بعد نحو 24 ساعة على تهديد رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منفذ عملية نابلس أحمد نصر جرار (راجع عدد أمس)، نجحت المقاومة الفلسطينية في قتل الحاخام المستوطن ايتامار بن غال، في مدينة «اريئيل» الاستيطانية، وهو ما سيعمّق إرباك القيادتين السياسية والأمنية، ويرفع مستوى مخاوفهم إزاء مستقبل الوضع في الضفة المحتلة، ولا سيما في ظل هرب المنفذ.
صحيح أن عملية اريئيل مشابهة للكثير من العمليات التي سبق أن استهدفت مستوطنين وجنوداً، لكنها تتمايز لجهة توقيتها وسياقها المباشر. فهي أتت بعد العملية السابقة قرب نابلس، وفي أعقاب إخفاق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حتى الآن، في اعتقال منفذها. والميزة الأخرى أن كلتا العمليتين البطوليتين تم تنفيذهما في أجواء ما بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس «عاصمة لإسرائيل».
التخوّف الأسرع حضوراً في وعي المؤسستين الأمنية والسياسية في تل أبيب هو من أن يتواصل هذا النوع من العمليات بوتيرة متصاعدة، وهو ما سيضع الاحتلال أمام مشهد جديد ويسهم في دفعه إلى إعادة النظر في تقديراته للمرحلة القائمة. من هنا، إن دوافع إسرائيل في القبض على المنفذين أكثر إلحاحاً، لما قد يترتب على هذا النجاح من نتائج معنوية إيجابية قد تشكل حافزاً لآخرين للالتحاق بهذا المسار. وبلحاظ العديد من التجارب السابقة، لا تقتصر خشية إسرائيل على نتائجها المباشرة، بل هي تتخوّف أيضاً من دورها الاستنهاضي في الشارع الفلسطيني، وهو ما يفسر بعض الحملات السياسية والإعلامية والتهويلية التي تهدف أيضاً إلى محاولة احتواء هذا النوع من المفاعيل.
على مستوى التنفيذ، كان لافتاً نجاح المنفذ ــ حتى الآن ــ في الإفلات من قبضة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعد تنفيذ العملية، كما حدث في عملية نابلس، الأمر الذي يعني من منظور الأجهزة الإسرائيلية أن هناك تطوراً في الأداء واستفادة من العبر. وتكشف عمليتا اريئيل ونابلس عن حجم العزم لدى المقاومين الفلسطينيين على مواجهة الاحتلال، كذلك يؤكد تكرار نجاح هذا النمط من العمليات، رغم الإجراءات الإسرائيلية، أن عدم تعاون أجهزة أمن السلطة ــ أو تخفيض منسوبه على الأقل ــ يفتح الآفاق أمام تطور سريع لهذه العمليات، ويحوّلها إلى عبء ضاغط على الاحتلال.

على صعيد غزة اختلف ليبرمان وكاتس حول طريقة نزع فتيل الأزمة


تنطوي عمليتا اريئيل ونابلس، وما سيتبعهما، على اتجاهين من الرسائل. الأول يشترك مع العمليات كافة التي ينفذها المقاومون لجهة الموقف من الاحتلال والتعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني عن مواصلة كفاحه من أجل تحرير أرضه، والآخر يتصل بالسياق السياسي الحالي، وتحديداً مخطط تصفية القضية الفلسطينية كجزء من «صفقة القرن» التي تهدف إلى إضفاء المزيد من الشرعية الرسمية العربية التي تبرر وتؤسس للانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون والتكامل والتحالف في مواجهة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
على خط مواز، حذر رئيس أركان جيش العدو، غادي ايزنكوت، من خطورة الأزمة الانسانية التي يعاني منها قطاع غزة. وعلى هذه الخلفية، أوصى المستوى السياسي بإدخال مواد غذائية ومياه وأدوية إلى القطاع على عجل. نتيجة هذه الاجواء، أمر نتنياهو بعرض مشروع وزير الاستخبارات إسرائيل كاتس، بإنشاء جزيرة اصطناعية مقابل شواطئ غزة، على المجلس الوزاري المصغر.
في المقابل، رأى وزير الامن أفيغدور ليبرمان أن الوضع في القطاع «صعب ولكن لم يصل إلى حدّ الأزمة». وفي ردّ على ايزنكوت، قال: «مخطئ من يظن أننا سنأخذ من أموال دافعي الضرائب في إسرائيل للتعامل مع هذا الوضع. حماس تريد استغلال الأزمة السياسية والاجتماعية، واثقة أن إسرائيل ستلين أولاً. حتى مجرد الحديث عن إعادة الإعمار قبل التقدم في موضوع الأسرى والمفقودين لا يعتبر أخلاقياً». كذلك ادّعى ليبرمان أن «التزامنا الأخلاقي هو الاهتمام بشعبنا، ولذلك سأعارض عملية إعادة الإعمار قبل نزع السلاح من غزة».
هذا الموقف استدرج رداً من الوزير كاتس، الذي قال إن كبار الضباط في الجيش يؤيدون مشروع بناء جزيرة اصطناعية قبالة غزة، وإن على إسرائيل أن تتخذ قراراً على المدى البعيد حول الوجهة التي ستسلكها في مقابل القطاع، لافتاً إلى إمكانية إشراك مصر ودول الخليج من أجل إقامة الجزيرة، لأنه «يمكن خلق عملية ستحول النزاع هذا إلى فرصة».