دمشق | تاريخ القدود حفر على جدران مدينة حلب على أيدي مجموعة كبيرة من المشايخ من بينهم عبد الغني النابلسي، وعيسى البيانوني، ويوسف القرنفلي، وأم محمد التلاوية. لاحقاً، أضاف الحلبيون في نهاية القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، شيئاً جديداً إلى تراثهم الموسيقي الغني، تمثّل في أغنيات لاقت رواجاً واسعاً، ثم اجترحوا أساليب غناء عرفت من ضمن ألوان الغناء العربي مثل: القدود والموشحات الحلبية، والموال، والطقطوقة...
ضمن واحد من تلك الأنواع، تندرج الأغنية الشعبية الشهيرة «الروزنا» والكلمة فارسية الأصل تعني فتحة السقف في البيت القديم، التي تستخدم لتصريف دخان الحطب، ودخول أشعة الشمس. من هناك ـــــ بحسب مجموعة متقاطعة من القصص التراثية غير الموثقة ـــ كان يطلّ ابن أحد التجار الأغنياء، على حبيبته ليتبادلا الغزل. وعندما افتضح أمرهما، سدّ الوالد الفقير الشبّاك، ومنع التاجر من دخول القرية. قبلها، سمعت الصبية قصة الذكاء التجاري بأن يوضع العنب تحت التفّاح حتى ينضج جيداً ويزداد ثمنه. وعندما اشتد الشوق بعد الفراق، غنّت الصبية بصوت عذب أدهش المارين من قرب بيتها فكانت الأغنية الشهيرة. وفي روايات أخرى، يحكى أنّه خلال الاحتلال العثماني، أرادت سفينة «روزنا» إغراق الأسواق اللبنانية بالتفاح، مقابل كساد المحصول المحلي، فهرع أهل حلب لتحمل عبء القصة مادياً واشتروا المحاصيل اللبنانية، فأنشد لهم الأهالي أغنية «الروزنا». على أي حال، شيء من ذاك يتجلى في حكاية المسلسل السوري «روزنا» (تأليف جورج عربجي، إخراج عارف الطويل، بطولة بسّام كوسا ونادين تحسين بيك وجيانا عيد، وميلاد يوسف... إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني)
بين الأسواق القديمة في حلب وأحيائها، وبين ريف دمشق المدمّر، ومطار الشام الدولي، وشوارع العاصمة الحديثة، تدور كاميرا الممثل والمخرج السوري. قصدناه في أكثر من مكان، لنلمح بأن الشيء الثابت في هذا العمل هو التعاطي المريح للمخرج مع فنييه، إلى درجة أنّ هؤلاء باتوا يبذلون قصارى جهدهم لإنجاز عمل رفيع المستوى. في حديثنا معه، يشرح عارف الطويل آلية تعاطيه مع الفنيين، فيقول: «منذ تخرجي من المعهد العالي للفنون المسرحية، وعملي في التمثيل، ثم انتقالي للإخراج، حرصت على التعاطي بعفوية مطلقة، وهذا طبعي. مهنة الإخراج تتطلب قيادة لموقع التصوير، إلى جانب الهمّ الإبداعي. والعمل الفني لا يتعلق بالمخرج وحده، وإن كان صاحب القرار النهائي والتصور لكل ما يجري، إلا أن التنفيذ يرمى على عاتق مجموعة من الخبرات الفنية.

حكاية عائلة خسرت أملاكها ونزحت إلى دمشق
بدونها، لا يمكن خلق حالة إبداعية متطورة. أصحاب تلك الخبرات من الفنيين هم الأجنحة التي يحلّق بها العمل، ومن دونها لا يمكنني فعل شيء. ثم إنّ العلاقة الإيجابية بين الفريق، تعطي نتائج طيبة على الصيغة النهائية. وفي حال كان المخرج حاد الطباع مع المجموعة، فإن التوتر سيتجلى على الخلاصة الأخيرة للمسلسل! لذا فالحالة الإنسانية ضرورة، ونحن نعمل في مهنة صعبة تتطلب شغلاً يومياً يصل إلى أكثر من 12 ساعة. وأضعف الإيمان أن يكون ربّان العمل مريحاً في تعاطيه مع فريقه». لكن هل يعتبر «روزنا» بمثابة عودة للمسلسل الحلبي ضمن نسيج الدراما السورية؟ يجيب نجم «الجوارح» (هاني السعدي ونجدت أنزور): «أتمنى لهذا المسلسل أن ينال حصّته من الانتشار، لأنه رسالة تنطلق من أحوال أسرة حلبية نالها ما نالها من الإرهاب، واضطرت للجوء إلى دمشق على أساس فترة قصيرة. لكن الأحداث تتراكم على رأس هذه الأسرة، ويصبح لدى كل فرد منها حكاية اجتماعية ما. إنّها عودة الأضواء نحو المدينة، وهي تتعافى من نير الحرب». من جانب آخر، تداول روّاد السوشال ميديا السورية قبل أيام مقطع فيديو تجميعياً لبورتريهات الشخصيات المشاركة على خلفية أغنية «روزنا»، فكان بمثابة مؤشر تمهيدي لأصداء جيدة. فهل كان السبب وراء ذلك مكانة الأغنية لدى الوجدان الجمعي للجمهور السوري، أم جماهيرية النجوم المشاركين؟ يوضح مخرج العمل: «السر يكمن في قوّة النص الذي ابتدع الحكاية، وأخذ نموذجاً اجتماعياً يفي فيه حق أسر كثيرة تعرضت للمآسي ذاتها. وغالباً يلعب وقع نجوم العمل لدى الشارع، دوراً في هذا الموضوع... على العموم سنشاهد عملاً إنسانياً معافى تماماً من المبالغات أو التشنجات الدرامية. عمل اجتماعي سوري تلفّه نكهة الحدث الذي يعصف ببلدنا».
أما عن السمة التي يمكن أن تميّز المخرج في طريقة تعاطيه مع ممثليه على اعتبار أن التمثيل هو مهنته الأساسية، فيقول: «الممثل هو أهم عنصر يقع أمام كامرتي، لأنه الأساس في نقل روح النص وتجسيدها. لا أحد يعطيك الروح مثلما يفعل الممثل، وغالباً فإنني أجيد التعامل معه كوننا درسنا الأبجدية نفسها. خلال تجربتي الإخراجية على مدار عشرين عملاً، فإنّ علاقة الشراكة الإبداعية مع الممثل هي الأهم بالنسبة إليّ، ولا أسمح المساس بها، ولو على حساب أي تفصيل آخر في العمل».
من جانبه، يشرح مؤلف النص جورج عربجي في حديثه معنا، عن تفاصيل حكايته، قائلاً: «نحن هنا أمام قطعة مثلثة الشكل ومقطوعة من فطيرة الحياة السورية. تعرض واقع حكاية عائلة حلبية هي عائلة وفا (بسام كوسا) وزوجته ساميّة (سلوى جميل) وأبنائهما الثلاثة ديمة (نادين تحسين بك) وباسم (رامي أحمر) ورزان (هبة زهرة)، اضطرتها الظروف للإقامة في دمشق. تحاكي شخصياته لسان حال جميع من مرّوا بتلك التجارب الصعبة... يعكس العمل أحداثاً وقعت مع تلك العائلة من دون تزيين أو تلطيف! وفي المقلب الآخر، سنتابع عائلة فرح (جيانا عيد) وزوجها عاصم (توفيق اسكندر) وابنهما الوحيد (عامر علي) بعدما شاءت الظروف أن تربط بين العائلتين علاقة مزعجة للطرفين تمثل تصارع محدثي النعمة مع أصحابها الأصليين. والنتيجة أنّ لا منتصر في مثل هذه الصراعات، إنما يبقى الأصيل أصيلاً ويبقى صاحب المال ـــ ولو كان محدثاً ـــ يمتلك الكلمة الأخيرة حتى في ما يتعلّق بمصائر الناس». وعن عناصر الجدّة في النص، يشرح عربجي: «المسلسل ليس حلبياً بالمطلق من حيث البيئة المحيطة بتلك العائلة، ولكن نستطيع اعتباره عودة مقنعة للدراما الحلبية بنكهة دمشقية من دون أن يخلو من كوميديا الموقف التي أجاد لعبها النجم أندريه سكاف».
من جانبها، تختصر النجمة جيانا عيد الحديث عن دورها بالقول إنّه «واحد من أهم الأدوار التي لعبتها في حياتي، ومختلف كلّياً عن كل الأدوار السابقة، رغم عشرات الشخصيات التلفزيونية التي مرّت في مشوراي المهني».
من ناحيته، يوضح النجم ميلاد يوسف بعض خطوط شخصيته، فيقول: «ألعب شخصية «أنور» الشاب الدمشقي الذي يسبقه قلبه نحو ابنة العائلة الحلبية التي تنزح من مدينتها ويبدأ بالتعاطف معها ليس على المستوى الإنساني فقط، بل كحالة تمثل نموذجاً يكثف معاناة السوريين. تخسر العائلة جميع أملاكها في حلب، وتجد رجلاً في الشام تعتمد عليه في كل المصاعب. لن يكون هو فقط سند هذه الأسرة، بل ستخلق له قصة الحب هذه والتمازج مع يومياتها، مفترقاً في حياته، إذ سينتقل من المعتاد والرتيب، إلى اللهفة الساحرة والفضول الأخّاذ».
يودّعنا مدير إنتاج المسلسل سامر الطويل من خلال حديث ممزوج بالحنين عن حلب التي انطلق المسلسل منها، كأول عمل يصور فيها بعد تحريرها. يقول: «قدّمت لنا الجهات الحكومية هنا رعاية عالية، وزارتنا غالبية ممثلي المدينة، وأحاطنا الأهالي بحب كبير. كأنهم كانوا يحتفلون بأول كاميرا دراما تدور في مدينتهم بعد الحرب. حقيقة، تراودني أمنية عميقة بأن يأتيني عمل أصوّره كاملاً في عاصمة الشمال وخزّان الاقتصاد السوري، وهو ينفض عن كاهله غبار المعارك»