الأزمة لم تنفجر إلا بعدما «ذبحت» الأقساط المدرسية الناس وفاقت قدرتهم على الدفع. معظم الأهالي ولجانهم يتحركون اليوم من الوجع، وليس من إيمانهم بحقوقهم وصلاحياتهم التي تعطيهم إياها القوانين. يبحثون عن إطارات (هيئات، حملات، اتحادات، الخ) تجمعهم لإيصال مطلب واحد لا غير: نرفض أي زيادة وانتهى، هذا حقنا وليس شحاذة من أحد. ببساطة، يريدون حلاً.
بعضهم يصر على أن يكون الحل مستداماً ويذهب في البحث أبعد من معالجة الأزمة المستجدة بفعل تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب إلى أصل المشكلة وهي فضح مبالغات الموازنات والأرباح. رغم كل شيء، يثق كثيرون بالمدارس التي اختاروها لأولادهم. لا يجاهرون بمجابهتها. فلتُدفع حقوق المعلمين، المعركة ليست معهم أيضاً. يترددون. يخافون على استخدام أولادهم في النزاعات مع المدارس.
راشيل كسابيان، إحدى الأمهات، تتحدث عن زيادة فاقت 1200 دولار للتلميذ الواحد فرضتها مدرسة أولادها وأقرتها لجنة الأهل فيها من دون أن تدقق بأرقام الموازنة أو تكلّف نفسها سماع صوتنا وأضرت بمدرسة بأمها وأبيها. ما حصل، بحسب كسابيان، أنّ الزيادة فرضت فرضاً ولم نجد من يدعمنا. حتى الدولة لا تملك قراراً حاسماً في هذا الملف.
كارلوس نفاع، أب لثلاثة أولاد، يستغرب هو أيضاً حديث أصحاب المدارس الخاصة عن كذبة الشراكة في التعليم «ففي السنوات الماضية لم نقم كلجان أهل بأي جهد، دُجّنا تماماً وعشنا في غيبوبة بغياب البديل في المدرسة الرسمية، المدارس بتعمل تعميم بزيادة الأقساط منفذ متل الشاطرين. انتخابات لجان الأهل لا نعرف توقيتها ولا من يترشح إليها». يقول نفاع إنه شخصياً لم يبحث يوماً عن الرفاهية «أنا موظف متواضع، أعرف حدودي، فقد اخترت لأولادي مدرسة ذات قسط كان مقبولاً ولم يعد كذلك».

لا يريد الأهالي حلولاً آنية ومخدّرة ويطالبون الدولة بوضع سقف للأقساط والتدقيق في الموازنات

أسوأ ما يمكن أن يتعرض له الأهل، بحسب نفاع، هو أن تطلب منهم إدارة المدرسة زيارة منزلهم لمعاينة الحالة الاجتماعية وإعادة النظر في الزودة ليكتشفوا أنهم مخدوعون وما يطلبونه حقاً وليس شحاذة.
يؤكد نفاع أننا «نحتاج إلى منصة تجمعنا، بعدما وصلت جرأة المدارس أن تستخدم قوتها المفرطة وأن تفرض زيادة مليون ليرة لكل تلميذ ضربة واحدة، وقد وافقت لجنة الأهل في مدرسة أولادي بالاجماع على هذه الزودة، وعم بيضغطوا على الأولاد اللي أهلن عم يتحركوا». الفخ الكبير، كما يقول نفاع، «انو عم بيزتونا على الدولة. نوع من شراكة بالسرقة». لا يخفي بأن الهجرة باتت فكرة جدية لديه.
«الواقع صار فوق قدرتنا»، تقول كوليت طنوس. وتسأل: «هل أصبح التعليم من الكماليات أو حكراً على طبقة معينة من الناس، بما أنّ لا أحد منّا يستطيع أن يسجل أولاده في المدرسة الرسمية؟ اللافت ما تقوله لجهة أننا «لا نريد ثورة شعبية. زهقنا من الصراخ. ما بدنا نعمل جبهات. لكنهم يقتلون أحلامنا. وإذا حكينا منخاف على أولادنا يطردوهم. نحن في غابة وليس في مجتمع».
جورج يونس، عضو في لجنة أهل رفضت الزيادة واعترضت على الموازنة في كتاب أبلغته لمندوب الهيئة المالية في المدرسة. «هذه السنة انفجرت» يقول لافتاً إلى أننا «أجرينا حواراً مع إدارة المدرسة بلا نتيجة. ذهبنا إلى البطريرك نقلنا له معاناتنا. تلقينا وعوداً وشاركنا في مسيرة القصر الجمهوري. نرفض تقسيط حقوق المعلمين لأنه تأجيل للمشكلة. ليس لدينا مانع أن تغطي الدولة جزءاً من الزيادة، لكننا لا نريد حلولاً مخدّرة بعد الآن. حبذا لو تتدخل الدولة وتضع سقفاً للأقساط وتدقق في الموازنات».
رفيق فخري، عضو لجنة أهل، يقول إننا كنا من الأوائل الذين اعترضوا على الزيادة جملة وتفصيلاً ووقفوا في وجه إدارة المدرسة. يرفض هو الآخر الحلول الآنية التي تنادي بها بعض اتحادات لجان الأهل لا سيما في المدارس الكاثوليكية، سائلاً: إذا دعمت الدولة سلسلة الرواتب هذا العام فماذا ستفعل في الأعوام المقبلة؟»، وخصوصاً أن أعداد التلامذة في المدارس الخاصة تتناقص والأزمة تزيد.
لا خيار أمام المسؤولين، بحسب طانيوس القسيس, ناشط في حملة لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، سوى تطبيق القوانين لا سيما 515/1996 المتعلق بتنظيم الموازنات وتحديد الأقساط المدرسية و46/2017 الخاص بسلسلة الرتب والرواتب وليس الالتفاف عليها، مؤكداً أن «المعلمين جزء من الأهل وبعض الأهل معلمون ونؤكد في حركتنا على مطلبنا المشترك».
ما يستغربه ربيع حرب، ناشط في الحملة أيضاً، أن وزير التربية مروان حمادة يكتفي بإيجاد المخارج ولا يركز في كل إطلالاته الإعلامية على أنّ الزيادة لا تصبح قانونية ما لم تقرها لجان الأهل وتوافق عليها، وهذا ما يجعل إدارات المدارس مرتاحة على وضعها ومطمئنة إلى أن أحداً لن يمس بموازناتها ويفضح أمورها، والكل سيتصرف وفق القاعدة اللبنانية: صدّق، فيما كنا نتأمل بفتح الموازنات. برأيه، الأنظار تتجه إلى ما بعد 31 كانون الثاني، الموعد النهائي لتسليم الموازنات المدرسية، هذه المرحلة الأصعب التي تتطلب منا اللجوء إلى القضاء، وهذا حقنا.
لكن في ظل عدم تشكيل المجالس التحكيمية التي أناط بها القانون صلاحية البت في النزاعات بين إدارات المدرسة وبين الأهل وممثليها، فالأمر معقود، بحسب المحامي زينو حرب، وعضو لجنة أهل، على قضاء العجلة وثمة قرارات لافتة للقضاء المستعجل وسوابق يمكن البناء عليها للطعن في تمادي المدارس الخاصة في فرض ما تراه من زيادات غير منطقية وغير مبررة، متسلحة باستقلاليتها وعدم وجود رقابة فعلية لجهة ضبط موازناتها.





كتيب للجان الأهل

أصدر مكتب المحامي زياد بارود، المستشار القانوني لنقابة المعلمين كتيباً جمع فيه مختلف التشريعات والأنظمة المتعلقة بلجان الأهل في المدارس الخاصة ودورها من قوانين ومراسيم وقرارات، لا سيما لجهة إقرار الموازنة وتحديد الأقساط. ويأتي نشر هذا الكتيّب، بحسب المكتب، بعد صدور قانون سلسلة الرتب والرواتب الرقم 46/2017، وتعاظم دور لجان الأهل، تعميماً للفائدة ولكي يكون بمتناول المعنيين بالموضوع أداة معرفية وتوثيقية.

* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]