نابلس ــ الأخبار | أربعة أسابيع مضت على قرار «المجلس المركزي» الفلسطيني بدورته الثامنة والعشرين وقف التنسيق الأمني بين السلطة والعدو الإسرائيلي، وذلك بعد عامين آخرين على توصيات مشابهة، لكن لا يزال التنسيق «عميقاً» على الأرض، وفق وصف وزير أمن العدو، أفيغدور ليبرمان.
وجاءت إشادة ليبرمان بالتنسيق الأمني مع السلطة في أعقاب إنقاذ الأجهزة الفلسطينية جنديين إسرائيليين دخلا مدينة جنين، شمالي الضفة المحتلة، من طريق الخطأ، وتأمين خروجهما من المدينة بسلام، ثم إعادة قطعة السلاح التي غنمها الفلسطينيون منهما. وحول هذه الواقعة، قال الوزير الإسرائيلية إن للتنسيق «نتائج جيدة... السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية يستحقون كلمة طيبة».
إعلام العدو أيضاً أضاء بصورة مكثفة على حادثة جنين، وعكس رضا جيش العدو عن أداء أجهزة السلطة التي منعت ما وصفه بـ«شلال دماء»، و«حمت المجندين من سيناريو قتل الجنديين الإسرائيليين في رام الله عام 2000».
لكن، في حالة الشاب المطارد عبد الكريم عاصي، وهو منفذ عملية طعن وقتل الحاخام المتطرف ايتمار بن غال بالقرب من مستوطنة «أرئيل» وسط الضفة، يرفض أمن السلطة تسلّم الشاب من ذويه وحمايته داخل مقارهم الأمنية على غرار حالات مشابهة، أقدم الأمن فيها على «التحفظ» على مطلوبين تحت ذريعة حمايتهم من ملاحقة الاحتلال، وهو ما يعني بعبارة أخرى تحويل مصير عاصي إلى غير الاعتقال، أي القتل.
ويأتي رفض السلطة تسليم عاصي لها، رغم أن هذه المهمة سبق أن فعلتها وكانت من جملة المتفق عليه بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في برتوكول الأمن. وحدث في التسعينيات مع بدايات السلطة، وخلال الانتفاضة الثانية، أن احتجز الأمن الفلسطيني المئات من كوادر «حماس» و«الجهاد الإسلامي» وحتى «فتح» إما لوقف العمليات، وكانت الذريعة «توفير الحماية»، وإما في برنامج حل مشكلة المطلوبين بعد عملية «السور الواقي».
بمراجعة عدد من المصادر، أفيد بأن الأجهزة الأمنية في نابلس (شمال) رفضت طلب ذوي عاصي تسليمه لهم وإبقاءه بحوزتهم، وذلك بحجة أنه يحمل الهوية الزرقاء (الإسرائيلية)، وأيضاً كي لا تتحمل المؤسسة الأمنية تبعات تسلمه، لأنه سبق في حالات أخرى إخفاق السلطة في توفير الحماية لعناصر المقاومة من ملاحقات الاحتلال، والمثال الكبير على ذلك ما حدث مع الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية» أحمد سعدات و«خلية زئيفي» عام 2006 حينما اقتحم جيش العدو سجن أريحا واعتقلهم.
حتى بعد هذه الحادثة بسبع سنوات، لم تستطع السلطة أن تمنع اعتقال ثلاثة من عناصرها سبّبوا مقتل مستوطن في محيط قبر يوسف شرق نابلس عام 2011 أثناء محاولتهم تفريق مجموعة من المستوطنين دخلت المدينة دون تنسيق أمني. ورغم أن محكمة عسكرية أجرت محاكمات داخلية حكمت بموجبها عليهم بالسجن ستة أشهر في سجون السلطة، احتجت إسرائيل على الأحكام، فعادت السلطة وحكمت على الثلاثة بالسجن لمدة عام وعلى رابع بثلاثة أعوام. وبمجرد أن أفرجت عنهم بعد قضاء محكوميتهم، أعاد جيش العدو اعتقالهم.
من جانب ثانٍ، تستمر الملاحقة الإسرائيلية الحثيثة لعاصي، وقد ضايق جيش العدو على مدار الأيام الماضية أقارب الشاب، واعتقل عمته وعدداً من أقاربه، ودهم بيوتهم بحثاً عنه، رغم مرور نحو أسبوع على المواجهات العنيفة بين الشبان وقوات العدو في نابلس، عندما أدت إلى استشهاد شاب وإصابة مئة، مع العلم أن العدو اقتحم المدينة في ذلك الوقت دون إبلاغ الجانب الفلسطيني بعدما وصلته معلومات عن وجود المطلوب في منزل والده.
مع ذلك، يتبين يوماً بعد يوم أن هذا التنسيق، في أحسن أحواله وأسوئها، هو تنسيق من طرف واحد، تحترم بموجبه السلطة التزاماتها تجاه العدو كافة، فيما لا يحترم الأخير أياً من التزاماته، وهو ما يتجلى بالاقتحامات اليومية لمدن وبلدات الضفة المصنفة مناطق «أ» وفق اتفاقية أوسلو. وبينما لا تملك الأجهزة الفلسطينية أي قرار جدي، أو لربما قدرة، لوقف التنسيق مع العدو، فهي تحت الضغط الشعبي توحي بأنها تخفضه، ولعل رفض تسلم عاصي أصاب عصفورين بحجر: هربٌ من المسؤولية عن مصير الشاب، خاصة في ظل نية الإسرائيلية لإعدامه مثل من سبقه من مطلوبين، وظهورٌ بمظهر الرافض للتنسيق.