النتائج «الصادمة» لمباراة تعيين مفتشين تربويين ضجت بها أروقة مجلس الخدمة المدنية. مخالفات بالجملة يسوقها المتبارون: اختيار العدد المطلوب منذ المرحلة الثانية للمباراة، إقصاء متفوقين بالعلامة اللاغية، تعيين أعضاء في اللجنة الفاحصة من غير ذوي الشهادات العليا، تنجيح اقارب، عدم إشراك التفتيش التربوي في اللجنة الفاحصة وما نتج عنه من نجاح متبارين لديهم ملفات مسلكية عالقة عند التفتيش، وغيرها.
نحمل اعتراضات المتبارين إلى رئيس دائرة الموظفين انطوان جبران. وما إن ندخل مكتبه حتى يسارع إلى طمأنتنا بأنّ مجلس الخدمة «كان وسيبقى شفافاً تماماً كما الزجاج الذي يغلف هذه الطاولة التي ترينها أمامك، وكل ما تم ويتم تداوله لا يعدو كونه أقاويل وتحليلات غير واقعية في بلد الألف ليلة وليلة».
يحسم الموظف المسؤول الجدل حول المباراة منذ بداية الطريق. تستشف من كلامه أنّ مهلة الشهرين المعطاة للمجلس، منذ 24 كانون الأول الماضي، للإجابة على مذكرات ربط نزاع تقدم بها، عبر محامين، متبارون متضررون، سوف تنقضي بلا جواب، وبالتالي فإنّ التقاضي أمام مجلس شورى الدولة ربما سيصبح خياراً حتمياً. إلّا أن جبران يؤكد أن هيئة المجلس لم تجتمع بعد لتتخذ موقفاً نهائياً من هذا الملف.

نتائج غير معبّرة؟

ماذا في القضية أولاً؟ في 22 تموز الماضي، انطلقت مباراة لاختيار 52 مفتشاً تربوياً، تمتد على ثلاث مراحل (المقابلة الشفهية، الامتحان الخطي، والامتحان التطبيقي). وقد تقدم للمرحلة الأولى 442 موظفاً تأهل منهم 246 مرشحاً للمرحلة الثانية، وهي عبارة عن امتحان في مواد الثقافة الأجنبية والأنظمة الإدارية والأنظمة التربوية وتحليل نص تربوي باللغة العربية ومادة الاختصاص. في هذه المرحلة نجح 52 مرشحاً، أي تماماً العدد المطلوب في المباراة.

أنطوان جبران للمتبارين المعترضين: هذه هي قواعد اللعبة
وهنا يسأل المتبارون ما إذا كان نجاح 52 مرشحاً منذ المرحلة الثانية وقبل انتهاء المباراة لتتحول المرحلة الثالثة تحصيل حاصل محض صدفة. على هذا الاستغراب يجيب جبران: «في لبنان الناس بتنجّم وبتربط الأمور ببعضها البعض. الأرقام هنا لا تقول شيئاً باعتبار أن العدد يكون ضمن الاختصاص وضمن ما وافق عليه مجلس الوزراء وبالتالي فالعدد ليس ذاته، بما أن عدد الناجحين وفق الاختصاصات بلغ 29 مرشحاً، وهو لا يملأ الشغور المطلوب، باعتبار أن هناك اختصاصات لم ينجح فيها أحد، فيما نجح 23 مرشحاً فائضاً عن العدد المطلوب في اختصاصهم».
العلامة اللاغية على مادة الثقافة الأجنبية (دون 7 من 20) تصدرت هي الأخرى لائحة الاعتراضات، فهي أقصت، كما يقول المتبارون، مرشحين نالوا علامات مرتفعة في مادة الاختصاص وباقي المواد الإدارية والقانونية.
أحد المرشحين في مادة الفلسفة نجح وبات مفتشاً لأنّه "زمط" بعلامة 7 من 20 وهي علامة غير لاغية فيما نال 10.50 من 20 على المقابلة الشخصية، و14.50 من 40 على أنظمة الإدارة العامة، و16.25 من 40 على الأنظمة التربوية، و30 من 40 على مادة الاختصاص. في المقابل، رسب مرشح آخر بالعلامة اللاغية 6 من 20، في حين أنّه حظي بـ 13 من 20 على المقابلة الشخصية، و33 من 40 على أنظمة الإدارة العامة، و31.50 من 40 على الأنظمة التربوية و23.50 من 40 على مادة الاختصاص. وهناك مرشح ثالث أخذ 15 على 40 في دراسة وتحليل نص باللغة العربية و18 على 40 في أنظمة الإدارة العامة ونجح لأنه أخذ 9.25 من 20 بمادة الثقافة الأجنبية.
يستفز المسؤول في مجلس الخدمة إجراء مثل هذه المقارنات باعتبار أنّ المجلس يطلب شخصية متوازنة في معرفتها، وإلّا لماذا يجري مباراة ولا يعتمد دراسة ملف المرشح مثلاً؟ يقول إن نظام المباراة واضح لجهة اعتبار المتباري راسباً إذا نال أقل من 10 من 20 في مادة الاختصاص وأقل من 7 من 20 في باقي المواد، وبالتالي من أخذ 8 من 20 أو 9 من 20 في غير مادة الاختصاص يعد ناجحاً.
برأيه، الكفاءة ليست في الشهادات والمهم استعداد المرشح للمباراة، أما العلامة اللاغية فهي قاعدة مطبقة في مباريات مجلس الخدمة منذ نشأته، ونحن هنا لا نستهدف أحداً، فالمتبارون أنفسهم هم أساتذة في التعليم الثانوي الرسمي ودخلوا الوظيفة العامة عبر مجلس الخدمة ويعرفون سلفاً شروط المباراة.
يستدرك: «هذه هي قواعد اللعبة لا أكثر ولا أقل». لكن المعترضين يشككون بصحة العلامة اللاغية نفسها باعتبار أن معظم الذين لم يتم قبولهم بسبب العلامة اللاغية جاءت علامتهم 6 من 20 فهل هذه مصادفة أيضاً؟ وهل من نال 7 من 20 لديه ثقافة لغوية ومن نال 6 من 20 ليس لديه ثقافة لغوية وخصوصاً أننا نتكلم هنا عن مادة غير علمية ومعايير تصحيحها غير محددة؟ ألا يتعارض ذلك مع ما يسمى النتائج المعبرة وهي أحد شروط المباراة؟ يدحض جبران هذا التشكيك. يجزم بأنّ المسابقة يصححها أستاذان لا علاقة بينهما ويضع كل منهما علامته. فإذا كان الفرق أقل من علامتين تقسم العلامتان على اثنين، وإذا كان المتوسط علامة لاغية تعتمد العلامة الأعلى غير اللاغية. كل القواعد هنا لصالح المرشح. أما إذا كان الفرق أكثر من علامتين فيعاد التصحيح من قبل اللجنة الفاحصة».

معايير اللجان والتصحيح

المتضررون يسألون أيضاً عن معايير اختيار أعضاء اللجان الفاحصة وخصوصاً أن مجلس الخدمة يختار الأعضاء من بين الأساتذة الجامعيين وكبار الموظفين، «بينما وجدنا أن بعض من استطعنا معرفتهم من أعضاء اللجان لا تتوافر فيهم هذه الشروط لا بل إن بعضهم كان يتعارض وجودهم مع هدف المباراة، فكيف تتم الاستعانة في اللجان وتصحيح المسابقات بمجموعة من المدرسين التابعين لجهاز الإرشاد والتوجيه والذين قيموا من سيصبحون مفتشين مختصين وهم بنفس رتبتهم الوظيفية، وبعض المرشحين حائز على شهادات أعلى من المرشدين؟ ومن يتحمل مسؤولية كتابة أسئلة مادة الرياضيات بخط اليد خصوصاً بعد اللغط الكبير عند عدد كبير من المرشحين بين حرفي x وn في أحد الأسئلة ما شكل إرباكاً وهدراً كبيراً للوقت».
هنا يوضح المسؤول بأنّ «ثقتنا بالأساتذة الذين نختارهم لعضوية اللجان الفاحصة كبيرة وهم يختارون من ذوي الكفاءة والخبرة وأهل العلم وليس بالضرورة ممن يحملون شهادات عليا». وعن مسابقة الرياضيات يجيب: «هذه أقاويل ليس إلّا».

ملفات مسلكية لبعض الناجحين

الأساتذة المعترضون يستغربون استبعاد جهاز التفتيش التربوي عن كلّ مراحل المباراة، في حين أن النتائج أظهرت أنّ بعض الناجحين تحوم حولهم علامات استفهام بالنسبة الى وضعهم الوظيفي ولديهم ملفات مسلكية عالقة عند التفتيش التربوي، سائلين عن عدم نشر النتائج التفصيلية لجميع المتبارين على موقع مجلس الخدمة الإلكتروني رغم تخصيص خانة خاصة بها؟ يجيب جبران: «النتائج تبلغها الراسبون بواسطة الإيميل، منعاً للتشهير بأحد، وكل من يريد علاماته يستطيع أن يرسل عنوان بريده الإلكتروني ويحصل عليها فوراً»، إلّا أنّه جرت العادة أن تنشر العلامات التفصيلية للناجحين والراسبين على السواء وهذا ما حصل تحديداً في مباريات التعليم الثانوي، لكن في هذه المباراة حتى علامات الناجحين لم تنشر, فهل هناك قطبة مخفية؟
وعن إشراك الإدارة المعنية، يجزم جبران بأنّ «مجلس الخدمة المدنية هو الجهة المسؤولة عن تنظيم المباراة من ألفها إلى يائها، وليس هناك نص قانوني يجبرنا على إشراك الإدارة المعنية، فحالياً يجري المجلس مباراة لمصلحة وزارة الاتصالات وأخرى لمصلحة وزارة البيئة ولم يختر لعضوية اللجان الفاحصة أي شخص من هاتين الوزارتين، أما بالنسبة إلى المرشحين ذوي الملفات المسلكية، فلا شيء يجيز لنا منع مرشح من التقدم للمباراة، وهذا أمر تعالجه الإدارة المعنية في ما بعد».
هذه المخالفات استند إليها بعض المحامين الذين لجأ إليهم المتضررون وعدوها قرائن إذا جرى استجماعها ترقى إلى الدليل الحاسم، بحسب المحامي ناصر الخليل الذي تسلم دعاوى البعض وقدم مذكرات ربط نزاع إلى مجلس الخدمة.
المهلة القانونية هي شهران من تاريخ تبليغ ربط النزاع وعلى مجلس الخدمة أن يرد خلال هذه المهلة سلباً أو إيجاباً أو يعتبر سكوته رفضاً ضمنياً... بعد مضي الشهرين من دون رد يحق للمعترض أن يقدم الطعن أمام مجلس شورى الدولة، وهناك اجتهاد فرنسي يقول بأنه يحقّ للمتضرر أن يقدم الطعن حتى قبل انقضاء الشهرين.




تنجيح الأقارب؟

من الاعتراضات التي سجلها الأساتذة وجود شقيقة إحدى المتباريات داخل اللجنة الفاحصة، وقد نالت المتبارية الناجحة 35 من 40 على مادة الاختصاص فيما حازت علامات دون الـ10 من 20 على باقي المواد أي 8 من 20 على الثقافة الأجنبية، و19 من 40 على دراسة وتحليل نص باللغة العربية، و15.25 من 40 على أنظمة الإدارة العامة، و16.50 على الأنظمة التربوية. يشير جبران إلى أن لا شيء في نظام مجلس الخدمة يفرض استبعاد أقارب المرشحين عن اللجان الفاحصة، لكن عرفاً جرت العادة سؤال عضو اللجنة عما إذا كان أحد أقاربه من المرشحين لتفادي الأمر، وهذا لم يحصل في هذه المباراة إلّا إذا كان الشخص يصحح مادة اختصاص أخرى غير الاختصاص الذي يمتحن فيها قريبه، وهذا وارد.
يردف: «على كل الأحوال من يتهمنا بالأقارب ينطلق من عقلية الفساد، في حين أن أرشيفنا مليء بالأمثلة والنماذج المشرفة عن الأقارب الذين رسبوا في مباريات المجلس فشقيق الرئيس السابق لمجلس الخدمة حسن شلق رسب في المباراة، وكذلك فإنّ ابن رئيس دائرة الموظفين في إحدى الفترات أحمد عبد الله نال 6.75 بدلاً 7 علامة لاغية وقد كتب أبوه بنفسه بأنه راسب.

* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]