لم يجد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون رئيساً ولا وزيراً أو مديراً عاماً في استقباله. وصل قرابة العاشرة إلا عشر دقائق من صباح أمس، فوجد عند سلم الطائرة الأميركية الخاصة، على أرض مطار بيروت، مدير المراسم بالتكليف في وزارة الخارجية السفير عساف ضومط والسفيرة الأميركية اليزابيث ريتشارد التي رافقت ضيفها في موكب للسفارة الأميركية توجه مباشرة إلى القصر الجمهوري في بعبدا.
عند باب القصر الخارجي، وجد تيلرسون والوفد المرافق مدير المراسم في رئاسة الجمهورية الدكتور نبيل شديد في استقبالهم. دخل الزائر الأميركي على وقع العدسات الصحافية، فيما كانت بعض المحطات التلفزيونية تنقل وقائع «الاستقبال» على الهواء مباشرة.
دخل تيلرسون إلى قاعة السفراء. صافح مستقبليه من أعضاء الوفد اللبناني الذي شارك في المحادثات الرسمية: المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، المستشارون ميراي عون الهاشم، العميد الركن بولس مطر والسفير شربل وهبه، مدير مكتب وزير الخارجية المستشار هادي هاشم ومدير الاعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا.
أين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل؟

تعمّد باسيل إدارة ظهره، وتولى مدير المراسم وداع الضيف الأميركي




سؤال صامت كان يردّده مرافقو تيلرسون، بينما كان الأخير يقف أمام الكرسي المخصص له، يلتفت يميناً ويساراً، منتظراً عون أو باسيل، في ظل حالة إرباك سادت الجانبين.
فجأة، قرر تيلرسون الجلوس في مقعده. استلّ رزمة من الأوراق من جيب سترته. طالعها وأعادها إلى مكانها. وزّع ابتساماته على المصورين والحاضرين. كان ينتظر... وانتظاره كان ثقيلاً. بعد خمس دقائق، أطلّ من الباب الرئيسي نظيره اللبناني جبران باسيل مهرولاً. صافحه من دون أن يراعي بروتوكول أزرار السترة المقفلة. لم تمض ثوان، حتى أطلّ عون من الباب الجانبي الفاصل بين مكتبه وقاعة السفراء. صافح تيلرسون، لكن اللافت للانتباه عدم مصافحته أعضاء الوفد الأميركي. جلس الضيف إلى يمين الرئيس، فيما خُصِّص إلى يسار عون مقعد لباسيل لوحظ ان مراسم القصر تحرص على تكريسه كعرف، في استقبالات محدّدة.
أقفلت أبواب القاعة وبدأت المحادثات. نصف ساعة وغادر الضيف الأميركي بعد أن خطّ كلمات قليلة في سجل الشرف. جبران باسيل، وبعد خلوة مع نظيره، تعمّد إدارة ظهره، فراح يمازح الصحافيين، وتولى مدير المراسم نبيل شديد أيضاً وداع الضيف الأميركي حتى بوابة القصر الخارجية.
لم تهدأ الاتصالات بعد مغادرة الوفد الأميركي بيروت. البعض لام السفيرة الأميركية على سوء التنسيق مع البروتوكول اللبناني. كان جواب السفارة أن ما حصل في القصر الجمهوري هو عيّنة صغيرة لما يحصل يومياً في وزارة الخارجية مع معظم الضيوف والسفراء. حتى إن السفيرة ريتشارد قررت في الآونة الأخيرة أن لا تزور قصر بسترس إلا بطلب رسمي من وزارة الخارجية اللبنانية أو بطلب من بلادها.
ما هي خلفية ما قام به رئيس الجمهورية؟
قال أحد المستشارين إن عون عندما شارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول الماضي، أبدى انزعاجه من «الإشكالات» التي رافقت الاستقبال الذي يقيمه الرئيس الأميركي على شرف الرؤساء المشاركين في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تغيّب عنه عون حينذاك «لارتباطه بلقاء مع أبناء الجالية اللبنانية في نيويورك». البعض الآخر وضع السلوك الرئاسي في خانة الاحتجاج على عدم توجيه دعوة رسمية أميركية إلى عون لزيارة الولايات المتحدة. أما المصادر الرسمية، فتضع الأمر في خانة الـ«عادي»: «وصل تيلرسون إلى القصر قبل موعده، ووزير الخارجية جبران باسيل «علق في زحمة سير»، والرئيس دخل القاعة في الموعد تماماً».
رغم ذلك، يبقى أن ما جرى يمثّل سابقة في العلاقات اللبنانية ــ الأميركية. أول وزير خارجية أميركي يزور لبنان منذ أربع سنوات. آخر زيارة قام بها جون كيري في عهد الفراغ الرئاسي. في عهد ميشال سليمان، كانت العلاقات عادية. في عهد إميل لحود، لم يصدق الأميركيون أن رئيس جمهورية لبنان أقفل سماعة الهاتف بوجه وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت.
يقول لحود في روايته إنه كان قد مضى في أيار عام ألفين (عشية التحرير) على آخر محادثة هاتفية نهارية بينه وبين وزيرة خارجية الولايات المتحدة نحو خمس ساعات. اتصلت به ليلاً، وعندما احتدم النقاش الهاتفي، قالت له: هل تعلم مع من تتكلم؟ أنت تتحدث مع وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية... فهل تعلم ما معنى ذلك، «مستر» لحود؟ ويقول لحود إنه ردّ عليها سريعاً: «معنى ذلك أن الساعة عندنا صارت الخامسة فجراً، نعست، وأريد أن أنام، وأقفلتُ خط الهاتف في وجهها».
(الأخبار)