صحيح أن الأنظار كلّها كانت على المهاجم الجديد الغابوني بيار – إيميريك أوباميانغ الذي سجّل بدايته ووقّع على أول أهدافه بقميص "الغانرز" أمام إفرتون. وصحيح أن الأرميني هنريك مخيتاريان سرق جزءاً من الاهتمام بثلاث تمريرات حاسمة، في إنجاز لم يحققه أيّ لاعب في آرسنال منذ تمرير الإسباني المصاب سانتي كازورلا أربع كرات حاسمة في المباراة أمام ساوثمبتون عام 2013، إلا أن لاعب الوسط الويلزي أرون رامسي كان الأفضل والأكثر نجومية بين كل زملائه.
لا يختلف اثنان على أن رامسي هو صاحب موهبة كبيرة، لكن ما لا يعرفه كثيرون أن هذا اللاعب الذي ارتبط اسمه بـ "النحس" في كل مرة سجل فيها حيث بات محط النكات بعدما قيل إن شخصية مشهورة تلقى حتفها في كل مرّة يهز فيها الشباك، هو لاعب لم يجد شخصيته الحقيقية في كل استراتيجية اعتمدها المدرب الفرنسي أرسين فينغر في المواسم الأخيرة، فانتظر وصبر على مدربه ليخرج موهبته المدفونة ويعيده إلى الحياة. وهذه المسألة كانت واضحة في كل مرّة لعب فيها رامسي مع المنتخب الويلزي حيث بدا قائداً حقيقياً في خط الوسط وصاحب مجهود كبير. لكن هناك في لندن بقي مركز رامسي مجهولاً ودوره الحقيقي غير معروف حتى حرره فينغر في المباراة أمام إفرتون ليطلق العنان لقدراته الهجومية ويسجل ثلاثية هي تاريخية بالنسبة إليه على المستوى الشخصي كونها الأولى له مع آرسنال.

رامسي هو أذكى لاعبي آرسنال في التحرك من دون كرة

ومع دخول مخيتاريان واوباميانغ إلى التشكيلة الأساسية عرف رامسي ترجمة ذكائه الاستثنائي في الخطة الهجومية، إذ لا شك في أن هذا اللاعب هو أذكى لاعبي آرسنال في التحرك من دون كرة، وهو أمر ثبت في الأهداف الثلاثة التي سجلها، وخصوصاً الهدف الثالث عندما ظهر فجأة داخل منطقة الجزاء ليهزّ الشباك قبل استبداله.
لقد تحرر رامسي فعلاً مع ثبات خط الظهر خلفه، إذ صحيح أنه كان لديه دور دفاعي، لكنه وجد أن شكل الدفاع الجيّد والذي عانى سابقاً يسمح له بتأكيد ما قيل عن أنه أفضل لاعب ينتقل من منطقة إلى منطقة من دون مشاكل تذكر. أضف نقطةٍ مهمة يُفترض على فينغر أن يبقيها في باله وهو أن أفضل ثنائي خلف الألماني مسعود أوزيل يمكن أن يكون السويسري غرانيت شاكا ورامسي نفسه. ففي ظل تركيز المدافعين على مراقبة أوزيل للحدّ من تمريراته القاتلة بات رامسي حرّاً بشكلٍ أكبر في الحالة الهجومية، وخصوصاً في ظل التغطية الدفاعية التي أمّنها له شاكا بشغل المساحة التي يتركها خلفه مع كل انطلاقة إلى الأمام، فتوغل أكثر في العمق وبانت خطورته. ويمكن القول أيضاً أنه يحسب لرامسي خلق الحرية لمخيتاريان الذي لمع بفضله كونه سحب معه أكثر من مدافع في كل مرة تحرك فيها من دون كرة، تماماً كما فعل أكثر من مرة في اللقاء الأخير.
واللافت أن رامسي ظهر بإمكانات لاعب الوسط الذي يملك روحاً عالية وقدرة بدنية هائلة للوصل بين المنطقتين، وبالتالي خطي الدفاع والوسط وصولاً إلى خط المقدّمة. وهذا الدور يعيد إلى الذاكرة ما كان يفعله رامسي مع ويلز تحديداً في كأس أوروبا 2016 حيث كان النجم الأبرز إلى جانب الويلزي غاريث بايل، ولو أن مجهوده كان مدفوناً أيضاً هناك لأن نجم ريال مدريد الإسباني سرق النجومية من الجميع بأهدافه المهمة عامذاك.
ببساطة، يمكن لرامسي أن يكون فتّاكاً في قلب منظومة يعمل عناصرها بدقة وينفذون المطلوب منهم من دون أي تلكؤ، ومع شريك (شاكا) في الوسط يلعب لمصلحة هذه المجموعة لا بحثاً عن مجدٍ شخصي. وبالتأكيد بعد هذه المباراة وبعد هذا الأداء الكبير من اللاعب الويلزي سيبدأ فينغر بالتفكير أكثر بمنح لاعبه المميز دوراً هجومياً أكبر، وخصوصاً مع الكمال الذي ظهر عليه الخط الناري بوجود مخيتاريان واوباميانغ وخلفهما اوزيل.
صحيح أن آرسنال ضرب ضربتين كبيرتين قبل أيام بضمّ اوباميانغ والتمديد لأوزيل، لكن ضربته غير المباشرة والرابحة كانت بانفجار موهبة رامسي مجدداً من دون أن تؤذي أحداً سوى خصوم الفريق اللندني.