله

رواية السلطة الضعيفة، تدعم معلومات أعلنها أمراء آخرون، كشفت عن أن اعتراض الأمراء المسجونين، لم يكن على إجراءات اقتصادية، إنما رفضاً لاستفراد ولي العهد بالسلطة، وإقصاء الأمراء الكبار والصغار بحجة تلك الإصلاحات وبذريعة محاربة الفساد، وهو ما أكده رئيس اتحاد الرياضات البحرية، الأمير عبد الله بن سعود، في تسجيل صوتي انتشر في «تويتر»، أول من أمس، يؤكد أن احتجاجهم كان بسبب سجن أبناء عمومتهم وليس من أجل الفواتير والمخصصات، ما سبّب إعفاءه من منصبه أمس، بحسب ما أكدت وسائل إعلام سعودية. وكان المغرد الشهير «مجتهد» قد ذكر الأسباب نفسها، مشيراً إلى أن ابن سلمان «أدرك أن هذه بداية تمرد داخل العائلة»، فأوعز إلى المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، بتكليف صحيفة «سبق» المقربة منه، «نشر هذه الأكذوبة»، لمحاكمة هؤلاء المعترضين أيضاً بالذريعة ذاتها، من خلال إظهار الأمراء المتجمهرين، على أنهم من الأمراء «المتطفلين»، على أنهم ليسوا أثرياء ومتضررين من «الإصلاحات الجريئة»، إلا أن الأمير الذي حرك الأمراء، والذي كشفت «سبق» أنه «س. ع. س» بن سعود بن فيصل بن تركي، حُدد بأنه سلمان بن عبد العزيز بن سلمان بن سعود، مستشار السفارة السعودية في فرنسا، وهو من الأمراء المعروفين، ولديه نشاطات في الخارج تدل على ثرائه، كتأسيس «نادي المحركون» ودعم نشاط متحف الفن الحديث في مدينة باريس. «الأمير الثائر» هذا، الذي ينحدر من فرع تركي بن عبد الله بن محمد، مؤسس الدولة السعودية الثانية، لاقى مصيره بـ«قوة السيف الأجرب» المؤلفة من 5000 مقاتل والمرتبطة بابن سلمان، والتي سميت على اسم سيف جده محمد، الأشهر في تاريخ السيوف العربية.

هاجس الاغتيال يخيّم على القرارات

شراسة محمد بن سلمان في مواجهة المعارضين بـ«قوة السيف الأجرب»، تشي بأن الرجل لا يزال يخشى إرثي محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، وأنه يريد بثّ الرعب بباقي أفراد الأسرة، بأن من يحاول اعتراض طريقه نحو العرش، سيلقى مصيره في السجن. يخشى ابن سلمان أن يلقى مصير الملك فيصل بن عبد العزيز، الذي اغتيل على يد ابن أخيه فيصل بن مساعد في عام 1975، انتقاماً لشقيقه الأكبر خالد بن مساعد، الذي قتل بعد أن قاد في حينها تظاهرات وإضرابات في أواسط الستينيات.
في ضوء ذلك، وفي مقابل رواية السلطة، سردت «تسريبات» سيناريو كارثي أكثر خطورة، يشي بأن ما حصل تخطى المألوف، إذ تحدث مغردون من المملكة، عن اشتباكات مسلحة حصلت في محيط سجن الحائر في الرياض، بعد ساعات من اعتقال الأمراء، ما دفع أقاربهم وعدداً من شيوخ القبائل، إلى تنظيم اجتماع طارئ والتوجه إلى إمارة الرياض، حيث مُنعوا من الدخول بأمر مباشر من محمد بن سلمان، فقرروا التوجه إلى أمام سجن الحائر للتجمهر هناك، وحين اقتربوا من بوابة السجن، بادرهم حراس السجن بإطلاق رصاص عشوائي، أدى إلى تبادل إطلاق النار وسقوط عدد من القتلى من الطرفين، فيما أكد مغردون آخرون كثر، تحليق طيران مروحي مكثف فوق السجن في الرياض، وإغلاق الأجهزة الأمنية كافة الطرق المؤدية إلى القصر الملكي وقصر الحكم، إضافة إلى الطرق المؤدية إلى سجن الحائر، وسط انتشار واسع للعربات المصفحة التابعة لقوات الطوارئ وقوات المهمات الخاصة، بحسب المغردين.
بعيداً عن هذا السيناريو، أو أسباب السلطة لسجن الأمراء، إلا أن المشهد غير المسبوق في قصر محمد بن سلمان، باقتياد «قوات السيف الأجرب» الخاصة به، أكثر من عشرة أمراء، والأمراء الباقين في فندق «الريتز كارلتون» بينهم الوليد بن طلال، إلى سجن الحائر، ترجم على الأرض خشونة الصراع وعنفه. فالسجن السيئ السمعة، بات يخضع لسلطة ابن سلمان مباشرة، منذ صدور الأمر الملكي، القاضي بفصل «المباحث العامة» التي تشرف على السجن، عن وزارة الداخلية، واتباعها لـ«جهاز أمن الدولة» المستحدث في تموز الماضي، والذي يديره ولي العهد مباشرةً.

تفاوت أجنحة الصراع يُخلّ بالتوازن

الأحداث الأخيرة تشي بأن «قصر الحكم» في الرياض، أمام بداية مرحلة ربما هي أخيرة في هذه الجولة من الصراع، الذي شكل عنواناً ثابتاً لعهد الملك سلمان، بعدما سمح لنجله «العجول»، بإقصاء منافسيه بتهم الفساد وغسل الأموال والاختلاس وعقد الصفقات الوهمية والرشوة وغيرها، إلى أن جعل أبناء أعمامه، ما بين سجين (من «الريتز» إلى «الحائر»)، أو تحت الإقامة الجبرية كولي العهد السابق محمد بن نايف، أو بين مفقود كعبد العزيز بن فهد وسلطان بن تركي، أو ممنوع من السفر كمتعب وباقي المفرج عنهم من «الريتز»، خوفاً من أن يتحولوا إلى معارضين ضاغطين في الخارج.
سياسة ابن سلمان ضد الأمراء، جعلت الأسرة الحاكمة، تنقسم إلى مركزين متصارعين، غير متكافئين من حيث العدد للمرة الأولى، الملك وابنه من جهة، وعشرات الأمراء المعارضين من جهة ثانية، فيما الأمراء البعيدون عن حلبة الصراع، قد تدفعهم التحولات وتفكك العقد الاجتماعي، الذي سببته إجراءات ابن سلمان في المملكة، إلى جهة ثالثة، أشبه بحركة «الأمراء الأحرار» السياسية، التي تشكلت في عام 1958 برئاسة طلال بن عبد العزيز (والد الوليد السجين)، في ظل صراع بين الملك فيصل والملك سعود على العرش، الذي انتهى بانقلاب أبيض على سعود بن عبد العزيز في عام 1964، وهي حركة حملت مبادئ مثل إنشاء حكم دستوري وبرلماني في البلاد، وفصل الأسرة الحاكمة عن الحكم، والمساواة بين الرجال والنساء وإلغاء العبودية، ولا تزال تلك المبادئ محركاً لكثير من الأمراء إلى اليوم.