«أبو الغضب راجع». بهذه الكلمات البسيطة التي رسمها على طريقة «الغرافيتي» على أحد الجدران، يقدّم المسرحي اللبناني جو قديح عمله الجديد (بالعنوان نفسه) ضمن فيديو ترويجي أعدّه ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي. المسرحية التي يهديها قديح لأحد عمالقة المسرح اللبناني الراحل جلال خوري، «الأب الروحي» ومرشد قديح خلال سنواتٍ طوال، تحكي الحرب الأهلية لكن على طريق الراوي الواحد.

إنها مسرحية قد تكون مزيجاً بين الـ «ستاند آب كوميدي» والمونودراما. الفارق عادةً بين التجربتين تخوضه المسرحية: الأولى يقل فيها التمثيل وتزيد الكوميديا، فيما تفتقد الثانية للكوميديا وتتجه صوب الأداء التمثيلي. يتأرجح قديح بين التجربتين. هو لا يقدّم أياً منهما ضمن تقنياتهما الأصلية، هو «يخترع» تقنيته الخاصة، مضيفاً إليها تقنية «الحكواتي»، ومشيراً إلى أنه «لا يمانع استخدام أيّ من التسميات في وصف مسرحيته».
لكن ماذا عن فكرتها؟ أليس الدخول في «فخ» الحرب الأهلية وأتونها أمراً تخوضه الدراما (خصوصاً بشقها التراجيدي)؟ ألا يبتعد الكوميديون ربما عن الغوص في تفاصيل مؤلمة؟ يشير قديح إلى أنَّ «الكتابة عن الحرب كانت مؤذية قليلاً. كل الناس يعلمون ماذا حدث في الحرب، وما جرى في صبرا وشاتيلا وفي تل الزعتر والدامور وطرابلس ونهر الكلب. كلنا نعرف ماذا حدث وكل المعلومات موجودة على Google، فلماذا أكتبها؟ في البداية كنت أنوي ألا تكون كوميدية، أن تكون شيئاً مثيلاً بنبش للقبور». لكن سرعان ما تنبه إلى أنَّ هناك كثيراً من الأمور لا يمكن تناولها إلا بطريقة «كوميدية»، فالتجارب التي حدثت في تلك الحرب حين يتذكرها الإنسان، لا يمتلك أمامها إلا الضحك. إذاً لماذا هذه التسمية؟ «أبو الغضب»؟ من أين جاء؟ يرد قديح: «هذا سؤال سهل وصعب في الوقت نفسه. بصراحة أسماء المسرحيات تناديني وحدها. بحثت عن أسماء عدة للمسرحية في البداية. وعندما بدأت العمل، كتبت شيئاً مختلفاً تماماً، لا علاقة له بما سيشاهده الناس في العمل. لكن مع تقدّم التدريبات والتطويرات التي أجريت فيها، وجدت أن هذا هو الاسم المناسب، وهذا هو الشكل الحقيقي للمسرحية».

مزيج بين الـ «ستاند آب كوميدي» والمونودراما

العمل عبارة عن تجارب شخصية وعامة خاضها كل مَن عايش تجربة الحرب الأهلية اللبنانية، يرويها قديح على طريقته الساخرة من كل شيء، فضلاً عن تجاربه الشخصية الخاصة التي بنى عليها طفولته وشبابه وأشياء الحرب الـ «أنتيك» كالمعلبات والأدوات والترازيستور التي كان يستخدمها الناس في الملجأ: «هناك العديد من القصص التي عايشتها وما زلت أذكرها، أخذتها ومسرحتها كي تصبح جاهزةً للعرض. كل الشخصيات التي تمر في المسرحية أيضاً هي شخصيات التقيت بها بطريقة أو بأخرى، لكني بالتأكيد أجريت تعديلات عليها، فمسيو «حنا» مثلاً، شخصية حقيقية لكنه لا يشبه الشخصية التي أقدمها، أي هو حقيقي وغير حقيقي في الوقت عينه. وهناك مسيو فيكتور ومدام هنرييت. كلهم شخصيات موجودة لكني أخذت جزءاً منهم وعرضته في المسرحية».
اللافت في العمل هو قيام قديح بغناء كلام مرصوف وموزون على طريقة الراب العربي المعروفة، لكنه يوضح: «أنا لا أعرف شيئاً عن الراب لا عن الراب اللبناني ولا الراب العالمي. لكنني أحب الراب، فأنا أسمع Eminem عندما أمارس الرياضة في النادي. وحين بدأت بكتابة المسرحية، وجدت نفسي أكتب أشياء فيها قافية. كان ما كتبته بدايةً 14 مقطعاً سرعان ما اختصرتها لتصبح 7، ذلك أنني شعرت أن أكثر من ذلك سيتعب الناس». ويؤكد: «لستُ مطرباً، ولا مغنياً، لكن مع هذا سأنتج CD خاص بمقاطع الراب في هذه المسرحية بالتعاون مع إميل عواد (المؤلف الموسيقي للمسرحية)، وسيكون فيه 10 أغنيات من هذا النوع، ولكنه سيكون CD للذكرى فحسب».
ولأن الحرب هي ثيمة العمل، فكان طبيعياً أن يكون ديكور المسرح «حربجياً» إلى حدٍّ ما، فأتى مصمم الديكور ريمون سعيد بديكور مناسب للجو العام للحدث، من خلال الجدران المهشمة. ولأن العمل هو نتاج متكامل، تحضر دائماً المخرجة والممثلة سولانج تراك، التي أخرجت الكليب الترويجي للمسرحية، وهي كما يقول جو: «سولا هي منتجة المسرحية، ودورها أساسي دائماً، لا أعني هنا الناحية المادية بل هناك أيضاً دور معنوي مهم جداً. فهي تلاحقني بالتفاصيل، فضلاً عن أنها مخرجة وعملت على دراسات في السينما ولديها خبرتها في المسرح. وجودها يسعدني وهو مكثف للعمل». ويتولى إميل عواد التأليف الموسيقي للمسرحية (وهو كذلك لحّن موسيقى الكليب الترويجي). ولا يخفي قديح بأن أهم شخص في العمل، ومن يهدى إليه الأخير بشكل دائم هو الراحل جلال خوري مشيراً: «عندما كنا ننطلق تحضيراً للعمل، واجهنا صعوبة معنوية كبيرة برحيل الاستاذ جلال خوري. رحيله ترك ثغرة كبيرة. كان حاضراً دائماً. وعندما أحتاجه أتصل به وأقول أني أحتاجه. وعندما لا أتصل، يأتي أيضاً ويبقى موجوداً. كان الصديق الذي ظل دائماً هنا. هو مرشد وأخ كبير وصديق وأب؛ وخصم أيضاً لأننا كنا أحياناً نتناحر لكن بمحبة بالغة، هذه المسرحية مهداة له، وأذكر أنني كنت أقرأ له كثيراً حتى أني أديت أول مقاطع منها أمامه، لكنه شاء أن يذهب إلى مسرح آخر».

* «أبو الغضب راجع»: بدءاً من اليوم (20:30) حتى 25 شباط (فبراير) ــ «مسرح الجميزة» ـ للاستعلام: 76/409109