لم يعلن أحد من زعماء القوى الرئيسية أسماء مرشحيه لانتخابات 6 أيار، رغم انقضاء ثلث مهلة الترشح التي تنتهي في 6 آذار. لا يبدو مستعجلاً أيضاً الإفصاح عن لوائحه وتحالفاته في المهملة الملزمة ما بين 6 آذار و26 منه. كل منهم ينتظر الآخر من دون أن يبدو جازماً في ما يشاع عن مؤشرات التحالفات. لا ظهور واضحاً تماماً في انتخابات 2018 للتدخّل الخارجي الذي أدار استحقاقَي 2005 و2009 بأدق تفاصيلهما، ولا سبب مباشراً للقول اليوم ان لا تدخّل خارجياً محتملاً هذه المرة.
بذلك، تبدو انتخابات 2018، في الظاهر على الأقل، كما لو أنها انتخابات لبنانية محض، يديرها أصحاب البيت وحدهم بلا شركاء. لا وجود لفريقي 8 و14 آذار على أرض الاستحقاق، مع أن المشروع الإقليمي لكل منهما لا يزال ماثلاً أمامهما على نحو نافر، وكان في صلب ما تحدّث عنه الرئيس سعد الحريري في خطاب 14 شباط، وتحدّث عنه السيد حسن نصرالله، مساء أمس. مجرد نعي الزعيمين بطريقة أو أخرى كلا الائتلافين والذهاب إلى انتخابات 2018 من دونهما، لا يحجب واقع أنهما في قلب مشروعين إقليميين متناقضين منذ استحقاق 2005، وهما اللذان أوجدا قوى 8 و14 آذار. يكفي انتماؤهما إليهما كي يُفتح الباب على تدخّل الدولتين الإقليميتين المعنيتين بصراعهما.

امتحان الحريري في
الدوائر السنّية لئلا يقتصر
على كتلة بيروتية


لم يكن ما قاله وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون الخميس في السرايا عن أن على اللبنانيين أن يقلقوا مما يفعله حزب الله بعد نعته بالمنظمة الإرهابية واتهامه بسفك الدماء، إلا استكمالاً منفّراً لما قاله الحريري ملطّفاً في ذكرى 14 شباط. لم يردّ على كلام تيليرسون ولا استدركه، طاوياً موافقة ضمنية تلاقي شعاره لانتخابات 2018، في استعادة لكلام متشدّد مماثل كان رئيس الحكومة قد سمعه في البيت الأبيض في 25 تموز 2017 من الرئيس دونالد ترامب بإزاء الحزب دونما أن يعقّب عليه، ما يقدّم دليلاً إضافياً، في توقيت مناسب، على الدور الخارجي في التوازنات السياسية الداخلية. الحريّ أن يكون كذلك عندما يتعلق الأمر باستحقاق ينشأ منه هذا التوازن.
كلاما الرئيس والوزير التقيا على فكرة واحدة، هي أن حزب الله تهديد للدولة اللبنانية والمنطقة.
ما ينقص لبننة انتخابات 2018 كي تتشبّه بانتخابات 2005 و2009 هما: الاصطفافات والمال السياسي. كلاهما لم يأتِ بعد.
ما هو معلن لدى الكتل الرئيسية لا يعكس بالضرورة ما سيكون عليه تأليف اللوائح في الشهر المقبل. إذ يدور استحقاق 2018 برمته ـ وإن في ظل الصوت التفضيلي المذهبي الذي ينيب المرشح ـ من حول الخيارات التي لم يبتّها بعد الفريقان السنّي والشيعي، على غرار ما فعلا في انتخابات 2005 حينما ثبّتا التحالف الرباعي من ضمن انقسام قوى 8 و14 آذار، وحينما عزما على المواجهة في انتخابات 2009:
1 ـ كلاهما، تيار المستقبل والثنائي الشيعي (أمل وحزب الله)، جزما باكراً بخيار المواجهة. كلٌّ بلوائح مكتملة أو شبه مكتملة في دوائر الآخر، من دون الأخذ بالاعتبار مراعاة الخصم أو التواطؤ الضمني. في الدائرة الثانية في بيروت وفي صيدا ـ جزين ينافس الثنائي الشيعي تيار المستقبل، وفي البقاع الشمالي ينافس تيار المستقبل الثنائي الشيعي. كلا الفريقين يتوقع سلفاً خسارة مقاعد في دائرة اعتاد أن تكون له. ما يصحّ على احتمال فقدان تيار المستقبل المقعد السنّي الثاني في صيدا، يصحّ على توقّع حزب الله وحركة أمل فقدان أحد المقعدين السنّيين في بعلبك ـ الهرمل. وإذ أعدّ الثنائي الشيعي العدة للقبض على المقعدين الشيعيين في الدائرة الثانية في بيروت كي يسترجع أحدهما من تيار المستقبل، يعدّ أيضاً العدّة كي يتوقع حصول تيار المستقبل على المقاعد السنّية الستة في هذه الدائرة، إضافة إلى وضع اليد، للمرة الأولى منذ انتخابات 1992، على مقعد سنّي في بعلبك ـ الهرمل، في دلالة سياسية أكثر منها انتخابية، بالغة الأهمية في عقر دار حزب الله، مرتبطة بما رمزت إليه عرسال منذ عام 2014 وموقعها المناوئ له في الحرب السورية.
2 ـ القرار الحاسم بين قيادتي حزب الله وأمل ليس الاكتفاء بالحصول على كل مقاعد الطائفة (27 مقعداً)، بل تفاهمهما على تقاسمها: مقعدا بيروت مناصفة، مقعدا بعبدا مناصفة، مقعدا جبيل وزحلة لحزب الله، مقعد البقاع الغربي لحركة أمل، بعلبك ـ الهرمل أربعة للحزب والخامس لحركة أمل، على أن يتقاطع السادس بينهما من خارج تنظيميهما للواء الركن جميل السيد، في دائرتي الجنوب تسعة لحركة أمل وأربعة لحزب الله.
3 ـ مقدار ارتياح تيار المستقبل إلى الدائرة الثانية، نظراً إلى ضعف منافسيه السنّة فيها، يتوجّس من المواجهة في دائرة طرابلس ـ المنية ـ الضنية. هناك الناخبون السنّة ـ خلافاً لحال العاصمة ـ مشتتون على قوى تقليدية كالرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين السابقين محمد الصفدي وفيصل كرامي أو المستجدة كالوزير السابق اللواء أشرف ريفي، أضف أن للطائفة 8 مقاعد من المقاعد الـ11، ما يضفي دلالة على الحاجة إلى انتزاع أكبر مقدار منها لتكريس الزعامة السنّية في العاصمة الثانية ـ بعد نصف العاصمة الأولى ـ ما دام فقدان المقعد السنّي الثاني في صيدا مهدّداً وربما واقعاً. لعله الامتحان الفعلي للحريري بالذات كي لا يمسي في هذا الاستحقاق ما كان عليه والده الراحل في انتخابات 1996 و2000، رئيس كتلة بيروتية فحسب، راح يعوّل على حلفاء كالرئيس نبيه برّي في صيدا، والنائب وليد جنبلاط في الشوف وبعبدا وعاليه، وعلى السوريين في عكار والضنية. تبدو المنافسة في ثانية الدوائر السنّية القوية مربكة. الحليف الفعلي هناك هم العلويون أكثر منهم الناخبون الأرثوذوكس والموارنة. ليست هذه وحدها الدائرة المقلقة لتيار المستقبل. تنتظره دائرة البقاع الغربي ـ راشيا بخليط مقاعدها الستة، رغم أن له فيها مقعدين سنيّين يفوزان بالصوت التفضيلي. إلا أن تحالفه عالق بين ما يلحّ عليه النائب وليد جنبلاط بمقعد أرثوذوكسي إلى المقعد الدرزي، وما يلحّ عليه التيار الوطني بمقعد ماروني غير مضمون.