لا تختلف معاناة المدارس الرسمية عن معاناة المدارس الخاصة لتطوير كادرها التعليمي. بالرغم من الجهود المبذولة في كلا القطاعين، لكن النتيجة متقاربة لكون جزء كبير من المعلمين غير مقتنعين بجدوى برامج التأهيل قبل الخدمة وأثنائها (الإعداد والتأهيل).
هذه ليست نتيجة دراسة مسحية قامت بها مؤسسة مموّلة من البنك الدولي لتقييم أثر التدريب، بل هي نتيجة ملاحظة ميدانية مستمرة لما يزيد على عشر سنوات من الاحتكاك المباشر بالكادر التعليمي في مؤسسات ومدارس متنوّعة ومناطق مختلفة. وهذا صدى التذمّر الدائم لبعض المعلمين من برامج لا تشكّل حاجة تدريبيّة بالنسبة إليهم، أو شكوى من مديرين حول انخفاض دافعية كادرهم نحو التطوير وقلّة تقديرهم للفرص الجمّة التي تبذلها مؤسساتهم في سبيل تطوير أدائهم.
«هول كلن صرنا منعرفهم وعاملين فيهم دورات كتير»، عبارة لطالما سمعتها تتردد مع بداية كل برنامج تدريبي، ما يعني أن المشكلة ليست في ندرة البرامج بل ربما في غزارتها (عشوائيتها) وتداخلها وإن بعناوين مختلفة وهذا جزء من أسباب الفشل.
وأكثر ما يزعج المتخصصين في هذا المجال، افتقار هذه الدورات والورش إلى معايير الحد الأدنى من العلميّة، وإلى الخبرة والتخصص في مجالات التدريب، أيّاً كانت حساسيتها وخطورتها، بل يكفي المدرّب تمكنّه من مهارات الاستعراض "show" ليصبح كل شيء مباحاً له، ثم يكتمل المشهد مع إصدار الشهادات من «البورد» الفلاني والعلاني. ولا تفارقني الدهشة كلما تذكرت إجابة مدربٍ مشهور جداً في هذا المجال عن مصدر المعلومات التي يقدمها في عرضه، ليجيبني أنّها من موقع «ويكيبيديا» وبكل ثقة وجرأة. فلو أخذنا برامج التدريب المستمر التي تقدمها دور المعلمين التابعة للمركز التربوي للبحوث والإنماء على سبيل المثال لا الحصر، وعلى الرغم من تنوّعها وحرصها على اختيار المدربين الكفوئين، إلّا أنها تعاني من مشاكل بنيوية، تبدأ بفقدان الملفات التراكميّة للمتدربين الأمر الذي ينعكس خللاً في تحليل حاجات الأفراد العاملين. وبسبب ذلك، ستضعف احتمالات وجود أي مسار بنائي تكاملي للفرد، لصالح خيارات أخرى قد تكون مهمة ولكن غير تكاملية. فقد يكرر العامل أحياناً بعض الاحتياجات التدريبيّة لمجرد تغيير عنوان الورشة التدريبيّة، أو بسبب عدم نشوئها بالأساس عن عملية واضحة ومنظمة لتحليل احتياجات الفرد.
وهل يكفي أن يجلس بعض الخبراء في كل منطقة ليقدّروا حاجات المعلمين السنويّة، وأين هو نظام تحديد الاحتياجات التدريبيّة المتكامل والشمولي، وكيف يحصي هؤلاء الاحتياجات على مستوى منطقتهم، طالما هم يفتقدون لأنظمة المعلومات المتطوّرة التي تدير كل العمليّة التدريبيّة بدءاً من الحاجات التدريبيّة إلى التقييم، وكيف يتم تقدير أولويات الاحتياجات وتمييز المشاكل التي تعالج/ لا تعالج بالتدريب؟
وهل فعلاً نتوقع أن تدريب موضوعٍ ما في يوم واحد يمكن أن يغيّر مفاهيم حفرتها التجربة في عقل وخبرة العاملين، فكيف الحال ونحن ننتظر تأثير هذا النوع من التدريب على السلوك والأداء؟ وكيف يرصد الأداء في ميدان العمل، وكيف يتم تجميع نتائج هذا الرصد للحكم على نجاح أو فشل العلمية التدريبية؟
ولطالما راودنا شعور حول أنّ التدريب يأتي نتيجة توفر مشاريع لديها اعتمادات مالية أكثر من كونه أولوية تدريبيّة، ولماذا يكون التدريب في مثل هذه البرامج في الفنادق غالباً، ومع مدربين أو مراكز تدريب محدّدة، ثم هل يمكن أن نتوقع بعد ذلك تشكّل مواقف إيجابية من التدريب؟
وقد لفت نظري أخيراً إصدار وثيقة «الأطر المرجعية لدعم جودة التعليم» عن المركزالتربوي. رغم أهمية الوثيقة كخطوة أولى على طريق صياغة أنظمة التدريب ومسح عمليّاته وإجراءاته، لم تراع الكثير من الوقائع والحقائق الموجودة على الساحة التربوية والتعليمية. إذ لم تلحظ هذه الأطر المرجعيّة في تحديدها لكفايات المعلمين البون الشاسع بين معلم خضع لإعداد تربوي أكاديمي وآخر مارس مهنة التعليم من دون الحصول حتى على الدبلوم التعليمي. أيضاً لم تميّز هذه الأطر بين كفايات معلّم الروضات وكفايات معلّم في المرحلة الثانوية، أو بين معلّم علوم ومعلّم لغة ومعلم فنون.
وعلى صعيد آخر فقد أقدمت الوثيقة على تحديد كفايات المشرفين التربويين (المرشدين) وهي وظيفة لم يتم تثبيت مهامها وصلاحيتها حتى اللحظة (وربما شرعيتها)، فكيف جرى تحديد هذه الكفايات؟ وفي ضوء أي مهام؟ وأي صلاحيات وأي متطلبات؟ ما هي المقاربة الإشرافية المتبناة من قبل هذا الجهاز؟ ليتم بموجبها تحديد الكفايات المطلوبة؟
لا يمكن النجاح في أي تدريب ما لم يكن العاملون شركاء في تحديد احتياجاتهم، وشركاء في تقييم التدريب، وتقييم أدائهم بعد التدريب. وبطبيعة الحال لا تدريب ناجح من دون مدرب خبير بالدرجة الأولى ومتمكّن من فنون وطرائق التدريب بالدرجة الثانية، وكلما تمكنت إدارة التدريب من الذهاب أكثر نحو المشاريع والمهام التدريبيّة كلما تمكنت أكثر من قياس تحقق الأهداف بشكل واقعي، وكلما زاد شعور العاملين بأهمية التدريب الذي حصلوا عليه وبمدى تأثيره على أدائهم.
* مدير التدريب في مدارس المهدي
للتواصل مع الكاتب: [email protected]